الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      البيهقي

                                                                                      هو الحافظ العلامة ، الثبت ، الفقيه ، شيخ الإسلام أبو بكر ، أحمد [ ص: 164 ] بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي الخراساني . وبيهق : عدة قرى من أعمال نيسابور على يومين منها .

                                                                                      ولد في سنة أربع وثمانين وثلاثمائة في شعبان .

                                                                                      وسمع وهو ابن خمس عشرة سنة من : أبي الحسن محمد بن الحسين العلوي ; صاحب أبي حامد بن الشرقي ، وهو أقدم شيخ عنده ، وفاته السماع من أبي نعيم الإسفراييني ; صاحب أبي عوانة ، وروى عنه بالإجازة في البيوع ، وسمع من الحاكم أبي عبد الله الحافظ ، فأكثر جدا ، وتخرج به ، ومن أبي طاهر بن محمش الفقيه ، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني ، وأبي علي الروذباري ، وأبي عبد الرحمن السلمي ، وأبي بكر بن فورك المتكلم ، وحمزة بن عبد العزيز المهلبي ، والقاضي أبي بكر الحيري ، ويحيى بن إبراهيم المزكي ، وأبي سعيد الصيرفي ، وعلي بن محمد بن السقا ، وظفر بن محمد العلوي ، وعلي بن أحمد بن عبدان ، وأبي سعد أحمد بن محمد الماليني الصوفي ، والحسن بن علي المؤملي ، وأبي عمر محمد بن الحسين البسطامي ، ومحمد بن يعقوب الفقيه ، بالطابران وخلق سواهم . ومن أبي بكر محمد بن أحمد بن منصور ، بنوقان . وأبي نصر محمد بن علي الشيرازي ، ومحمد بن محمد بن أحمد [ ص: 165 ] بن رجاء الأديب ، وأحمد بن محمد الشاذياخي ، وأحمد بن محمد بن مزاحم الصفار ، وأبي نصر أحمد بن علي بن أحمد الفامي ، وإبراهيم بن محمد الطوسي الفقيه ، وإبراهيم بن محمد بن معاوية العطار ، وإسحاق بن محمد بن يوسف السوسي ، والحسن بن محمد بن حبيب المفسر ، وسعيد بن محمد بن محمد بن عبدان ، وأبي الطيب الصعلوكي ، وعبد الله بن محمد المهرجاني وعبد الرحمن بن أبي حامد المقرئ ، وعبد الرحمن بن محمد بن بالويه ، وعبيد بن محمد بن مهدي ، وعلي بن محمد بن علي الإسفراييني ، وعلي بن محمد السبعي ، وعلي بن حسن الطهماني ، ومنصور بن الحسين المقرئ ، ومسعود بن محمد الجرجاني ; وهؤلاء العشرون من أصحاب الأصم . وسمع ببغداد من هلال بن محمد بن جعفر الحفار ، وعلي بن يعقوب الإيادي ، وأبي الحسين بن بشران ، وطبقتهم . وبمكة من الحسن بن أحمد بن فراس ، وغيره . وبالكوفة من جناح بن نذير القاضي ، وطائفة .

                                                                                      وبورك له في علمه ، وصنف التصانيف النافعة ، ولم يكن عنده " سنن النسائي " ، ولا " سنن ابن ماجه " ، ولا " جامع أبي عيسى " ، بلى عنده عن الحاكم وقر بعير أو نحو ذلك ، وعنده " سنن أبي داود " عاليا ، وتفقه على ناصر العمري ، وغيره .

                                                                                      وانقطع بقريته مقبلا على الجمع والتأليف ، فعمل " السنن الكبير " في [ ص: 166 ] عشر مجلدات ليس لأحد مثله ، وألف كتاب " السنن والآثار " في أربع مجلدات وكتاب " الأسماء والصفات " في مجلدتين وكتاب " المعتقد " مجلد ، وكتاب " البعث " مجلد ، وكتاب " الترغيب والترهيب " مجلد ، وكتاب " الدعوات " مجلد ، وكتاب " الزهد " مجلد ، وكتاب " الخلافيات " ثلاث مجلدات ، وكتاب " نصوص الشافعي " مجلدان ، وكتاب " دلائل النبوة " أربع مجلدات وكتاب " السنن الصغير " مجلد ضخم ، وكتاب " شعب الإيمان " مجلدان وكتاب " المدخل إلى السنن " مجلد ، وكتاب " الآداب " مجلد ، وكتاب " فضائل الأوقات " مجيليد ، وكتاب " الأربعين الكبرى " مجيليد ، وكتاب " الأربعين الصغرى " ، وكتاب " الرؤية " جزء ، وكتاب " الإسراء " وكتاب " مناقب الشافعي " مجلد وكتاب " مناقب أحمد " مجلد ، وكتاب " فضائل [ ص: 167 ] الصحابة " مجلد ، وأشياء لا يحضرني ذكرها .

                                                                                      قال الحافظ عبد الغافر بن إسماعيل في " تاريخه " : كان البيهقي على سيرة العلماء ، قانعا باليسير ، متجملا في زهده وورعه .

                                                                                      وقال أيضا : هو أبو بكر الفقيه ، الحافظ الأصولي ، الدين الورع ، واحد زمانه في الحفظ ، وفرد أقرانه في الإتقان والضبط ، من كبار أصحاب الحاكم ، ويزيد على الحاكم بأنواع من العلوم ، كتب الحديث ، وحفظه من صباه ، وتفقه وبرع ، وأخذ فن الأصول ، وارتحل إلى العراق والجبال والحجاز ، ثم صنف ، وتواليفه تقارب ألف جزء مما لم يسبقه إليه أحد ، جمع بين علم الحديث والفقه ، وبيان علل الحديث ، ووجه الجمع بين الأحاديث ، طلب منه الأئمة الانتقال من بيهق إلى نيسابور ، لسماع الكتب ، فأتى في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة ، وعقدوا له المجلس لسماع كتاب " المعرفة " وحضره الأئمة .

                                                                                      قال شيخ القضاة أبو علي إسماعيل بن البيهقي : حدثنا أبي قال : حين ابتدأت بتصنيف هذا الكتاب -يعني كتاب " المعرفة في السنن والآثار " - وفرغت من تهذيب أجزاء منه ، سمعت الفقيه محمد بن أحمد -وهو من صالحي أصحابي وأكثرهم تلاوة وأصدقهم لهجة - يقول : رأيت الشافعي [ ص: 168 ] -رحمه الله- في النوم ، وبيده أجزاء من هذا الكتاب ، وهو يقول : قد كتبت اليوم من كتاب الفقيه أحمد سبعة أجزاء . أو قال : قرأتها . ورآه يعتد بذلك . قال : وفي صباح ذلك اليوم رأى فقيه آخر من إخواني الشافعي قاعدا في الجامع على سرير وهو يقول : قد استفدت اليوم من كتاب الفقيه حديث كذا وكذا .

                                                                                      وأخبرنا أبي قال : سمعت الفقيه أبا محمد الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ يقول : سمعت الفقيه محمد بن عبد العزيز المروزي يقول : رأيت في المنام كأن تابوتا علا في السماء يعلوه نور ، فقلت : ما هذا ؟ قال : هذه تصنيفات أحمد البيهقي . ثم قال شيخ القضاة : سمعت الحكايات الثلاث من الثلاثة المذكورين .

                                                                                      قلت : هذه رؤيا حق ، فتصانيف البيهقي عظيمة القدر ، غزيرة الفوائد ، قل من جود تواليفه مثل الإمام أبي بكر ، فينبغي للعالم أن يعتني بهؤلاء سيما " سننه الكبير " وقد قدم قبل موته بسنة أو أكثر إلى نيسابور ، وتكاثر عليه الطلبة ، وسمعوا منه كتبه ، وجلبت إلى العراق والشام والنواحي ، واعتنى بها الحافظ أبو القاسم الدمشقي ، وسمعها من أصحاب البيهقي ، ونقلها إلى دمشق هو وأبو الحسن المرادي .

                                                                                      وبلغنا عن إمام الحرمين أبي المعالي الجويني قال : ما من فقيه شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أبا بكر البيهقي ، فإن المنة له على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه . [ ص: 169 ]

                                                                                      قلت : أصاب أبو المعالي ، هكذا هو ، ولو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهبا يجتهد فيه ، لكان قادرا على ذلك ، لسعة علومه ، ومعرفته بالاختلاف ، ولهذا تراه يلوح بنصر مسائل مما صح فيها الحديث . ولما سمعوا منه ما أحبوا في قدمته الأخيرة ، مرض وحضرت المنية ، فتوفي في عاشر شهر جمادى الأولى ، سنة ثمان وخمسين وأربعمائة فغسل وكفن ، وعمل له تابوت ، فنقل ودفن ببيهق ، وهي ناحية قصبتها خسروجرد ، هي محتده ، وهي على يومين من نيسابور ، وعاش أربعا وسبعين سنة .

                                                                                      ومن الرواة عنه شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري ، بالإجازة ، وولده إسماعيل بن أحمد ، وحفيده أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن أحمد ، وأبو زكريا يحيى بن منده الحافظ ، وأبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي ، وزاهر بن طاهر الشحامي ، وأبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي ، وعبد الجبار بن عبد الوهاب الدهان ، وعبد الجبار بن محمد الخواري وأخوه عبد الحميد بن محمد الخواري ، وأبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن البحيري النيسابوري ، المتوفى سنة أربعين وخمسمائة ، وطائفة سواهم .

                                                                                      ومات معه الطيب عبد الرزاق بن عمر بن شمة الأصبهاني صاحب ابن المقرئ ، وإمام اللغة أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده وشيخ الحنابلة القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء البغدادي . [ ص: 170 ]

                                                                                      أخبرنا الشيخ أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد سماعا ، عن زينب بنت عبد الرحمن ، أخبرنا محمد بن إسماعيل الفارسي ، أخبرنا أبو بكر البيهقي ، أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد ، أخبرنا أبو بكر بن حجة ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا عمرو بن العلاء اليشكري ، عن صالح بن سرج ، عن عمران بن حطان ، عن عائشة قالت : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة ، فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط غريب جدا .

                                                                                      أخبرنا أحمد بن هبة الله ، أخبرنا زين الأمناء الحسن بن محمد ، ومحمد بن عبد الوهاب بن الشيرجي ، وابن غسان قالوا : أخبرنا علي بن الحسن الحافظ ، أخبرنا أبو القاسم المستملي ، أخبرنا أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا ابن الأعرابي ، حدثنا ابن أبي الدنيا ، حدثني أبو علي المدائني ، حدثنا فطر بن حماد بن واقد ، حدثنا أبي : سمعت مالك بن دينار يقول : يقولون : مالك زاهد ! أي زهد عند مالك وله جبة وكساء ؟ إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز ، أتته الدنيا فاغرة فاها فأعرض عنها .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية