الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      إبراهيم النخعي ( ع )

                                                                                      الإمام ، الحافظ ، فقيه العراق ، أبو عمران ، إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن سعد بن مالك بن [ النخع ] النخعي ، اليماني ثم الكوفي ، أحد الأعلام ، وهو ابن مليكة أخت الأسود بن يزيد .

                                                                                      روى عن خاله ، ومسروق ، وعلقمة بن قيس ، وعبيدة السلماني ، وأبي زرعة البجلي ، وخيثمة بن عبد الرحمن ، والربيع بن خثيم ، وأبي الشعثاء المحاربي ، وسهم بن منجاب ، وسويد بن غفلة ، والقاضي شريح ، وشريح بن أرطاة ، وأبي معمر عبد الله بن سخبرة ، وعبيد بن نضيلة ، وعمارة بن عمير ، وأبي عبيدة بن عبد الله ، وأبي عبد الرحمن السلمي ، وخاله عبد الرحمن بن يزيد ، وهمام بن الحارث ، وخلق سواهم من كبار التابعين .

                                                                                      ولم نجد له سماعا من الصحابة المتأخرين الذين كانوا معه بالكوفة [ ص: 521 ] كالبراء وأبي جحيفة وعمرو بن حريث .

                                                                                      وقد دخل على أم المؤمنين عائشة وهو صبي ، ولم يثبت له منها سماع ; على أن روايته عنها في كتب أبي داود والنسائي والقزويني ، فأهل الصنعة يعدون ذلك غير متصل مع عدهم كلهم لإبراهيم في التابعين ، ولكنه ليس من كبارهم ، وكان بصيرا بعلم ابن مسعود ، واسع الرواية ، فقيه النفس ، كبير الشأن ، كثير المحاسن ، رحمه الله تعالى .

                                                                                      روى عنه الحكم بن عتيبة ، وعمرو بن مرة ، وحماد بن أبي سليمان تلميذه ، وسماك بن حرب ، ومغيرة بن مقسم تلميذه ، وأبو معشر بن زياد بن كليب ، وأبو حصين عثمان بن عاصم ، ومنصور بن المعتمر ، وعبيدة بن معتب وإبراهيم بن مهاجر ، والحارث العكلي ، وسليمان الأعمش ، وابن عون ، وشباك الضبي ، وشعيب بن الحبحاب ، وعبيدة بن معتب ، وعطاء بن السائب ، وعبد الرحمن بن أبي الشعثاء المحاربي ، وعبد الله بن شبرمة ، وعلي بن مدرك ، وفضيل بن عمرو الفقيمي ، وهشام بن عائذ الأسدي ، وواصل بن حيان الأحدب ، وزبيد اليامي ، ومحمد بن خالد الضبي ، ومحمد بن سوقة ، ويزيد بن أبي زياد ، وأبو حمزة الأعور ميمون ، وخلق سواهم .

                                                                                      قال أحمد بن عبد الله العجلي : لم يحدث عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أدرك منهم جماعة ، ورأى عائشة .

                                                                                      وكان مفتي أهل الكوفة هو والشعبي في زمانهما ، وكان رجلا صالحا ، فقيها ، متوقيا ، قليل التكلف وهو مختف من الحجاج .

                                                                                      روى أبو أسامة ، عن الأعمش ، قال : كان إبراهيم صيرفي الحديث . [ ص: 522 ]

                                                                                      وروى جرير عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : كان الشعبي وإبراهيم وأبو الضحى يجتمعون في المسجد يتذاكرون الحديث ، فإذا جاءهم شيء ليس فيه عندهم رواية ، رموا إبراهيم بأبصارهم .

                                                                                      قال يحيى بن معين : مراسيل إبراهيم أحب إلي من مراسيل الشعبي . قاله عباس عنه .

                                                                                      قال ابن عون : وصفت إبراهيم لابن سيرين ، قال : لعله ذاك الفتى الأعور الذي كان يجالسنا عند علقمة ، كان في القوم وكأنه ليس فيهم .

                                                                                      شعبة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : ما كتبت شيئا قط .

                                                                                      قال مغيرة : كنا نهاب إبراهيم هيبة الأمير .

                                                                                      وقال طلحة بن مصرف : ما بالكوفة أعجب إلي من إبراهيم وخيثمة .

                                                                                      قال فضيل الفقيمي : قال لي إبراهيم : ما كتب إنسان كتابا إلا اتكل عليه .

                                                                                      قال أبو قطن : حدثنا شعبة ، عن الأعمش : قلت لإبراهيم : إذا حدثتني عن عبد الله فأسند ، قال : إذا قلت : قال عبد الله ، فقد سمعته من غير واحد من الصحابة ، وإذا قلت : حدثني فلان ، فحدثني فلان .

                                                                                      وقال مغيرة : كره إبراهيم أن يستند إلى سارية . [ ص: 523 ]

                                                                                      حماد بن زيد ، عن ابن عون : جلست إلى إبراهيم ، فقال في المرجئة قولا غيره أحسن منه .

                                                                                      وجاء ذم الإرجاء من وجوه عنه .

                                                                                      وقال سعيد بن جبير : أتستفتوني وفيكم إبراهيم ؟ .

                                                                                      قال الحاكم : كان إبراهيم النخعي يحج مع عمه وخاله علقمة والأسود .

                                                                                      وكان يبغض المرجئة ويقول : لأنا على هذه الأمة - من المرجئة - أخوف عليهم من عدتهم من الأزارقة .

                                                                                      توفي وله تسع وأربعون سنة .

                                                                                      حماد بن زيد : حدثنا شعيب بن الحبحاب ، حدثتني هنيدة امرأة إبراهيم ، أن إبراهيم كان يصوم يوما ويفطر يوما .

                                                                                      قال سعيد بن صالح الأشج ، عن حكيم بن جبير ، عن إبراهيم ، قال : ما بها عريف إلا كافر .

                                                                                      عفان : حدثنا يعقوب بن إسحاق ، حدثنا ابن عون ، قال : كان إبراهيم يأتي السلطان ، فيسألهم الجوائز .

                                                                                      وقال محمد بن ربيعة الكلابي عن العلاء بن زهير ، قال : قدم إبراهيم على أبي وهو على حلوان ، فحمله على برذون ، وكساه أثوابا ، وأعطاه ألف درهم فقبله . [ ص: 524 ]

                                                                                      قال الأعمش : ربما رأيت إبراهيم يصلي ثم يأتينا ، فيمكث ساعة كأنه مريض .

                                                                                      قال أبو حنيفة عن حماد ، قال : بشرت إبراهيم بموت الحجاج ، فسجد ، ورأيته يبكي من الفرح .

                                                                                      وقال سلمة بن كهيل : ما رأيت إبراهيم في صيف قط إلا وعليه ملحفة حمراء وإزار أصفر .

                                                                                      وقال مغيرة : رأيت إبراهيم يرخي عمامته من ورائه .

                                                                                      وقال يحيى القطان : [ مات وهو ] ابن نيف وخمسين بعد الحجاج بأربعة أشهر أو خمسة .

                                                                                      قال محمد بن سعد : دخل إبراهيم على أم المؤمنين عائشة ، وسمع زيد بن أرقم ، والمغيرة بن شعبة ، وأنس بن مالك .

                                                                                      روى عنه الشعبي ، ومنصور ، والمغيرة بن مقسم ، والأعمش وغيرهم من التابعين .

                                                                                      عبد الله بن جعفر الرقي : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن طلحة بن مصرف ، قال : قلت لإبراهيم النخعي : يا أبا عمران ، من أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : دخلت على أم المؤمنين عائشة . [ ص: 525 ]

                                                                                      سليمان بن داود المباركي : حدثنا أبو شهاب ، عن الحسن بن عمرو ، عن أبيه ، أنه دخل على إبراهيم فقال : يا أبا عمران .

                                                                                      وقال ضمره بن ربيعة : سمعت رجلا يذكر أن حماد بن أبي سليمان قدم عليهم البصرة ، فجاءه فرقد السبخي وعليه ثوب صوف ، فقال له : ضع عنك نصرانيتك هذه ، فلقد رأيتني ننتظر إبراهيم فيخرج عليه معصفرة ، ونحن نرى أن الميتة قد حلت له .

                                                                                      شعبة ، عن أبي معشر ، عن النخعي ، أنه كان يدخل على عائشة فيرى عليها ثيابا حبرا ، فقال أيوب : وكيف كان يدخل عليها ؟ ! قال : كان يخرج مع عمه وخاله حاجا وهو غلام قبل أن يحتلم ، وكان بينهم ود وإخاء ، وكان بينهما وبين عائشة ود وإخاء .

                                                                                      شريك ، عن سليمان بن يسير ، عن إبراهيم : أدخلني خالي الأسود على عائشة وعلي أوضاح .

                                                                                      جرير ، عن مغيرة ، قال : كان إبراهيم يدخل على عائشة مع الأسود وعلقمة ، ومات وله سبع وخمسون سنة أو نحوه .

                                                                                      وقال سليم بن أخضر : حدثنا ابن عون ، قال : مات إبراهيم وهو ما بين الخمسين إلى الستين .

                                                                                      علي بن عاصم : حدثنا مغيرة ، قال : قيل لإبراهيم : قتل الحجاج سعيد بن جبير . قال : يرحمه الله ، ما ترك بعده خلف ، قال : فسمع بذلك [ ص: 526 ] الشعبي فقال : هو بالأمس يعيبه بخروجه على الحجاج ، ويقول اليوم هذا ! فلما مات إبراهيم ، قال الشعبي : ما ترك بعده خلف .

                                                                                      نعيم بن حماد : حدثنا جرير ، عن عاصم ، قال : تبعت الشعبي ، فمررنا بإبراهيم ، فقام له إبراهيم عن مجلسه ، فقال له الشعبي : أما إني أفقه منك حيا ، وأنت أفقه مني ميتا ، وذاك أن لك أصحابا يلزمونك ، فيحيون علمك .

                                                                                      محمد بن طلحة بن مصرف : حدثني ميمون أبو حمزة الأعور ، قال : قال لي إبراهيم : تكلمت ، ولو وجدت بدا لم أتكلم ، وإن زمانا أكون فيه فقيها لزمان سوء .

                                                                                      قال أبو حمزة الثمالي : كنت عند إبراهيم النخعي ، فجاء رجل فقال : يا أبا عمران ، إن الحسن البصري يقول : إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . فقال رجل : هذا من قاتل على الدنيا ، فأما قتال من بغى ، فلا بأس به . فقال إبراهيم : هكذا قال أصحابنا عن ابن مسعود . فقالوا له : أين كنت يوم الزاوية ؟ قال : في بيتي . قالوا : فأين كنت يوم الجماجم ؟ قال : في بيتي . قالوا : فإن علقمة شهد صفين مع علي . فقال : بخ بخ ، من لنا مثل علي بن أبي طالب ورجاله .

                                                                                      عن شعيب بن الحبحاب ، قال : كنت فيمن دفن إبراهيم النخعي ليلا [ ص: 527 ] سابع سبعة أو تاسع تسعة . فقال الشعبي : أدفنتم صاحبكم ؟ قلت : نعم . قال : أما إنه ما ترك أحدا أعلم منه ، أو أفقه منه . قلت : ولا الحسن ولا ابن سيرين ؟ قال : نعم ، ولا من أهل البصرة ، ولا من أهل الكوفة ، ولا من أهل الحجاز . وفي رواية : ولا من أهل الشام .

                                                                                      روى الترمذي من طريق شعبة عن الأعمش ، قال : قلت لإبراهيم النخعي : أسند لي عن ابن مسعود . فقال : إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله بن مسعود ، فهو الذي سمعت ، وإذا قلت : قال عبد الله ، فهو عن غير واحد عن عبد الله .

                                                                                      في سن إبراهيم قولان : أحدهما عاش تسعا وأربعين سنة . الثاني أنه عاش ثمانيا وخمسين سنة .

                                                                                      مات سنة ست وتسعين .

                                                                                      أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد ، وعبد الولي بن عبد الرحمن ، وأحمد بن هبة الله ، وعيسى بن بركة ، وجماعة ، قالوا : أنبأنا عبد الله بن عمر ، أنبأنا سعيد بن أحمد بن البناء حضورا في سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، أنبأنا محمد بن محمد الزينبي ، أنبأنا محمد بن عمر بن زنبور ، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، قال : قال عبد الله : " لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله " . فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها : أم يعقوب كانت تقرأ القرآن ، فأتته ، فقالت : ما حديث بلغني عنك ، أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ؟ قال : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله . فقالت : والله لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته . [ ص: 528 ]

                                                                                      قال أبو عبيد الآجري : حدثنا أبو داود ، حدثونا عن الأشجعي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : كانوا يرون أن كثيرا من حديث أبي هريرة منسوخ .

                                                                                      قلت : وكان كثير من حديثه ناسخا ; لأن إسلامه ليالي فتح خيبر ، والناسخ والمنسوخ في جنب ما حمل من العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزر قليل ، وكان من أئمة الاجتهاد ، ومن أهل الفتوى رضي الله عنه . فالسنن الثابتة لا ترد بالدعاوى .

                                                                                      قال أبو داود : حدثنا ابن أبي السري ، حدثنا يونس بن بكير ، عن الأعمش ، قال : ما رأيت أحدا أرد لحديث لم يسمعه من إبراهيم .

                                                                                      وقيل : إن إبراهيم لما احتضر جزع جزعا شديدا ، فقيل له في ذلك ، فقال : وأي خطر أعظم مما أنا فيه ، أتوقع رسولا يرد علي من ربي إما بالجنة وإما بالنار ، والله لوددت أنها تلجلج في حلقي إلى يوم القيامة . [ ص: 529 ]

                                                                                      روى ابن عيينة ، عن الأعمش ، قال : جهدنا أن نجلس إبراهيم النخعي إلى سارية ، وأردناه على ذلك فأبى ، وكان يأتي المسجد وعليه قباء وريطة معصفرة . قال : وكان يجلس مع الشرط .

                                                                                      قال أحمد بن حنبل : كان إبراهيم ذكيا ، حافظا ، صاحب سنة .

                                                                                      قال مغيرة : كان إبراهيم إذا طلبه إنسان لا يحب لقاءه خرجت الجارية فقالت : اطلبوه في المسجد .

                                                                                      روى قيس عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : أتى رجل ، فقال : إني ذكرت رجلا بشيء ، فبلغه عني ، فكيف أعتذر إليه ؟ قال : تقول : والله إن الله ليعلم ما قلت من ذلك من شيء .

                                                                                      قال أبو عمرو الداني : أخذ إبراهيم القراءة عرضا عن علقمة ، والأسود .

                                                                                      قرأ عليه الأعمش ، وطلحة بن مصرف .

                                                                                      وروى وكيع عن شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم بدعة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية