الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      سليمان بن يسار ( ع )

                                                                                      الفقيه ، الإمام ، عالم المدينة ومفتيها ، أبو أيوب ، وقيل : أبو عبد الرحمن وأبو عبد الله ، المدني ، مولى أم المؤمنين ميمونة الهلالية ، وأخو عطاء بن يسار ، وعبد الملك وعبد الله . وقيل : كان سليمان مكاتبا لأم سلمة . ولد في خلافة عثمان .

                                                                                      وحدث عن زيد بن ثابت ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، وحسان بن ثابت ، وجابر بن عبد الله ، ورافع بن خديج ، وابن عمر ، وعائشة ، وأم سلمة ، [ ص: 445 ] وميمونة ، وأبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - وحمزة بن عمرو الأسلمي ، والمقداد بن الأسود ، وذلك في أبي داود والنسائي وابن ماجه - وما أراه لقيه - وسلمة بن صخر البياضي - مرسل - وعبد الله بن حذافة السهمي - مرسل - والفضل بن العباس - مرسل - وأبي سعيد الخدري ، والربيع بنت معوذ ، وعدد من الصحابة .

                                                                                      ويروي أيضا عن عروة ، وكريب ، وعراك بن مالك ، وأبي مراوح ، وعمرة ، ومسلم بن السائب ، وغيرهم .

                                                                                      وكان من أوعية العلم ; بحيث إن بعضهم قد فضله على سعيد بن المسيب .

                                                                                      حدث عنه أخوه عطاء ، والزهري ، وبكير بن الأشج ، وعمرو بن دينار وعمرو بن ميمون بن مهران ، وسالم أبو النضر ، وربيعة الرأي ، وأبو الأسود يتيم عروة ، ويعلى بن حكيم ، ويعقوب بن عتبة ، وأبو الزناد ، وصالح بن كيسان ، ومحمد بن عمرو بن عطاء ، ومحمد بن يوسف الكندي ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، ويونس بن يوسف ، وعبد الله بن الفضل الهاشمي ، وعمرو بن شعيب ، ومحمد بن أبي حرملة ، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، وخثيم بن عراك ، وخلق سواهم .

                                                                                      قال الزهري : كان من العلماء .

                                                                                      وقال أبو الزناد : كان ممن أدركت من فقهاء المدينة وعلمائهم ممن يرضى وينتهى إلى قولهم : سعيد بن المسيب ، وعروة ، والقاسم ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وخارجة بن زيد ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وسليمان بن يسار ، في مشيخة أجلة سواهم من نظرائهم أهل فقه وصلاح وفضل . [ ص: 446 ]

                                                                                      قال الحسن بن محمد بن الحنفية : سليمان بن يسار عندنا أفهم من سعيد بن المسيب .

                                                                                      الواقدي عن عبد الله بن يزيد الهذلي : سمعت سليمان بن يسار يقول : سعيد بن المسيب بقية الناس . وسمعت السائل يأتي سعيد بن المسيب فيقول : اذهب إلى سليمان بن يسار ; فإنه أعلم من بقي اليوم .

                                                                                      وقال مالك : كان سليمان بن يسار من علماء الناس بعد سعيد بن المسيب ، وكان كثيرا ما يوافق سعيدا ، وكان سعيد لا يجترئ عليه .

                                                                                      قال مصعب الزبيري ، عن مصعب بن عثمان : كان سليمان بن يسار أحسن الناس وجها ، فدخلت عليه امرأة ، فسامته نفسه ، فامتنع عليها ، فقالت : إذا أفضحك ، فخرج إلى خارج وتركها في منزله وهرب منها ، قال سليمان : فرأيت يوسف - عليه السلام - وكأني أقول له : أنت يوسف ؟ قال : نعم ، أنا يوسف الذي هممت ، وأنت سليمان الذي لم تهم .

                                                                                      إسنادها منقطع .

                                                                                      قال ابن معين : سليمان ثقة .

                                                                                      وقال أبو زرعة : ثقة ، مأمون ، فاضل عابد . وقال النسائي : أحد الأئمة .

                                                                                      وقال ابن سعد كان ثقة ، عالما ، رفيعا ، فقيها ، كثير الحديث ، مات سنة سبع ومائة . [ ص: 447 ]

                                                                                      وكذا أرخه مصعب بن عبد الله ، وابن معين ، والفلاس ، وعلي بن عبد الله التميمي ، والبخاري ، وطائفة ، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة .

                                                                                      قلت : فيكون مولده في أواخر أيام عثمان في سنة أربع وثلاثين .

                                                                                      وقال يحيى بن بكير : توفي سنة تسع وهذا وهم ; لعله تصحف .

                                                                                      وقال خليفة : مات سنة أربع وقال الهيثم بن عدي : سنة مائة . وهذا شاذ ، وأشذ منه رواية البخاري عن هارون بن محمد ، عن رجل أنه مات هو وابن المسيب وعلي بن الحسين وأبو بكر بن عبد الرحمن ، سنة الفقهاء سنة أربع وتسعين .

                                                                                      أخبرنا أحمد بن سلامة إجازة عن أبي المكارم التيمي ، أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا ابن خلاد ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني يونس بن يوسف عن سليمان بن يسار ، قال : تفرق الناس عن أبي هريرة ، فقال له ناتل أخو أهل الشام : يا أبا هريرة ، حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة : رجل استشهد ، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها ، فقال : ما عملت فيها ؟ قال : قاتلت في سبيلك حتى استشهدت . فقال : كذبت ; إنما أردت أن يقال فلان جريء ، فقد قيل . فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ; ورجل تعلم العلم ، وقرأ القرآن ، فأتي به ، فعرفه نعمه فعرفها ، فقال : ما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وقرأت القرآن وعلمته فيك . قال : كذبت ; إنما أردت أن يقال فلان عالم ، وفلان قارئ ، فقد قيل . فأمر به فسحب على وجهه إلى النار ; ورجل آتاه الله من أنواع المال ، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : ما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت فيه لك . فقال : كذبت ; إنما أردت أن يقال فلان جواد ، فقد قيل . فأمر به ، فسحب على وجهه حتى ألقي في النار " [ ص: 448 ] هذا حديث صحيح .

                                                                                      قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر : قدم علينا سليمان بن يسار دمشق ، فدعاه أبي إلى الحمام ، وصنع له طعاما . وكان أبوه يسار فارسيا .

                                                                                      وقال الواقدي : ولي سليمان سوق المدينة لأميرها عمر بن عبد العزيز .

                                                                                      قال ابن المديني والبخاري ومسلم : يكنى أبا أيوب .

                                                                                      وعن قتادة : قال : قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهلها بالطلاق ، فقيل : سليمان بن يسار .

                                                                                      وعن أبي الزناد ، قال : كان سليمان بن يسار يصوم الدهر ، وكان أخوه عطاء يصوم يوما ويفطر يوما .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية