الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 157 ] الحسن بن سفيان

                                                                                      ابن عامر بن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء ، الإمام الحافظ الثبت أبو العباس الشيباني الخراساني النسوي ، صاحب المسند .

                                                                                      ولد سنة بضع وثمانين ومائتين وهو أسن من بلديه الإمام أبي عبد الرحمن النسائي ، وماتا معا في عام .

                                                                                      ارتحل إلى الآفاق ، وروى عن : أحمد بن حنبل ، وإبراهيم بن يوسف البلخي ، وقتيبة بن سعيد ، ويحيى بن معين ، وشيبان بن فروخ ، وهدبة بن خالد ، وعبد الله بن محمد بن أسماء ، وعبد الأعلى بن حماد ، ومحمد بن أبي بكر المقدمي ، وعبد الرحمن بن سلام الجمحي ، وسهل بن عثمان ، وإسحاق بن راهويه ، وسعد بن يزيد الفراء ، وحبان بن موسى ، وهشام بن عمار ، وصفوان بن صالح ، وإبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني ، وعيسى بن حماد ، ومحمد بن رمح ، وإبراهيم بن الحجاج السامي ، وعبد الواحد بن غياث ، وأبي كامل الجحدري ، وسويد بن سعيد ، وعبيد الله بن معاذ ، ومحمد بن عبد الله بن عمار ، وخلق كثير .

                                                                                      وهو من أقران أبي يعلى ; ولكن أبو يعلى أعلى إسنادا منه ، وأقدم [ ص: 158 ] لقاء ، فإنه سمع من علي بن الجعد ، وقد سمع الحسن تصانيف الإمام أبي بكر بن أبي شيبة منه ، وسمع " السنن " من أبي ثور الفقيه ، وتفقه به ، ولازمه ، وبرع ، وكان يفتي بمذهبه .

                                                                                      حدث عنه : إمام الأئمة ابن خزيمة ، يحيى بن منصور القاضي ، ومحمد بن يعقوب بن الأخرم ، وأبو علي الحافظ ، ومحمد بن الحسن النقاش المقرئ ، وأبو عمرو بن حمدان ، وأبو بكر الإسماعيلي ، وأبو حاتم ابن حبان ، وحفيده إسحاق بن سعد النسوي ، ومحمد بن إبراهيم الهاشمي ، وعبد الله بن محمد النسوي ، وخلق سواهم ، رحلوا إليه وتكاثروا عليه .

                                                                                      قال محمد بن جعفر البستي : سمعت الحسن بن سفيان يقول : لولا اشتغالي بحبان بن موسى لجئتكم بأبي الوليد الطيالسي ، وسليمان بن حرب - يعني أنه تعوق بإكبابه على تصانيف ابن المبارك عند حبان .

                                                                                      قال أبو علي الحافظ : سمعت الحسن بن سفيان يقول : إنما فاتني يحيى بن يحيى بالوالدة ; لم تدعني أخرج إليه . قال : فعوضني الله بأبي خالد الفراء ، وكان أسند من يحيى بن يحيى .

                                                                                      قال الحاكم : كان الحسن بن سفيان -محدث خراسان ، في عصره- مقدما في الثبت ، والكثرة ، والفهم ، والفقه ، والأدب .

                                                                                      وقال أبو حاتم بن حبان : كان الحسن ممن رحل ، وصنف ، وحدث ، على تيقظ مع صحة الديانة ، والصلابة في السنة .

                                                                                      وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الرازي : ليس للحسن في الدنيا نظير .

                                                                                      قال الحاكم : سمعت محمد بن داود بن سليمان يقول : كنا عند [ ص: 159 ] الحسن بن سفيان ، فدخل ابن خزيمة ، وأبو عمرو الحيري ، وأحمد بن علي الرازي ، وهم متوجهون إلى فراوة فقال الرازي : كتبت هذا الطبق من حديثك . قال : هات . فقرأ عليه ، ثم أدخل إسنادا في إسناد ، فرده الحسن ، ثم بعد قليل فعل ذلك ، فرده الحسن ، فلما كان في الثالثة قال له الحسن : ما هذا ؟ ! قد احتملتك مرتين وأنا ابن تسعين سنة ، فاتق الله في المشايخ ، فربما استجيبت فيك دعوة . فقال له ابن خزيمة : مه ! لا تؤذ الشيخ . قال : إنما أردت أن تعلم أن أبا العباس يعرف حديثه .

                                                                                      قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : الحسن بن سفيان سمع حبان بن موسى ، وقتيبة ، وابن أبي شيبة ، كتب إلي وهو صدوق .

                                                                                      قال أبو الوليد حسان بن محمد : كان الحسن بن سفيان أديبا فقيها ، أخذ الأدب عن أصحاب النضر بن شميل ، والفقه عن أبي ثور ، وكان يفتي بمذهبه .

                                                                                      وقال غيره : سمع الحسن من ابن راهويه أكثر " مسنده " ، وسمع من محمد بن أبي بكر المقدمي " تفسيره " .

                                                                                      قال ابن حبان : حضرت دفنه في شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثمائة [ ص: 160 ] مات بقريته بالوز ، وهي على ثلاثة فراسخ من مدينة نسا ، رحمه الله تعالى .

                                                                                      أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء بأربعين الحسن سماعا ، عن المؤيد بن محمد الطوسي ، وزينب بنت عبد الرحمن بن حسن الشعري قال : أخبرتنا أم الخير فاطمة بنت علي بن زعبل سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة ، أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي سنة إحدى وأربعين وأربعمائة ، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان في صفر سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ، حدثنا أبو العباس الحسن بن سفيان الحافظ ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن سالم عن أبيه : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه ، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة .

                                                                                      أخرجه مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي عن قتيبة ، فوافقناهم بعلو .

                                                                                      وبه : إلى الحسن بن سفيان : حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري ، حدثنا هشيم ، عن شعبة ، عن عدي بن ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن [ ص: 161 ] عباس ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : من سمع النداء فلم يجب ، فلا صلاة له إلا من عذر أخرجه ابن ماجه ، عن عبد الحميد ، فوافقناه بعلو .

                                                                                      روى بشرويه بن محمد المغفلي : أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد الإسفراييني ، قال : حدثنا أبو الحسن الصفار الفقيه ، قال : كنا عند الحسن بن سفيان ، وقد اجتمع إليه طائفة من أهل الفضل ، ارتحلوا إليه ، فخرج يوما فقال : اسمعوا ما أقول لكم قبل الإملاء : قد علمنا أنكم من أبناء النعم ، هجرتم الوطن ، فلا يخطرن ببالكم أنكم رضيتم بهذا التجشم للعلم حقا ، فإني أحدثكم ببعض ما تحملته في طلب العلم :

                                                                                      ارتحلت من وطني ، فاتفق حصولي بمصر في تسعة من أصحابي طلبة العلم ، وكنا نختلف إلى شيخ أرفع أهل عصره في العلم منزلة ، فكان يملي علينا كل يوم قليلا ، حتى خفت النفقة ، وبعنا أثاثنا ، فطوينا ثلاثا ، وأصبحنا لا حراك بنا ، فأحوجت الضرورة إلى كشف قناع الحشمة وبذل الوجه ، فلم تسمح أنفسنا ، فوقع الاختيار على قرعة ، فوقعت علي ، فتحيرت وعدلت ، فصليت ركعتين ، ودعوت ، فلم أفرغ حتى دخل المسجد شاب معه خادم ، فقال : من منكم الحسن بن سفيان ؟

                                                                                      قلت : أنا ، قال : إن الأمير طولون يقرئكم السلام ويعتذر من الغفلة عن تفقد أحوالكم ، وقد بعث بهذا ، وهو زائركم غدا . ووضع بين يدي كل واحد مائة دينار ، فتعجبنا وقلنا : ما القصة ؟ . . قال : دخلت عليه بكرة فقال : أحب أن أخلو اليوم فانصرفنا ، فبعد ساعة طلبني ، فأتيته ، فإذا به يده على خاصرته لوجع ممض [ ص: 162 ] اعتراه ، فقال لي : تعرف الحسن بن سفيان وأصحابه ؟ قلت : لا . قال : اقصد المسجد الفلاني ، واحمل هذه الصرر إليهم ; فإنهم منذ ثلاثة أيام جياع ، ومهد عذري لديهم .

                                                                                      فسألته ، فقال : انفردت فنمت ، فرأيت فارسا في الهواء في يده رمح ، فنزل إلى باب هذا البيت ، ووضع سافلة رمحه على خاصرتي وقال : قم فأدرك الحسن بن سفيان وأصحابه ، قم فأدركهم ، فإنهم منذ ثلاث جياع في المسجد الفلاني . فقلت له : من أنت ؟ قال : أنا رضوان صاحب الجنة . فمنذ أصاب رمحه خاصرتي أصابني وجع شديد ، فعجل إيصال هذا المال إليهم ليزول هذا الوجع عني .

                                                                                      قال الحسن : فعجبنا وشكرنا الله ، وخرجنا تلك الليلة من مصر لئلا نشتهر ، وأصبح كل واحد منا واحد عصره ، وقريع دهره في العلم والفضل .

                                                                                      قال : فلما أصبح الأمير طولون فأحس بخروجنا ، أمر بابتياع تلك المحلة ، ووقفها على المسجد ، وعلى من ينزل به من الغرباء وأهل الفضل ، نفقة لهم ، لئلا تختل أمورهم ، وذلك كله من قوة الدين وصفاء العقيدة .

                                                                                      رواها الحافظ عبد الغني في الرابع من الحكايات ، عن أبي زرعة إذنا ، عن الحسن بن أحمد السمرقندي ، عن بشرويه ، فالله أعلم بصحتها . ولم يل طولون مصر ، وأما ابنه أحمد بن طولون فيصغر عن الحكاية ، ولا أعرف ناقلها ، وذلك ممكن .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية