الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      ابن حبان

                                                                                      الإمام العلامة الحافظ المجود شيخ خراسان أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد بن سهيد بن هدية [ ص: 93 ] بن مرة بن سعد بن يزيد بن مرة بن زيد بن عبد الله بن دارم بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي الدارمي البستي ، صاحب الكتب المشهورة .

                                                                                      ولد سنة بضع وسبعين ومائتين . وأكبر شيخ لقيه أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي ، سمع منه بالبصرة ، ومن زكريا الساجي ، وسمع بمصر من أبي عبد الرحمن النسائي ، وإسحاق بن يونس المنجنيقي وعدة ، وبالموصل من أبي يعلى أحمد بن علي ، وبنسا من الحسن بن سفيان ، وبجرجان من عمران بن موسى بن مجاشع السختياني ، وببغداد من أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي وطبقته ، وبدمشق من جعفر بن أحمد ، ومحمد بن خريم ، وخلق ، وبنيسابور من ابن خزيمة ، والسراج ، والماسرجسي ، وبعسقلان من محمد بن الحسن بن قتيبة ، وببيت المقدس من عبد الله بن محمد بن سلم ، وبطبرية من سعيد بن هاشم ، وبهراة من محمد بن عبد الرحمن السامي ، والحسين بن إدريس ، وبتستر من أحمد بن يحيى بن زهير ، وبمنبج من عمر بن سعيد ، وبالأبلة من أبي يعلى بن زهير ، وبحران من أبي عروبة ، وبمكة من المفضل الجندي ، وبأنطاكية من أحمد بن عبيد الله الدارمي ، وببخارى من عمر بن محمد بن بجير .

                                                                                      [ ص: 94 ] حدث عنه : أبو عبد الله بن منده ، وأبو عبد الله الحاكم ، ومنصور بن عبد الله الخالدي ، وأبو معاذ عبد الرحمن بن محمد بن رزق الله السجستاني ، وأبو الحسن محمد بن أحمد بن هارون الزوزني ، ومحمد بن أحمد بن منصور النوقاتي ، وخلق سواهم .

                                                                                      قال أبو سعد الإدريسي : كان على قضاء سمرقند زمانا ، وكان من فقهاء الدين ، وحفاظ الآثار ، عالما بالطب ، وبالنجوم ، وفنون العلم .

                                                                                      صنف المسند الصحيح ، يعني به : كتاب " الأنواع والتقاسيم " وكتاب " التاريخ " ، وكتاب " الضعفاء " . وفقه الناس بسمرقند .

                                                                                      وقال الحاكم : كان ابن حبان من أوعية العلم في الفقه ، واللغة ، والحديث ، والوعظ ، ومن عقلاء الرجال . قدم نيسابور سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ، فسار إلى قضاء نسا ، ثم انصرف إلينا في سنة سبع ، فأقام عندنا بنيسابور ، وبنى الخانقاه ، وقرئ عليه جملة من مصنفاته ، ثم خرج من نيسابور إلى وطنه سجستان عام أربعين ، وكانت الرحلة إليه لسماع كتبه .

                                                                                      وقال أبو بكر الخطيب : كان ابن حبان ثقة نبيلا فهما .

                                                                                      وقال أبو عمرو بن الصلاح في " طبقات الشافعية " : غلط ابن حبان الغلط الفاحش في تصرفاته .

                                                                                      قال ابن حبان في أثناء كتاب " الأنواع " : لعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ .

                                                                                      قلت : كذا فلتكن الهمم ، هذا مع ما كان عليه من الفقه ، والعربية ، والفضائل الباهرة ، وكثرة التصانيف .

                                                                                      [ ص: 95 ] قال الخطيب : ذكر مسعود بن ناصر السجزي تصانيف ابن حبان ، فقال : " تاريخ الثقات " ، " علل أوهام المؤرخين " مجلد ، " علل مناقب الزهري " عشرون جزءا ، " علل حديث مالك " عشرة أجزاء ، " علل ما أسند أبو حنيفة " عشرة أجزاء ، " ما خالف فيه سفيان شعبة " ثلاثة أجزاء ، " ما خالف فيه شعبة سفيان " جزءان ، " ما انفرد به أهل المدينة من السنن " مجلد ، " ما انفرد به المكيون " مجيليد ، " ما انفرد به أهل العراق " مجلد ، " ما انفرد به أهل خراسان " مجيليد ، " ما انفرد به ابن عروبة عن قتادة ، أو شعبة عن قتادة " مجيليد ، " غرائب الأخبار " مجلد ، " غرائب الكوفيين " عشرة أجزاء ، " غرائب أهل البصرة " ثمانية أجزاء ، " الكنى " مجيليد ، " الفصل والوصل " مجلد ، " الفصل بين حديث أشعث بن عبد الملك ، وأشعث بن سوار " جزءان ، كتاب " موقوف ما رفع " عشرة أجزاء ، " مناقب مالك " ، " مناقب الشافعي " ، كتاب " المعجم على المدن " عشرة أجزاء ، " الأبواب المتفرقة " ثلاثة مجلدات ، " أنواع العلوم وأوصافها " ثلاثة مجلدات ، " الهداية إلى علم السنن " مجلد ، " قبول الأخبار " ، وأشياء .

                                                                                      قال مسعود بن ناصر : وهذه التواليف إنما يوجد منها النزر اليسير ، وكان قد وقف كتبه في دار ، فكان السبب في ذهابها مع تطاول الزمان ضعف أمر السلطان ، واستيلاء المفسدين .

                                                                                      قال أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري مؤلف كتاب " ذم [ ص: 96 ] الكلام " : سمعت عبد الصمد بن محمد بن محمد ، سمعت أبي يقول : أنكروا على أبي حاتم بن حبان قوله : النبوة : " العلم والعمل " فحكموا عليه بالزندقة ، هجر ، وكتب فيه إلى الخليفة ، فكتب بقتله . قلت : هذه حكاية غريبة ، وابن حبان فمن كبار الأئمة ، ولسنا ندعي فيه العصمة من الخطأ ، لكن هذه الكلمة التي أطلقها قد يطلقها المسلم ، ويطلقها الزنديق الفيلسوف ، فإطلاق المسلم لها لا ينبغي ، لكن يعتذر عنه ، فنقول : لم يرد حصر المبتدأ في الخبر ، ونظير ذلك قوله - عليه الصلاة والسلام - : الحج عرفة ومعلوم أن الحاج لا يصير بمجرد الوقوف بعرفة حاجا ، بل بقي عليه فروض وواجبات ، وإنما ذكر مهم الحج . وكذا هذا ذكر مهم النبوة ، إذ من أكمل صفات النبي كمال العلم والعمل ، فلا يكون أحد نبيا إلا بوجودهما ، وليس كل من برز فيهما نبيا ؛ لأن النبوة موهبة من الحق تعالى ، لا حيلة للعبد في اكتسابها ، بل بها يتولد العلم اللدني والعمل الصالح .

                                                                                      وأما الفيلسوف فيقول : النبوة مكتسبة ينتجها العلم والعمل ، فهذا [ ص: 97 ] كفر ، ولا يريده أبو حاتم أصلا ، وحاشاه ، وإن كان في تقاسيمه - من الأقوال والتأويلات البعيدة ، والأحاديث المنكرة - عجائب ، وقد اعترف أن " صحيحه " لا يقدر على الكشف منه إلا من حفظه ، كمن عنده مصحف لا يقدر على موضع آية يريدها منه إلا من يحفظه .

                                                                                      وقال في " صحيحه " : شرطنا في نقله ما أودعناه في كتابنا ألا نحتج إلا بأن يكون في كل شيخ فيه خمسة أشياء : العدالة في الدين بالستر الجميل .

                                                                                      الثاني : الصدق في الحديث بالشهرة فيه . الثالث : العقل بما يحدث من الحديث . الرابع : العلم بما يحيل المعنى من معاني ما روى . الخامس : تعري خبره من التدليس . فمن جمع الخصال الخمس احتججنا به .

                                                                                      وقال أبو إسماعيل الأنصاري : سمعت يحيى بن عمار الواعظ ، وقد سألته عن ابن حبان ، فقال : نحن أخرجناه من سجستان ، كان له علم كثير ، ولم يكن له كبير دين ، قدم علينا ، فأنكر الحد لله ، فأخرجناه . قلت : إنكاركم عليه بدعة أيضا ، والخوض في ذلك مما لم يأذن به الله ، ولا أتى نص بإثبات ذلك ولا بنفيه . و من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وتعالى الله أن يحد أو يوصف إلا بما وصف به نفسه ، أو علمه [ ص: 98 ] رسله بالمعنى الذي أراد بلا مثل ولا كيف ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .

                                                                                      قرأت بخط الحافظ الضياء في جزء علقه مآخذ على كتاب ابن حبان ، فقال في حديث أنس في الوصال فيه دليل على أن الأخبار التي فيها وضع الحجر على بطنه من الجوع كلها بواطيل ، وإنما معناها الحجز ، وهو طرف الرداء ، إذ الله يطعم رسوله ، وما يغني الحجر من الجوع .

                                                                                      قلت : فقد ساق في كتابه حديث ابن عباس في خروج أبي بكر وعمر من الجوع ، فلقيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه ، فقال : أخرجني الذي أخرجكما فدل على أنه كان يطعم ويسقى في الوصال خاصة .

                                                                                      وقال في حديث عمران بن حصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل : أصمت من سرر شعبان شيئا ؟ قال : لا . قال : إذا أفطرت فصم يومين فهذه لفظة استخبار ، يريد الإعلام بنفي جواز ذلك ، كالمنكر [ ص: 99 ] عليه لو فعله ، كقوله لعائشة : تسترين الجدر ؟ ! وأمره بصوم يومين من شوال أراد به انتهاء السرار . وذلك في الشهر الكامل والسرار في الشهر الناقص يوم واحد .

                                                                                      قلنا : لو كان منكرا عليه لما أمره بالقضاء .

                                                                                      وقال في حديث : مررت بموسى وهو يصلي في قبره أحيا الله موسى في قبره حتى مر عليه المصطفى عليه السلام . وقبره بمدين ، بين المدينة وبين بيت المقدس .

                                                                                      وحديث : كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة ، وله تسع نسوة وفي رواية الدستوائي عن قتادة وهي : إحدى عشرة .

                                                                                      [ ص: 100 ] قال ابن حبان : فحكى أنس ذلك الفعل منه أول قدومه المدينة ، حيث كانت تحته إحدى عشرة امرأة . والخبر الأول إنما حكاه أنس في آخر قدومه المدينة ، حيث كانت تحته تسع ؛ لأن هذا الفعل كان منه مرات .

                                                                                      قلنا : أول قدومه فما كان له سوى امرأة ، وهي سودة ، ثم إلى السنة الرابعة من الهجرة لم يكن عنده أكثر من أربع نسوة ، فإنه بنى بحفصة ، وبأم سلمة في سنة ثلاث ، وقبلها سودة وعائشة ، ولا نعلم أنه اجتمع عنده في آن إحدى عشرة زوجة .

                                                                                      وقال : ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن بين إسماعيل وداود ألف [ ص: 101 ] سنة ، فروى خبر أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله كم بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى ؟ قال : أربعون سنة .

                                                                                      حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر في رجب قال : فيه البيان بأن الحبر الفاضل قد ينسى ، قال ؛ لأن المصطفى ما اعتمر إلا أربعا : أولاها عمرة القضاء عام القابل من عام الحديبية ، قال : وكان ذلك في رمضان .

                                                                                      ثم الثانية حين فتح مكة في رمضان . ولما رجع من هوازن اعتمر من الجعرانة وذلك في شوال . والرابعة مع حجته . فوهم أبو حاتم كما ترى في أشياء .

                                                                                      [ ص: 102 ] ففي " الصحيحين " لأنس : اعتمر نبي الله أربع عمر ، كلهن في ذي القعدة إلا التي من حجته ، عمرة الحديبية ، وعمرته من العام المقبل ، وعمرته من الجعرانة .

                                                                                      وقال : ذكر ما كان يقرأ - عليه السلام - في جلوسه بين الخطبتين ، فما ذكر شيئا .

                                                                                      توفي ابن حبان بسجستان بمدينة بست في شوال سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وهو في عشر الثمانين . وما ظفرت بشيء من حديثه عاليا .

                                                                                      كتب إلي المسلم بن محمد العلاني ، أخبرنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا أبو منصور الشيباني ، أخبرنا أبو بكر الحافظ ، أخبرنا أبو معاذ عبد الرحمن بن محمد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة - قدم للحج - أخبرنا أبو حاتم التميمي ، حدثنا أبو خليفة ، حدثنا القعنبي ، عن شعبة ، عن منصور ، عن ربعي ، عن أبي مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستحي فاصنع ما شئت .

                                                                                      [ ص: 103 ] أخبرنا أحمد بن هبة الله ، أنبأنا أبو روح عبد المعز بن محمد ، أخبرنا زاهر بن طاهر ، أخبرنا أبو بكر البيهقي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن منصور النوقاني ، أخبرنا أبو حاتم محمد بن حبان ، حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي ( ح ) وأخبرنا أحمد بن إسحاق ، أخبرنا أحمد بن صرما والفتح بن عبد الله قالا : أخبرنا محمد بن عمر ، أخبرنا ابن النقور ، أخبرنا علي بن عمر الحربي ، حدثنا الصوفي ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا عبدة ، عن هشام بن عروة ، عن موسى بن عقبة ، عن عبد الله بن عمرو الأودي ، عن ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يحرم على النار كل هين لين قريب سهل .

                                                                                      أخرجه الترمذي من حديث عبدة بن سليمان ، وحسنه .

                                                                                      قرأت على سليمان بن حمزة القاضي ، أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحافظ ، أخبرنا عبد المعز بن محمد ، أن تميما الجرجاني أخبرهم ، أخبرنا علي بن محمد البحاثي ، أخبرنا محمد بن أحمد الزوزني ، أخبرنا محمد بن حبان ، حدثنا الحسن بن سفيان ، حدثنا يزيد بن صالح ، ومحمد بن أبان الواسطي قالا : حدثنا جرير بن حازم ، سمعت أبا رجاء العطاردي ، سمعت ابن عباس على المنبر يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يزال [ ص: 104 ] أمر هذه الأمة موائما أو مقاربا ما لم يتكلموا في الولدان والقدر .

                                                                                      هذا حديث صحيح ولم يخرج في الكتب الستة .

                                                                                      أنبأنا يحيى بن أبي منصور ، أخبرنا عبد القادر الحافظ ، أخبرنا مسعود بن الحسن ، أخبرنا أبو عمرو بن منده ، أخبرنا أبي ، أخبرنا أبو حاتم بن حبان ، حدثنا عمر بن محمد بن بجير ، حدثنا ابن السرح ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا بكر بن مضر ، عن الأوزاعي قال : " بلغني أن الله إذا أراد بقوم شرا ، ألزمهم الجدل ، ومنعهم العمل " .

                                                                                      أخبرنا الحسن بن علي ، أخبرنا ابن اللتي ، أخبرنا أبو الوقت ، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري ، أخبرنا عبد الصمد بن محمد بن محمد بن صالح ، أخبرنا أبي ، أخبرنا محمد بن حبان ، سمعت أسامة بن أحمد بمصر ، سمعت السرح ، سمعت عبد الرحمن بن القاسم ، سمعت مالكا ، يقول : " ما أحد ممن تعلمت منه العلم إلا صار إلي حتى سألني عن أمر دينه " .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية