الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      سعيد بن جبير ( ع )

                                                                                      ابن هشام ، الإمام الحافظ المقرئ المفسر الشهيد ، أبو محمد ، ويقال : أبو عبد الله الأسدي الوالبي ، مولاهم الكوفي ، أحد الأعلام .

                                                                                      [ ص: 322 ] روى عن ابن عباس فأكثر وجود ، وعن عبد الله بن مغفل ، وعائشة ، وعدي بن حاتم ، وأبي موسى الأشعري في سنن النسائي ، وأبي هريرة ، وأبي مسعود البدري - وهو مرسل - وعن ابن عمر ، وابن الزبير ، والضحاك بن قيس ، وأنس ، وأبي سعيد الخدري .

                                                                                      وروى عن التابعين ، مثل أبي عبد الرحمن السلمي . وكان من كبار العلماء .

                                                                                      قرأ القرآن على ابن عباس . قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء وطائفة .

                                                                                      وحدث عنه أبو صالح السمان ، وآدم بن سليمان والد يحيى ، وأشعث بن أبي الشعثاء ، وأيوب السختياني وبكير بن شهاب ، وثابت بن عجلان ، وأبو المقدام ثابت بن هرمز ، وجعفر بن أبي المغيرة ، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية ، وحبيب بن أبي ثابت ، وحبيب بن أبي عمرة ، وحسان بن أبي الأشرس ، وحصين ، والحكم ، وحماد ، وخصيف الجزري ، وزر الهمداني ، وزيد العمي ، وسالم الأفطس ، وسلمة بن كهيل ، وسليمان بن أبي المغيرة ، وسليمان الأحول ، وسليمان الأعمش ، وسماك بن حرب ، وأبو سنان ضرار بن مرة ، وطارق بن عبد الرحمن ، وطلحة بن مصرف ، وأبو سنان طلحة بن نافع ، وأبو حريز عبد الله بن حسين ، وابنه عبد الله بن سعيد ، وعبد الله بن عثمان بن خثيم ، [ ص: 323 ] وعبد الله بن عيسى بن أبي ليلى ، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي ، وعبد الكريم الجزري ، وعبد الكريم أبو أمية البصري ، وابنه عبد الملك بن سعيد ، وعبد الملك بن أبي سليمان ، وعبد الملك بن ميسرة ، وعثمان بن حكيم ، وعثمان بن أبي سليمان ، وعثمان بن قيس ، وعدي بن ثابت ، وعزرة بن عبد الرحمن ، وعطاء بن السائب ، وعكرمة بن خالد ، وعلي بن بذيمة ، وعمار الدهني ، وعمرو بن دينار ، وعمرو بن سعيد البصري ، وعمرو بن عمرو المدني ، وعمرو بن مرة ، وعمرو بن هرم ، وفرقد السبخي ، وفضيل بن عمرو الفقيمي ، والقاسم بن أبي أيوب ، والقاسم بن أبي بزة ، وكثير بن كثير بن المطلب ، وكلثوم بن جبر ، ومالك بن دينار ، ومجاهد رفيقه ، ومحمد بن سوقة ، ومحمد بن أبي محمد ، والزهري ، ومحمد بن واسع ، ومسعود بن مالك ، ومسلم البطين ، والمغيرة بن النعمان ، ومنصور بن حيان ، ومنصور بن المعتمر ، والمنهال بن عمرو ، وموسى بن أبي عائشة ، وأبو شهاب الحناط الأكبر موسى بن نافع ، وميمون بن مهران ، وهشام بن حسان ، وهلال بن خباب ، ووبرة بن عبد الرحمن ، ووهب بن مأنوس ، وأبو هبيرة يحيى بن عباد ، ويحيى بن ميمون أبو المعلى العطار ، ويعلى بن حكيم ، ويعلى بن مسلم ، وأبو إسحاق السبيعي ، وأبو حصين الأسدي ، وأبو الزبير المكي ، وأبو الصهباء الكوفي ، وأبو عون الثقفي ، وأبو هاشم الرماني ، وخلق كثير .

                                                                                      روى ضمرة بن ربيعة ، عن أصبغ بن زيد ، قال : كان لسعيد بن جبير ديك ، كان يقوم من الليل بصياحه ، فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح ، فلم يصل سعيد تلك الليلة ، فشق عليه ، فقال : ما له قطع الله صوته ؟ فما سمع له صوت بعد . فقالت له أمه : يا بني ، لا تدع على شيء بعدها .

                                                                                      [ ص: 324 ] قال أبو الشيخ : قدم سعيد أصبهان زمن الحجاج ، وأخذوا عنه .

                                                                                      وعن عمر بن حبيب قال : كان سعيد بن جبير بأصبهان لا يحدث ، ثم رجع إلى الكوفة فجعل يحدث ، فقلنا له في ذلك فقال : انشر بزك حيث تعرف .

                                                                                      قال عطاء بن السائب : كان سعيد بن جبير بفارس ، وكان يتحزن ، يقول : ليس أحد يسألني عن شيء . وكان يبكينا ، ثم عسى أن لا يقوم حتى نضحك .

                                                                                      شعبة ، عن القاسم بن أبي أيوب : كان سعيد بن جبير بأصبهان ، وكان غلام مجوسي يخدمه ، وكان يأتيه بالمصحف في غلافه .

                                                                                      قال القاسم بن أبي أيوب : سمعت سعيدا يردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله .

                                                                                      أنبأنا أحمد بن أبي الخير ، عن اللبان ، أنبأنا الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا سعيد بن أبي الربيع السمان ، حدثنا أبو عوانة ، عن إسحاق مولى عبد الله بن عمر ، عن هلال بن يساف ، قال : دخل سعيد بن جبير الكعبة فقرأ القرآن في ركعة .

                                                                                      الحسن بن صالح ، عن وقاء بن إياس ، قال : كان سعيد بن جبير يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء في شهر رمضان ، وكانوا يؤخرون العشاء .

                                                                                      [ ص: 325 ] قلت : هذا خلاف السنة ، وقد صح النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث .

                                                                                      يزيد : أنبأنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سعيد بن جبير ، أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين .

                                                                                      يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة : كان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه ، يقول : أليس فيكم ابن أم الدهماء ؟ يعني سعيد بن جبير .

                                                                                      قال ابن مهدي ، عن سفيان ، عن عمرو بن ميمون ، عن أبيه قال : لقد مات سعيد بن جبير وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه .

                                                                                      وقال ضرار بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، قال : التوكل على الله جماع الإيمان .

                                                                                      وكان يدعو : اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك ، وحسن الظن بك .

                                                                                      أبو عوانة ، عن هلال بن خباب ، قال : خرجت مع سعيد بن جبير في رجب ، فأحرم من الكوفة بعمرة ، ثم رجع من عمرته ، ثم أحرم بالحج في النصف من ذي القعدة ، وكان يحرم في كل سنة مرتين ، مرة للحج ، ومرة للعمرة .

                                                                                      [ ص: 326 ] ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، قال : إن الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيتك ، فتلك الخشية ، والذكر طاعة الله ، فمن أطاع الله فقد ذكره ، ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن .

                                                                                      وروي عن حبيب بن أبي ثابت : قال لي سعيد بن جبير : لأن أنشر علمي أحب إلي من أن أذهب به إلى قبري .

                                                                                      قال هلال بن خباب : قلت لسعيد بن جبير : ما علامة هلاك الناس ؟ قال : إذا ذهب علماؤهم .

                                                                                      وقال عمر بن ذر : كتب سعيد بن جبير إلى أبي كتابا أوصاه بتقوى الله وقال : إن بقاء المسلم كل يوم غنيمة ، فذكر الفرائض والصلوات وما يرزقه الله من ذكره .

                                                                                      أحمد حدثنا معتمر ، عن الفضيل بن ميسرة ، عن أبي حريز ، أن سعيد بن جبير قال : لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر . تعجبه العبادة ويقول : أيقظوا خدمكم يتسحرون لصوم يوم عرفة .

                                                                                      عباد بن العوام : أنبأنا هلال بن خباب : خرجنا مع سعيد بن جبير في [ ص: 327 ] جنازة ، فكان يحدثنا في الطريق ويذكرنا ، حتى بلغ ، فلما جلس ، لم يزل يحدثنا حتى قمنا ، فرجعنا ، وكان كثير الذكر لله .

                                                                                      وعن سعيد ، قال : وددت الناس أخذوا ما عندي ; فإنه مما يهمني .

                                                                                      أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، قال : أتيت سعيد بن جبير بمكة ، فقلت : إن هذا الرجل قادم - يعني خالد بن عبد الله - ولا آمنه عليك ، فأطعني واخرج . فقال : والله لقد فررت حتى استحييت من الله . قلت : إني لأراك كما سمتك أمك سعيدا . فقدم خالد مكة ، فأرسل إليه فأخذه .

                                                                                      أحمد : حدثنا إبراهيم بن خالد ، حدثنا أمية بن شبل ، عن عثمان بن برذويه قال : كنت مع وهب وسعيد بن جبير يوم عرفة بنخيل ابن عامر ، فقال له وهب : يا أبا عبد الله ، كم لك منذ خفت من الحجاج ؟ قال : خرجت عن امرأتي وهي حامل ، فجاءني الذي في بطنها وقد خرج وجهه . فقال وهب : إن من قبلكم كان إذا أصاب أحدهم بلاء عده رخاء ، وإذا أصابه رخاء عده بلاء .

                                                                                      [ ص: 328 ] قال سالم بن أبي حفصة لما أتي الحجاج بسعيد بن جبير قال : أنا سعيد بن جبير ، قال : أنت شقي بن كسير ، لأقتلنك . قال : فإذا أنا كما سمتني أمي ، ثم قال : دعوني أصل ركعتين . قال : وجهوه إلى قبلة النصارى . قال : فأينما تولوا فثم وجه الله وقال : إني أستعيذ منك بما عاذت به مريم . قال : وما عاذت به ؟ قال : قالت : إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا .

                                                                                      رواها ابن عيينة ، عن سالم . ثم قال ابن عيينة : لم يقتل بعد سعيد إلا رجلا واحدا .

                                                                                      وعن عتبة مولى الحجاج ، قال : حضرت سعيدا حين أتي به الحجاج بواسط ، فجعل الحجاج يقول : ألم أفعل بك ؟ ! ألم أفعل بك ؟ ! فيقول : بلى . قال : فما حملك على ما صنعت من خروجك علينا ؟ قال : بيعة كانت علي - يعني لابن الأشعث - فغضب الحجاج وصفق بيديه ، وقال : فبيعة أمير المؤمنين كانت أسبق وأولى . وأمر به ، فضربت عنقه .

                                                                                      وقيل : لو لم يواجهه سعيد بن جبير بهذا ، لاستحياه كما عفا عن الشعبي لما لاطفه في الاعتذار .

                                                                                      حامد بن يحيى البلخي : حدثنا حفص أبو مقاتل السمرقندي ، حدثنا عون بن أبي شداد : بلغني أن الحجاج لما ذكر له سعيد بن جبير أرسل إليه قائدا يسمى المتلمس بن أحوص في عشرين من أهل الشام . فبينما هم يطلبونه إذا هم براهب في صومعته ، فسألوه عنه فقال : صفوه لي ، فوصفوه فدلهم عليه ، فانطلقوا فوجدوه ساجدا يناجي بأعلى صوته ، فدنوا وسلموا ، [ ص: 329 ] فرفع رأسه ، فأتم بقية صلاته ، ثم رد السلام ، فقالوا : إنا رسل الحجاج إليك ، فأجبه ، قال : ولا بد من الإجابة ؟ قالوا : لا بد . فحمد الله وأثنى عليه وقام معهم حتى انتهى إلى دير الراهب ، فقال الراهب : يا معشر الفرسان أصبتم صاحبكم ؟ قالوا : نعم . فقال : اصعدوا ، فإن اللبؤة والأسد يأويان حول الدير . ففعلوا وأبى سعيد أن يدخل . فقالوا : ما نراك إلا وأنت تريد الهرب منا ، قال : لا ، ولكن لا أدخل منزل مشرك أبدا ، قالوا : فإنا لا ندعك ، فإن السباع تقتلك ، قال : لا ضير ، إن معي ربي يصرفها عني ويجعلها حرسا تحرسني ، قالوا : فأنت من الأنبياء ؟ قال : ما أنا من الأنبياء ، ولكن عبد من عبيد الله مذنب . قال الراهب : فليعطني ما أثق به على طمأنينة . فعرضوا على سعيد أن يعطي الراهب ما يريد ، قال : إني أعطي العظيم الذي لا شريك له ، لا أبرح مكاني حتى أصبح إن شاء الله . فرضي الراهب بذلك ، فقال لهم : اصعدوا وأوتروا القسي لتنفروا السباع عن هذا العبد الصالح ; فإنه كره الدخول في الصومعة لمكانكم . فلما صعدوا وأوتروا القسي ، إذا هم بلبؤة قد أقبلت ، فلما دنت من سعيد ، تحككت به وتمسحت به ، ثم ربضت قريبا منه . وأقبل الأسد يصنع كذلك . فلما رأى الراهب ذلك وأصبحوا ، نزل إليه ، فسأله عن شرائع دينه ، وسنن رسوله ، ففسر له سعيد ذلك كله ، فأسلم . وأقبل القوم على سعيد يعتذرون إليه ويقبلون يديه ورجليه ، ويأخذون التراب الذي وطئه فيقولون : يا سعيد ، حلفنا الحجاج بالطلاق والعتاق ، إن نحن رأيناك لا ندعك حتى نشخصك إليه ، فمرنا بما شئت ، قال : امضوا لأمركم ، فإني لائذ بخالقي ولا راد لقضائه ، فساروا حتى بلغوا واسطا فقال سعيد : قد تحرمت بكم وصحبتكم ، ولست أشك أن أجلي قد حضر فدعوني الليلة آخذ أهبة الموت ، وأستعد لمنكر ونكير ، وأذكر عذاب القبر ، فإذا أصبحتم [ ص: 330 ] فالميعاد بيننا المكان الذي تريدون . فقال بعضهم : لا تريدون أثرا بعد عين ، وقال بعضهم : قد بلغتم أمنكم واستوجبتم جوائز الأمير ، فلا تعجزوا عنه . وقال بعضهم : يعطيكم ما أعطى الراهب ، ويلكم أما لكم عبرة بالأسد ؟ ! ونظروا إلى سعيد قد دمعت عيناه ، وشعث رأسه ، واغبر لونه ، ولم يأكل ولم يشرب ولم يضحك منذ يوم لقوه وصحبوه ، فقالوا : يا خير أهل الأرض ، ليتنا لم نعرفك ، ولم نسرح إليك ، الويل لنا ويلا طويلا ، كيف ابتلينا بك ! اعذرنا عند خالقنا يوم الحشر الأكبر ، فإنه القاضي الأكبر ، والعدل الذي لا يجور . قال : ما أعذرني لكم وأرضاني لما سبق من علم الله في . فلما فرغوا من البكاء والمجاوبة ، قال كفيله : أسألك بالله لما زودتنا من دعائك وكلامك ، فإنا لن نلقى مثلك أبدا . ففعل ذلك ، فخلوا سبيله ، فغسل رأسه ومدرعته وكساءه وهم محتفون الليل كله ، ينادون بالويل واللهف . فلما انشق عمود الصبح ، جاءهم سعيد فقرع الباب ، فنزلوا وبكوا معه ، وذهبوا به إلى الحجاج ، وآخر معه ، فدخلا ، فقال الحجاج : أتيتموني بسعيد بن جبير ؟ قالوا نعم ، وعاينا منه العجب . فصرف بوجهه عنهم . فقال : أدخلوه علي . فخرج المتلمس فقال لسعيد أستودعك الله ، وأقرأ عليك السلام . فأدخل عليه . فقال : ما اسمك ؟ قال : سعيد بن جبير ، قال : أنت شقي بن كسير . قال : بل أمي كانت أعلم باسمي منك . قال : شقيت أنت وشقيت أمك . قال : الغيب يعلمه غيرك . قال : لأبدلنك بالدنيا نارا تلظى . قال : لو علمت أن ذلك [ ص: 331 ] بيدك لاتخذتك إلها . قال : فما قولك في محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نبي الرحمة ، إمام الهدى . قال : فما قولك في علي ، في الجنة هو أم في النار ؟ قال : لو دخلتها ، فرأيت أهلها عرفت . قال : فما قولك في الخلفاء ؟ قال : لست عليهم بوكيل . قال : فأيهم أعجب إليك ؟ قال : أرضاهم لخالقي . قال : فأيهم أرضى للخالق ؟ قال : علم ذلك عنده . قال : أبيت أن تصدقني . قال : إني لم أحب أن أكذبك . قال : فما بالك لم تضحك ؟ قال : لم تستو القلوب .

                                                                                      قال : ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والياقوت والزبرجد فجمعه بين يدي سعيد ، فقال : إن كنت جمعته لتفتدي به من فزع يوم القيامة فصالح ، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، ولا خير في شيء جمع للدنيا ، إلا ما طاب وزكا . ثم دعا الحجاج بالعود والناي ، فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى ، فقال الحجاج : ما يبكيك ؟ هو اللهو . قال : بل هو الحزن ، أما النفخ ، فذكرني يوم نفخ الصور ، وأما العود ، فشجرة قطعت من غير حق ، وأما الأوتار فأمعاء شاة يبعث بها معك يوم القيامة .

                                                                                      فقال الحجاج : ويلك يا سعيد . قال : الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار . قال : اختر أي قتلة تريد أن أقتلك ، قال : اختر لنفسك يا حجاج ، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة . قال : فتريد أن أعفو عنك ؟ قال : إن كان العفو ، فمن الله ، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر . قال : اذهبوا به فاقتلوه . فلما خرج من الباب ، ضحك ، فأخبر الحجاج بذلك ، فأمر برده ، فقال : ما أضحكك ؟ قال : عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك ! فأمر بالنطع فبسط ، فقال : اقتلوه . فقال : إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض قال : شدوا به لغير القبلة . قال : فأينما تولوا فثم وجه الله قال : كبوه لوجهه . قال : منها خلقناكم وفيها نعيدكم قال : اذبحوه قال : إني أشهد وأحاج أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له [ ص: 332 ] وأن محمدا عبده ورسوله ، خذها مني حتى تلقاني يوم القيامة . ثم دعا سعيد الله وقال : اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي . فذبح على النطع .

                                                                                      وبلغنا أن الحجاج عاش بعده خمس عشرة ليلة ، وقعت في بطنه الأكلة فدعا بالطبيب لينظر إليه ، فنظر إليه ، ثم دعا بلحم منتن ، فعلقه في خيط ثم أرسله في حلقه ، فتركه ساعة ثم استخرجه وقد لزق به من الدم ، فعلم أنه ليس بناج .

                                                                                      هذه حكاية منكرة ، غير صحيحة . رواها أبو نعيم في " الحلية " ، فقال : حدثنا أبي ، حدثنا خالي أحمد بن محمد بن يوسف ، أخبرني أبو أمية محمد بن إبراهيم كتابة ، حدثنا حامد بن يحيى .

                                                                                      هارون الحمال حدثنا محمد بن مسلمة المخزومي ، حدثنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن كاتب الحجاج قال مالك - هو أخ لأبي سلمة الذي كان على بيت المال - قال : كنت أكتب للحجاج وأنا يومئذ غلام يستخفني ويستحسن كتابتي ، وأدخل عليه بغير إذن ، فدخلت عليه يوما بعدما قتل سعيد بن جبير وهو في قبة له ، لها أربعة أبواب ، فدخلت عليه مما يلي ظهره ، فسمعته يقول : ما لي ولسعيد بن جبير ، فخرجت رويدا وعلمت أنه إن علم بي قتلني ، فلم ينشب إلا قليلا حتى مات .

                                                                                      أبو حذيفة النهدي : حدثنا سفيان ، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين ، قال : دعا سعيد بن جبير حين دعي للقتل فجعل ابنه يبكي ، فقال : ما [ ص: 333 ] يبكيك ؟ ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة ؟

                                                                                      ابن حميد : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد ، قال : قحط الناس في زمان ملك من ملوك بني إسرائيل ثلاث سنين ، فقال الملك : ليرسلن علينا السماء أو لنؤذينه ، قالوا : كيف تقدر على أن تؤذيه ، وهو في السماء وأنت في الأرض ؟ قال : أقتل أولياءه من أهل الأرض فيكون ذلك أذى له . قال : فأرسل الله عليهم السماء .

                                                                                      وروى أصبغ بن زيد ، عن القاسم الأعرج ، قال : كان سعيد بن جبير يبكي بالليل حتى عمش .

                                                                                      وروي عن ابن شهاب ، قال : كان سعيد بن جبير يؤمنا ، يرجع صوته بالقرآن .

                                                                                      وروى الثوري ، عن حماد ، قال : قال سعيد : قرأت القرآن في ركعتين في الكعبة .

                                                                                      جرير الضبي ، عن أشعث بن إسحاق ، قال : كان يقال : سعيد بن جبير جهبذ العلماء .

                                                                                      ابن عيينة ، عن أبي سنان ، عن سعيد بن جبير ، قال : لدغتني عقرب ، فأقسمت علي أمي أن أسترقي ، فأعطيت الراقي يدي التي لم تلدغ ، وكرهت أن أحنثها .

                                                                                      [ ص: 334 ] جرير بن حازم ، عن يعلى بن حكيم ، قال : قال سعيد بن جبير : ما رأيت أرعى لحرمة هذا البيت ، ولا أحرص عليه ، من أهل البصرة ، لقد رأيت جارية ذات ليلة تعلقت بأستار الكعبة تدعو وتضرع وتبكي حتى ماتت .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية