الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 220 ] زيد بن حارثة

                                                                                      ابن شراحيل - أو شرحبيل - بن كعب بن عبد العزى بن يزيد بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان .

                                                                                      الأمير الشهيد النبوي المسمى في سورة الأحزاب ، أبو أسامة الكلبي ، ثم المحمدي ، سيد الموالي ، وأسبقهم إلى الإسلام ، وحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو حبه ، وما أحب - صلى الله عليه وسلم - إلا طيبا ، ولم يسم الله - تعالى - في كتابه صحابيا باسمه إلا زيد بن حارثة وعيسى بن مريم - عليه السلام - الذي ينزل حكما مقسطا ويلتحق بهذه الأمة المرحومة في صلاته وصيامه وحجه ونكاحه وأحكام الدين الحنيف جميعها ، فكما أن أبا القاسم سيد الأنبياء وأفضلهم وخاتمهم ، فكذلك عيسى بعد نزوله أفضل هذه الأمة مطلقا ، ويكون ختامهم ، ولا يجيء بعده من فيه خير ; بل تطلع الشمس من مغربها ، ويأذن الله بدنو الساعة .

                                                                                      أخبرنا أبو الفضل بن عساكر ، أنبأنا عبد المعز بن محمد ، أنبأنا تميم ، أنبأنا أبو سعد ، أنبأنا ابن حمدان ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا بندار ، حدثنا . [ ص: 221 ] عبد الوهاب الثقفي ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن ، عن أسامة بن زيد ، عن أبيه قال : خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما حارا من أيام مكة وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب وقد ذبحنا له شاة فأنضجناها ، فلقينا زيد بن عمرو بن نفيل ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا زيد ، ما لي أرى قومك قد شنفوا لك ؟ " قال : والله يا محمد إن ذلك لغير نائلة لي فيهم ، لكني خرجت أبتغي هذا الدين حتى قدمت على أحبار فدك ، فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به . فقدمت على أحبار خيبر ، فوجدتهم كذلك ، فقدمت على أحبار الشام ، فوجدت كذلك فقلت : ما هذا بالدين الذي أبتغي . فقال شيخ منهم : إنك لتسأل عن دين ما نعلم أحدا يعبد الله به إلا شيخ بالحيرة .

                                                                                      فخرجت حتى أقدم عليه ، فلما رآني قال : ممن أنت ؟ قلت من أهل بيت الله . قال : إن الذي تطلب قد ظهر ببلادك ، قد بعث نبي طلع نجمه ، وجميع من رأيتهم في ضلال . قال : فلم أحس بشيء . قال : فقرب إليه السفرة ، فقال : ما هذا يا محمد ؟ قال : " شاة ذبحناها لنصب " . قال : فإني لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه . وتفرقنا ، فأتى رسول الله البيت ، فطاف به - وأنا معه - وبالصفا والمروة ، وكان عندهما صنمان من نحاس : إساف ونائلة ، وكان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما ، فقال النبي : " لا تمسحهما ; فإنهما رجس " . فقلت في نفسي : لأمسنهما حتى أنظر ما يقول . فمسستهما ، فقال : " يا زيد ، ألم تنه "
                                                                                      .

                                                                                      قال : ومات زيد بن عمرو وأنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لزيد : [ ص: 222 ] " إنه يبعث أمة وحده " .

                                                                                      في إسناده محمد لا يحتج به ، وفي بعضه نكارة بينة .

                                                                                      عن الحسن بن أسامة بن زيد قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أكبر من زيد بعشر سنين . قال : وكان قصيرا ، شديد الأدمة ، أفطس .

                                                                                      رواه ابن سعد ، عن الواقدي ، حدثنا محمد بن الحسن بن أسامة ، عن أبيه ، ثم قال ابن سعد : كذا صفته في هذه الرواية . وجاءت من وجه آخر أنه كان شديد البياض ، وكان ابنه أسامة أسود ، ولذلك أعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول مجزز القائف حيث يقول : إن هذه الأقدام بعضها من بعض .

                                                                                      [ ص: 223 ] لوين : حدثنا حديج ، عن أبي إسحاق قال : كان جبلة بن حارثة في الحي ، فقالوا له : أنت أكبر أم زيد ؟ قال : زيد أكبر مني ، وأنا ولدت قبله ، وسأخبركم : إن أمنا كانت من طيئ ، فماتت ، فبقينا في حجر جدنا ، فقال عماي لجدنا : نحن أحق بابني أخينا . فقال : خذا جبلة ، ودعا زيدا ، فأخذاني ، فانطلقا بي ، فجاءت خيل من تهامة ، فأخذت زيدا ، فوقع إلى خديجة ، فوهبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      عبد الملك بن أبي سليمان حدثنا أبو فزارة قال : " أبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة غلاما ذا ذؤابة قد أوقفه قومه بالبطحاء للبيع ، فأتى خديجة ، فقالت : كم ثمنه ؟ قال : سبع مائة : قالت : خذ سبع مائة . فاشتراه وجاء به إليها فقال : أما إنه لو كان لي لأعتقته . قالت : فهو لك . فأعتقه " . [ ص: 224 ]

                                                                                      وعن سليمان بن يسار وغيره قالوا : أول من أسلم زيد بن حارثة .

                                                                                      موسى بن عقبة عن سالم ، عن أبيه قال : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد . فنزلت ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله [ الأحزاب : 5 ] .

                                                                                      إسماعيل بن أبي خالد : عن أبي عمرو الشيباني قال : أخبرني جبلة بن حارثة ، قال : قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : يا رسول الله ، ابعث معي أخي [ ص: 225 ] زيدا . قال : " هو ذا ، فإن انطلق ، لم أمنعه " فقال زيد : لا والله ، لا أختار عليك أحدا أبدا . قال : فرأيت رأي أخي أفضل من رأيي سمعه علي بن مسهر منه .

                                                                                      ذكره ابن إسحاق وغيره فيمن شهد بدرا .

                                                                                      وقال سلمة بن الأكوع : غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وغزوت مع زيد بن حارثة - كان يؤمره علينا . [ ص: 226 ]

                                                                                      الواقدي : حدثنا محمد بن الحسن بن أسامة ، عن أبي الحويرث قال : خرج زيد بن حارثة أميرا سبع سرايا .

                                                                                      الواقدي : حدثنا ابن أخي الزهري ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك - تعني من سرية أم قرفة - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي . فقرع زيد الباب ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجر ثوبه عريانا ، ما رأيته عريانا قبلها - صلى الله عليه وسلم - حتى اعتنقه وقبله ثم ساءله ، فأخبره بما ظفره الله .

                                                                                      ابن إسحاق : عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن محمد بن أسامة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد بن حارثة : " يا زيد ، أنت مولاي ، ومني وإلي ، وأحب القوم إلي " .

                                                                                      رواه أحمد في " المسند " . [ ص: 227 ]

                                                                                      إسماعيل بن جعفر وابن عيينة ، عن عبد الله بن دينار ، سمع ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أسامة على قوم ، فطعن الناس في إمارته ، فقال : " إن تطعنوا في إمارته ، فقد طعنتم في إمارة أبيه ، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إلي ، وإن ابنه هذا لأحب الناس إلي بعده " .

                                                                                      لفظ إسماعيل : " وإن ابنه لمن أحب " .

                                                                                      إبراهيم بن طهمان ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم ، عن أبيه : فذكر نحوه .

                                                                                      وفيه : " وإن كان أبوه لخليقا للإمارة ، وإن كان لأحب الناس كلهم إلي " .

                                                                                      قال سالم : ما سمعت أبي يحدث بهذا الحديث قط إلا قال : والله ما حاشا فاطمة .

                                                                                      إبراهيم بن يحيى بن هانئ الشجري حدثني أبي ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : أتانا زيد بن حارثة ، فقام إليه [ ص: 228 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجر ثوبه ، فقبل وجهه . وكانت أم قرفة جهزت أربعين راكبا من ولدها وولد ولدها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقاتلوه ، فأرسل إليهم زيدا فقتلهم وقتلها ، وأرسل بدرعها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنصبه بالمدينة بين رمحين .

                                                                                      رواه المحاملي عن عبد الله بن شبيب عنه . وروى منه الترمذي عن البخاري ، عن إبراهيم هذا وحسنه .

                                                                                      مجالد : عن الشعبي ، عن عائشة قالت : لو أن زيدا كان حيا ، لاستخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      وائل بن داود ، عن البهي ، عن عائشة : ما بعث رسول الله زيدا في جيش قط إلا أمره عليهم ، ولو بقي بعده استخلفه أخرجه النسائي .

                                                                                      قال ابن عمر : فرض عمر لأسامة بن زيد أكثر مما فرض لي ، فكلمته في [ ص: 229 ] ذلك ، فقال : إنه كان أحب إلى رسول الله منك ، وإن أباه كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبيك .

                                                                                      قال الواقدي : عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد على الناس في غزوة مؤتة ، وقدمه على الأمراء ، فلما التقى الجمعان كان الأمراء يقاتلون على أرجلهم ، فأخذ زيد اللواء فقاتل وقاتل معه الناس حتى قتل طعنا بالرماح رضي الله عنه . قال : فصلى عليه رسول الله ، أي دعا له ، وقال : " استغفروا لأخيكم ، قد دخل الجنة وهو يسعى " .

                                                                                      وكانت مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين سنة .

                                                                                      جماعة : عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، قال : لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل زيد ، وجعفر ، وابن رواحة ، قام - صلى الله عليه وسلم - فذكر شأنهم ، فبدأ بزيد ، فقال : " اللهم اغفر لزيد ، اللهم اغفر لزيد ، ثلاثا ، اللهم اغفر لجعفر وعبد الله بن رواحة " .

                                                                                      حماد بن زيد : عن خالد بن سلمة المخزومي ، قال : لما جاء مصاب زيد وأصحابه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزله بعد ذلك ، فلقيته بنت زيد ، فأجهشت بالبكاء في وجهه ، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى انتحب ، فقيل : ما [ ص: 230 ] هذا يا رسول الله ؟ قال : " شوق الحبيب إلى الحبيب " رواه مسدد وسليمان بن حرب عنه .

                                                                                      حسين بن واقد : عن ابن بريدة ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " دخلت الجنة ، فاستقبلتني جارية شابة . فقلت : لمن أنت ؟ قالت : أنا لزيد بن حارثة " إسناده حسن .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية