الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 125 ] النسائي

                                                                                      الإمام الحافظ الثبت ، شيخ الإسلام ، ناقد الحديث أبو عبد الرحمن ، أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخراساني النسائي ، صاحب السنن .

                                                                                      ولد بنسا في سنة خمس عشرة ومائتين ، وطلب العلم في صغره ، فارتحل إلى قتيبة في سنة ثلاثين ومائتين ، فأقام عنده ببغلان سنة ، فأكثر عنه .

                                                                                      وسمع من : إسحاق بن راهويه ، وهشام بن عمار ، ومحمد بن النضر بن مساور ، وسويد بن نصر ، وعيسى بن حماد زغبة ، وأحمد بن عبدة الضبي ، وأبي الطاهر بن السرح ، وأحمد بن منيع ، وإسحاق بن شاهين ، وبشر بن معاذ العقدي ، وبشر بن هلال الصواف ، وتميم بن المنتصر ، والحارث بن [ ص: 126 ] مسكين ، والحسن بن الصباح ، البزار ، وحميد بن مسعدة ، وزياد بن أيوب ، وزياد بن يحيى الحساني ، وسوار بن عبد الله العنبري ، والعباس بن عبد العظيم العنبري ، وأبي حصين عبد الله بن أحمد اليربوعي ، وعبد الأعلى بن واصل ، وعبد الجبار بن العلاء العطار ، وعبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي ، ابن أخي الإمام .

                                                                                      وعبد الملك بن شعيب بن الليث ، وعبدة بن عبد الله الصفار ، وأبي قدامة عبيد الله بن سعيد ، وعتبة بن عبد الله المروزي ، وعلي بن حجر ، وعلي بن سعيد بن مسروق الكندي ، وعمار بن خالد الواسطي ، وعمران بن موسى القزاز ، وعمرو بن زرارة الكلابي ، وعمرو بن عثمان الحمصي ، وعمرو بن علي الفلاس ، وعيسى بن محمد الرملي ، وعيسى بن يونس الرملي ، وكثير بن عبيد ، ومحمد بن أبان البلخي ، ومحمد بن آدم المصيصي ، ومحمد بن إسماعيل بن علية قاضي دمشق ، ومحمد بن بشار ، ومحمد بن زنبور المكي ، ومحمد بن سليمان لوين ، ومحمد بن عبد الله بن عمار ، ومحمد بن عبد الله المخرمي ، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، ومحمد بن عبيد المحاربي ، ومحمد بن العلاء الهمداني ، ومحمد بن قدامة المصيصي الجوهري . ومحمد بن مثنى ، ومحمد بن مصفى ، ومحمد بن معمر القيسي ، ومحمد بن موسى الحرشي ، ومحمد بن هاشم البعلبكي ، وأبي المعافى محمد بن وهب ، ومجاهد بن موسى ، ومحمود بن غيلان ، ومخلد بن حسن الحراني .

                                                                                      ونصر بن علي الجهضمي ، وهارون بن عبد الله الحمال ، وهناد بن السري ، والهيثم بن أيوب الطالقاني ، وواصل بن عبد الأعلى ، ووهب بن بيان ، ويحيى بن درست البصري ، ويحيى بن موسى خت ، ويعقوب الدورقي ، ويعقوب بن ماهان البناء ، ويوسف بن حماد المعني ، ويوسف بن عيسى [ ص: 127 ] الزهري ، ويوسف بن واضح المؤدب ، وخلق كثير ، وإلى أن يروي عن رفقائه .

                                                                                      وكان من بحور العلم ، مع الفهم ، والإتقان ، والبصر ، ونقد الرجال ، وحسن التأليف .

                                                                                      جال في طلب العلم في خراسان ، والحجاز ، ومصر ، والعراق ، والجزيرة ، والشام ، والثغور ، ثم استوطن مصر ، ورحل الحفاظ إليه ، ولم يبق له نظير في هذا الشأن .

                                                                                      حدث عنه : أبو بشر الدولابي ، وأبو جعفر الطحاوي ، وأبو علي النيسابوري ، وحمزة بن محمد الكناني ، وأبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس النحوي ، وأبو بكر محمد بن أحمد بن الحداد الشافعي ، وعبد الكريم بن أبي عبد الرحمن النسائي ، والحسن بن الخضر الأسيوطي ، وأبو بكر أحمد بن محمد بن السني ، وأبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ، ومحمد بن معاوية بن الأحمر الأندلسي ، والحسن بن رشيق ، ومحمد بن عبد الله بن حيويه النيسابوري ، ومحمد بن موسى المأموني ، وأبيض بن محمد بن أبيض ، وخلق كثير .

                                                                                      وكان شيخا مهيبا ، مليح الوجه ، ظاهر الدم ، حسن الشيبة .

                                                                                      قال قاضي مصر أبو القاسم عبد الله بن محمد بن أبي العوام السعدي : حدثنا أحمد بن شعيب النسائي ، أخبرنا إسحاق بن راهويه ، حدثنا محمد بن أعين قال : قلت لابن المبارك : إن فلانا يقول : من زعم أن قوله تعالى : إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني مخلوق ، فهو كافر . فقال ابن المبارك : صدق ، قال النسائي : بهذا أقول .

                                                                                      [ ص: 128 ] وعن النسائي قال : أقمت عند قتيبة بن سعيد سنة وشهرين .

                                                                                      وكان النسائي يسكن بزقاق القناديل بمصر .

                                                                                      وكان نضر الوجه مع كبر السن ، يؤثر لباس البرود النوبية والخضر ، ويكثر الاستمتاع ، له أربع زوجات ، فكان يقسم لهن ، ولا يخلو -مع ذلك- من سرية ، وكان يكثر أكل الديوك ، تشترى له وتسمن وتخصى .

                                                                                      قال مرة بعض الطلبة : ما أظن أبا عبد الرحمن إلا أنه يشرب النبيذ للنضرة التي في وجهه .

                                                                                      وقال آخر : ليت شعري ما يرى في إتيان النساء في أدبارهن ؟ قال : فسئل عن ذلك ، فقال : النبيذ حرام ، ولا يصح في الدبر شيء . لكن حدث محمد بن كعب القرظي ، عن ابن عباس قال : " اسق حرثك حيث شئت " . فلا ينبغي أن يتجاوز قوله .

                                                                                      قلت : قد تيقنا بطرق لا محيد عنها نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أدبار النساء ، وجزمنا بتحريمه ، ولي في ذلك مصنف كبير .

                                                                                      [ ص: 129 ] وقال الوزير ابن حنزابة سمعت محمد بن موسى المأموني -صاحب النسائي - قال : سمعت قوما ينكرون على أبي عبد الرحمن النسائي كتاب : " الخصائص " لعلي -رضي الله عنه - ، وتركه تصنيف فضائل الشيخين ، فذكرت له ذلك ، فقال : دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير ، فصنفت كتاب : " الخصائص " ، رجوت أن يهديهم الله تعالى .

                                                                                      ثم إنه صنف بعد ذلك فضائل الصحابة ، فقيل له -وأنا أسمع- : ألا تخرج فضائل معاوية -رضي الله عنه ؟ فقال : أي شيء أخرج ؟ حديث : اللهم لا تشبع بطنه فسكت السائل .

                                                                                      [ ص: 130 ] قلت : لعل أن يقال : هذه منقبة لمعاوية لقوله -صلى الله عليه وسلم- : اللهم من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة . .

                                                                                      قال مأمون المصري المحدث : خرجنا إلى طرسوس مع النسائي سنة الفداء ، فاجتمع جماعة من الأئمة : عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ومحمد بن إبراهيم مربع ، وأبو الآذان ، وكيلجة فتشاوروا : من ينتقي لهم على الشيوخ ؟ فأجمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي ، وكتبوا كلهم بانتخابه .

                                                                                      قال الحاكم : كلام النسائي على فقه الحديث كثير ، ومن نظر في سننه تحير في حسن كلامه .

                                                                                      قال ابن الأثير في أول " جامع الأصول " كان شافعيا ، له مناسك على مذهب الشافعي ، وكان ورعا متحريا .

                                                                                      قيل : إنه أتى الحارث بن مسكين في زي أنكره ، عليه قلنسوة وقباء ، وكان الحارث خائفا من أمور تتعلق بالسلطان ، فخاف أن يكون عينا عليه ، فمنعه ، فكان يجيء فيقعد خلف الباب ويسمع ، ولذلك ما قال : حدثنا الحارث ، وإنما يقول : قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع .

                                                                                      [ ص: 131 ] قال ابن الأثير : وسأل أمير أبا عبد الرحمن عن سننه : أصحيح كله ؟

                                                                                      قال : لا . قال : فاكتب لنا منه الصحيح . فجرد المجتنى .

                                                                                      قلت : هذا لم يصح ; بل المجتنى اختيار ابن السني .

                                                                                      قال الحافظ أبو علي النيسابوري : أخبرنا الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي .

                                                                                      وقال أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ : من يصبر على ما يصبر عليه النسائي ؟ عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة -يعني عن قتيبة ، عن ابن لهيعة - قال : فما حدث بها .

                                                                                      قال أبو الحسن الدارقطني : أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره .

                                                                                      قال الحافظ بن طاهر : سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل ، فوثقه ، فقلت : قد ضعفه النسائي ، فقال : يا بني ، إن لأبي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم .

                                                                                      قلت : صدق ; فإنه لين جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم .

                                                                                      قال محمد بن المظفر الحافظ : سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار ، وأنه خرج إلى الفداء مع أمير مصر ، فوصف ، [ ص: 132 ] من شهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين ، واحترازه عن مجالس السلطان الذي خرج معه ، والانبساط في المأكل ، وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد بدمشق من جهة الخوارج .

                                                                                      قال الدارقطني : كان أبو بكر بن الحداد الشافعي كثير الحديث ، ولم يحدث عن غير النسائي ، وقال : رضيت به حجة بيني وبين الله تعالى .

                                                                                      قال الطبراني في " معجمه " حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي القاضي بمصر . فذكر حديثا .

                                                                                      وقال أبو عوانة في " صحيحه " : حدثنا أحمد بن شعيب النسائي قاضي حمص : حدثنا محمد بن قدامة ، فذكر حديثا .

                                                                                      روى أبو عبد الله بن مندة ، عن حمزة العقبي المصري وغيره ، أن النسائي خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق ، فسئل بها عن معاوية ، وما جاء في فضائله ، فقال : لا يرضى رأسا برأس حتى يفضل ؟ قال : فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى أخرج من المسجد ، ثم حمل إلى مكة فتوفي بها . كذا قال ، وصوابه : إلى الرملة .

                                                                                      قال الدارقطني : خرج حاجا فامتحن بدمشق ، وأدرك الشهادة ، فقال : [ ص: 133 ] احملوني إلى مكة . فحمل وتوفي بها ، وهو مدفون بين الصفا والمروة ، وكانت وفاته في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة .

                                                                                      قال : وكان أفقه مشايخ مصر في عصره ، وأعلمهم بالحديث والرجال .

                                                                                      قال أبو سعيد بن يونس في " تاريخه " : كان أبو عبد الرحمن النسائي إماما حافظا ثبتا ، خرج من مصر في شهر ذي القعدة من سنة اثنتين وثلاثمائة ، وتوفي بفلسطين في يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر ، سنة ثلاث .

                                                                                      قلت : هذا أصح ; فإن ابن يونس حافظ يقظ ، وقد أخذ عن النسائي ، وهو به عارف . ولم يكن أحد في رأس الثلاث مائة أحفظ من النسائي ، هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم ، ومن أبي داود ، ومن أبي عيسى ، وهو جار في مضمار البخاري ، وأبي زرعة ، إلا أن فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام علي ، كمعاوية وعمرو ، والله يسامحه .

                                                                                      وقد صنف " مسند علي " وكتابا حافلا في الكنى ، وأما كتاب : " خصائص علي " فهو داخل في " سننه الكبير " ، وكذلك كتاب : " عمل يوم وليلة " وهو مجلد ، هو من جملة " السنن الكبير " في بعض النسخ ، وله كتاب " التفسير " في مجلد ، وكتاب " الضعفاء " وأشياء ، والذي وقع لنا من سننه هو الكتاب المجتنى منه ، انتخاب أبي بكر بن السني ، سمعته ملفقا من جماعة سمعوه من ابن باقا بروايته عن أبي زرعة المقدسي ، سماعا لمعظمه ، وإجازة لفوت له محدد في الأصل . قال : أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن حمد الدوني قال : أخبرنا القاضي أحمد بن الحسين الكسار ، حدثنا ابن السني عنه .

                                                                                      ومما يروى اليوم في عام أربعة وثلاثين وسبع مائة من السنن عاليا جزآن ، [ ص: 134 ] الثاني من الطهارة والجمعة ، تفرد البوصيري بعلوهما في وقته ، وقد أنبأني أحمد بن أبي الخير بهما ، عن البوصيري ، فبيني وبين النسائي فيهما خمسة رجال .

                                                                                      وعندي جزء من حديث الطبراني ، عن النسائي ، وقع لنا بعلو أيضا .

                                                                                      ووقع لنا جزء كبير انتخبه السلفي من السنن ، سمعناه من الشيخ أبي المعالي بن المنجا التنوخي : أخبرنا جعفر الهمداني ، أخبرنا أبو طاهر السلفي ، أخبرنا الدوني ، وبدر بن دلف الفركي بسماعهما من الكسار قال : أخبرنا أبو بكر بن السني ، أخبرنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا قتيبة ، أخبرنا الليث عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أنه نهى عن البول في الماء الراكد .

                                                                                      أخبرنا علي بن حجر : أخبرنا عبيدة بن حميد ، عن يوسف بن صهيب ، عن حبيب بن يسار ، عن زيد بن أرقم : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : من لم يأخذ شاربه فليس منا . .

                                                                                      قال أبو علي الحافظ : سألت النسائي : ما تقول في بقية ؟ فقال : إن قال : حدثنا وأخبرنا ، فهو ثقة .

                                                                                      وقال جعفر بن محمد المراغي : سمعت النسائي يقول : محمد بن [ ص: 135 ] حميد الرازي كذاب .

                                                                                      قرأت على علي بن محمد ، وشهدة العامرية : أخبرنا جعفر ، أخبرنا السلفي ، أخبرنا محمد بن طاهر بهمذان ، أخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق قال : قال لي أبو عبد الله بن مندة : الذين أخرجوا الصحيح ، وميزوا الثابت من المعلول ، والخطأ من الصواب أربعة : البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، وأبو عبد الرحمن النسائي .

                                                                                      وممن مات معه : المحدث أبو الحسن أحمد بن الحسين بن إسحاق الصوفي الصغير ببغداد .

                                                                                      والمفسر أبو جعفر أحمد بن فرح البغدادي الضرير المقرئ .

                                                                                      والمفسر أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق النيسابوري الأنماطي الحافظ .

                                                                                      والمسند أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الجوزي .

                                                                                      والمحدث إسحاق بن إبراهيم بن نصر النيسابوري البشتي .

                                                                                      والحافظ جعفر بن أحمد بن نصر الحصيري . والحسن بن سفيان الحافظ .

                                                                                      والمحدث أبو الحسين عبد الله بن محمد بن يونس السمناني .

                                                                                      والمحدث عمر بن أيوب السقطي ببغداد .

                                                                                      ورأس المعتزلة أبو علي الجبائي .

                                                                                      والحافظ محمد بن المنذر الهروي شكر .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية