الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      الحازمي

                                                                                      الإمام الحافظ ، الحجة الناقد ، النسابة البارع أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن موسى بن عثمان بن حازم الحازمي الهمذاني .

                                                                                      مولده في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة .

                                                                                      [ ص: 168 ] سمع من أبي الوقت السجزي حضورا وله أربع سنين ، وسمع من شهردار بن شيرويه الديلمي ، وأبي زرعة بن طاهر المقدسي الحافظ ، وأبي العلاء العطار ، ومعمر بن الفاخر ، وأبي الحسين عبد الحق اليوسفي ، وعبد الله بن الصمد العطار ، وشهدة الكاتبة ، وأبي الفضل عبد الله بن أحمد خطيب الموصل ، وأبي طالب محمد بن علي الكتاني الواسطي ، ومحمد بن طلحة البصري المالكي بها ، وأبي العباس أحمد بن ينال الترك ، وأبي الفتح عبد الله بن أحمد الخرقي ، وأبي موسى محمد بن أبي عيسى المديني ، وأقرانهم بالعراق وأصبهان والجزيرة والشام والحجاز .

                                                                                      وجمع ، وصنف ، وبرع في فن الحديث خصوصا في النسب . واستوطن بغداد .

                                                                                      قال أبو عبد الله الدبيثي تفقه ببغداد في مذهب الشافعي ، وجالس العلماء ، وتميز ، وفهم ، وصار أحفظ الناس للحديث ولأسانيده ورجاله ، مع زهد ، وتعبد ، ورياضة ، وذكر . صنف في الحديث عدة مصنفات ، وأملى عدة مجالس ، وكان كثير المحفوظ حلو المذاكرة ، يغلب عليه معرفة أحاديث الأحكام . أملى طرق الأحاديث التي في " المهذب " للشيخ أبي إسحاق ، وأسندها ، ولم يتمه .

                                                                                      وقال أبو عبد الله بن النجار في " تاريخه " كان الحازمي من الأئمة الحفاظ العالمين بفقه الحديث ومعانيه ورجاله . ألف كتاب " الناسخ والمنسوخ " ، وكتاب " عجالة المبتدئ في النسب " ، وكتاب " المؤتلف [ ص: 169 ] والمختلف في أسماء البلدان " . وأسند أحاديث " المهذب " ، وكان ثقة ، حجة ، نبيلا ، زاهدا ، عابدا ، ورعا ، ملازما للخلوة والتصنيف وبث العلم ، أدركه الأجل شابا ، وسمعت محمد بن محمد بن محمد بن غانم الحافظ يقول : كان شيخنا الحافظ أبو موسى المديني يفضل أبا بكر الحازمي على عبد الغني المقدسي ، ويقول : ما رأينا شابا أحفظ من الحازمي ، له كتاب " في الناسخ والمنسوخ " دال على إمامته في الفقه والحديث ليس لأحد مثله .

                                                                                      قال ابن النجار : وسمعت بعض الأئمة يذكر أن الحازمي كان يحفظ كتاب " الإكمال " في المؤتلف والمختلف ومشتبه النسبة ، كان يكرر عليه ، ووجدت بخط الإمام أبي الخير القزويني وهو يسأل الحازمي : ماذا يقول سيدنا الإمام الحافظ في كذا وكذا ؟ وقد أجاب أبو بكر الحازمي بأحسن جواب .

                                                                                      ثم قال ابن النجار : سمعت أبا القاسم المقرئ جارنا يقول ، وكان صالحا : كان الحازمي -رحمه الله- في رباط البديع ، فكان يدخل بيته في كل ليلة ، ويطالع ، ويكتب إلى طلوع الفجر ، فقال البديع للخادم : لا تدفع إليه الليلة بزرا للسراج لعله يستريح الليلة . قال : فلما جن الليل ، اعتذر إليه الخادم لأجل انقطاع البزر ، فدخل بيته ، وصف قدميه يصلي ، ويتلو ، إلى أن طلع الفجر ، وكان الشيخ قد خرج ليعرف خبره ، فوجده في الصلاة .

                                                                                      مات أبو بكر الحازمي في شهر جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وخمسمائة [ ص: 170 ] وله ست وثلاثون سنة .

                                                                                      قرأت على أبي الحمد أقش الافتخاري ، أخبركم عبد الله بن الحسن الدمياطي الخطيب سنة ست وأربعين وستمائة ، أخبرنا محمد بن موسى الحافظ ، أخبرنا محمد بن ذاكر بقراءتي ، أخبركم حسن بن أحمد القارئ ، أخبرنا محمد بن أحمد الكاتب ، أخبرنا علي بن عمر ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم البزاز ، حدثنا العباس بن يزيد ، حدثنا غسان بن مضر ، حدثنا أبو مسلمة ، قال : سألت أنس بن مالك : أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح ب " الحمد لله رب العالمين " ؟ فقال : إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه ، وما سألني عنه أحد قبلك ، قلت : أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في النعلين ؟ قال : نعم .

                                                                                      [ ص: 171 ] هذا حديث حسن غريب ، وهو ظاهر في أن أبا مسلمة سعيد بن يزيد سأل أنسا عن الصلوات الخمس ، أكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستفتح -يعني أول ما يحرم بالصلاة- بدعاء الاستفتاح أم بالاستعاذة ، أم ب الحمد لله رب العالمين ؟ فأجابه أنه لا يحفظ في ذلك شيئا .

                                                                                      فأما الجهر وعدمه بالبسملة فقد صح عنه من حديث قتادة وغيره عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم .

                                                                                      وقد روى عن الحازمي المقرئ تقي الدين بن باسويه الواسطي ، والفقيه عبد الخالق النشتبري وجلال الدين عبد الله بن الحسن [ ص: 172 ] الدمياطي الخطيب ، وآخرون .

                                                                                      ومات معه في سنة أربع الأمير الكبير مؤيد الدولة مجد الدين أبو المظفر أسامة بن مرشد بن منقذ الكناني الشيزري الشاعر عن سبع وتسعين سنة وأبو المقيم ظاعن بن محمد الزبيري الخياط ، وأبو محمد عبد الله بن علي بن سويدة التكريتي ، وأبو القاسم بن حبيش الأنصاري ، وأبو القبائل عشير بن علي الجبلي بمصر ، وشمس الأئمة عماد الدين عمر بن بكر الأنصاري البخاري شيخ الحنفية ، وتاج الدين محمد بن عبد الرحمن المسعودي المحدث ، وشاعر العراق أبو الفتح محمد بن عبيد الله بن التعاويذي ، وأبو عبد الله محمد بن علي بن صدقة الحراني السفار ، وأبو الفتوح محمد بن المطهر بن يعلى الفاطمي الهروي ، والعبد الصالح محمد بن أبي المعالي بن قايد الأواني ، ويحيى بن محمود الثقفي ، والمبارك بن أبي بكر بن النقور .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية