الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      ابنه أبو جعفر الباقر ( ع )

                                                                                      هو السيد الإمام ، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي ، العلوي الفاطمي ، المدني ، ولد زين العابدين ، ولد سنة ست وخمسين . في حياة عائشة وأبي هريرة . أرخ ذلك أحمد بن البرقي .

                                                                                      روى عن جديه : النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلي - رضي الله عنه - مرسلا ، وعن جديه الحسن والحسين مرسلا أيضا ، وعن ابن عباس ، وأم سلمة ، وعائشة مرسلا ، وعن ابن عمر ، وجابر ، وأبي سعيد ، وعبد الله بن جعفر ، وسعيد بن المسيب ، وأبيه زين العابدين ، ومحمد بن الحنفية ، وطائفة .

                                                                                      وعن أبي هريرة ، وسمرة بن جندب مرسلا أيضا ، وليس هو بالمكثر ، هو في الرواية كأبيه وابنه جعفر ، ثلاثتهم لا يبلغ حديث كل واحد منهم جزءا ضخما ; ولكن لهم مسائل وفتاوى .

                                                                                      حدث عنه ابنه ، وعطاء بن أبي رباح ، والأعرج مع تقدمهما ، وعمرو بن دينار ، وأبو إسحاق السبيعي ، والزهري ، ويحيى بن أبي كثير ، وربيعة الرأي ، وليث بن أبي سليم ، وابن جريج ، وقرة بن خالد ، وحجاج بن أرطاة ، [ ص: 402 ] والأعمش ، ومخول بن راشد ، وحرب بن سريج ، والقاسم بن الفضل الحداني ، والأوزاعي ، وآخرون .

                                                                                      وروايته عن الحسن وعائشة في سنن النسائي ، وذلك منقطع .

                                                                                      وروايته عن سمرة في سنن أبي داود ، وكان أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤدد ، والشرف ، والثقة ، والرزانة ، وكان أهلا للخلافة ، وهو أحد الأئمة الاثني عشر الذين تبجلهم الشيعة الإمامية وتقول بعصمتهم وبمعرفتهم بجميع الدين . فلا عصمة إلا للملائكة والنبيين ، وكل أحد يصيب ويخطئ ، ويؤخذ من قوله ويترك سوى النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فإنه معصوم ، مؤيد بالوحي .

                                                                                      وشهر أبو جعفر بالباقر ، من : بقر العلم - أي شقه - فعرف أصله وخفيه .

                                                                                      ولقد كان أبو جعفر إماما ، مجتهدا ، تاليا لكتاب الله ، كبير الشأن ، ولكن لا يبلغ في القرآن درجة ابن كثير ونحوه ، ولا في الفقه درجة أبي الزناد ، وربيعة ; ولا في الحفظ ومعرفة السنن درجة قتادة وابن شهاب . فلا نحابيه ، ولا نحيف عليه ، ونحبه في الله لما تجمع فيه من صفات الكمال .

                                                                                      قال ابن فضيل ، عن سالم بن أبي حفصة : سألت أبا جعفر وابنه جعفرا عن أبي بكر وعمر ، فقالا لي : يا سالم ، تولهما وابرأ من عدوهما ; فإنهما كانا إمامي هدى .

                                                                                      كان سالم فيه تشيع ظاهر ، ومع هذا فيبث هذا القول الحق ; وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل ، وكذلك ناقلها ابن فضيل ، شيعي ثقة . فعثر الله شيعة زماننا ما أغرقهم في الجهل والكذب ، فينالون من [ ص: 403 ] الشيخين وزيري المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ويحملون هذا القول من الباقر والصادق على التقية .

                                                                                      وروى إسحاق الأزرق ، عن بسام الصيرفي ، قال : سألت أبا جعفر عن أبي بكر وعمر ، فقال : والله إني لأتولاهما وأستغفر لهما ، وما أدركت أحدا من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما .

                                                                                      وعن عبد الله بن محمد بن عقيل ، قال : كنت أنا وأبو جعفر نختلف إلى جابر نكتب عنه في ألواح ، وبلغنا أن أبا جعفر كان يصلي في اليوم والليلة مائة وخمسين ركعة .

                                                                                      وقد عده النسائي وغيره في فقهاء التابعين بالمدينة ، واتفق الحفاظ على الاحتجاج بأبي جعفر .

                                                                                      قال القطيعي في فوائده : حدثنا أبو مسلم الكجي ، حدثنا أبو عاصم ، عن جعفر بن محمد ، حدثني أبي قال : قال عمر : ما أدري ما أصنع بالمجوس ! فقام عبد الرحمن بن عوف فروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " هذا مرسل .

                                                                                      قال الزبير بن بكار : كان يقال لمحمد بن علي : باقر العلم ، وأمه هي أم عبد الله بنت الحسن بن علي . وفيه يقول القرظي : [ ص: 404 ] يا باقر العلم لأهل التقى وخير من لبى على الأجبل وقال فيه مالك بن أعين إذا طلب الناس علم القرا ن كانت قريش عليه عيالا وإن قيل ابن ابن بنت الرسو ل نلت بذلك فرعا طوالا تحوم تهلل للمدلجين جبال تورث علما جبالا ابن عقدة : حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي نجيح ، حدثنا علي بن حسان القرشي ، عن عمه عبد الرحمن بن كثير ، عن جعفر بن محمد ، قال : قال أبي : أجلسني جدي الحسين في حجره ، وقال لي : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرئك السلام .

                                                                                      عن أبان بن تغلب ، عن محمد بن علي ، قال : أتاني جابر بن عبد الله ، وأنا في الكتاب . فقال لي : اكشف عن بطنك ، فكشفت ، فألصق بطنه ببطني ، ثم قال : أمرني رسول الله أن أقرئك منه السلام .

                                                                                      قال ابن عدي : لا أعلم رواه عن أبان غير المفضل بن صالح أبي جميلة النخاس .

                                                                                      لوين : حدثنا أبو يعقوب عبد الله بن يحيى ، قال : رأيت على أبي [ ص: 405 ] جعفر إزارا أصفر ، وكان يصلي كل يوم وليلة خمسين ركعة بالمكتوبة .

                                                                                      وعن سلمة بن كهيل ، في قوله لآيات للمتوسمين قال : كان أبو جعفر منهم .

                                                                                      الزبير في " النسب " : حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري ، قال : حج الخليفة هشام ، فدخل الحرم متكئا على يد سالم مولاه ، ومحمد بن علي بن الحسين جالس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا محمد بن علي . فقال : المفتون به أهل العراق ؟ قال : نعم . قال : اذهب إليه فقل له : يقول لك أمير المؤمنين : ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة ؟ فقال له محمد : يحشر الناس على مثل قرصة النقي فيها الأنهار مفجرة . فرأى هشام أنه قد ظفر فقال : الله أكبر ، اذهب إليه ، فقل له : ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ ! ففعل . فقال : قل له : هم في النار أشغل ، ولم يشغلوا أن قالوا : أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله .

                                                                                      قال المطلب بن زياد : حدثنا ليث بن أبي سليم ، قال : دخلت على أبي جعفر محمد بن علي وهو يذكر ذنوبه وما يقول الناس فيه ، فبكى .

                                                                                      وعن أبي جعفر ، قال : من دخل قلبه ما في خالص دين الله ، شغله عما سواه . ما الدنيا ، وما عسى أن تكون ! هل هي إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته ، أو امرأة أصبتها .

                                                                                      [ ص: 406 ] أبو نعيم : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن المنهال بن عمرو ، عن محمد بن علي ، قال : اذكروا من عظمة الله ما شئتم ، ولا تذكرون منها شيئا إلا وهي أعظم منه ; واذكروا من النار ما شئتم ، ولا تذكرون منها شيئا إلا وهي أفضل منه ; واذكروا من الجنة ما شئتم ، ولا تذكرون منها شيئا إلا وهي أفضل .

                                                                                      وعن جابر الجعفي ، عن محمد بن علي ، قال : أجمع بنو فاطمة على أن يقولوا في أبي بكر وعمر أحسن ما يكون من القول .

                                                                                      قلت : أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق هي صاحبة أبي جعفر الباقر ، وأم ولده جعفر الصادق .

                                                                                      محمد بن طلحة بن مصرف ، عن خلف بن حوشب ، عن سالم بن أبي حفصة وكان يترفض ، قال : دخلت على أبي جعفر وهو مريض فقال - وأظن قال ذلك من أجلي : اللهم إني أتولى وأحب أبا بكر وعمر ، اللهم إن كان في نفسي غير هذا ، فلا نالتني شفاعة محمد يوم القيامة - صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      عيسى بن يونس ، عن عبد الملك بن أبي سليمان : قلت لمحمد بن علي : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا قال : هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . قلت : إنهم يقولون : هو علي . قال : علي منهم .

                                                                                      شبابة : أنبأنا بسام : سمعت أبا جعفر يقول : كان الحسن والحسين [ ص: 407 ] يصليان خلف مروان يتبادران الصف ، وكان الحسين يسب مروان وهو على المنبر حتى ينزل . أفتقية هذه ؟ !

                                                                                      أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال : يزعمون أني المهدي ، وإني إلى أجلي أدنى مني إلى ما يدعون .

                                                                                      قال سفيان الثوري : اشتكى بعض أولاد محمد بن علي ، فجزع عليه ، ثم أخبر بموته ، فسري عنه . فقيل له في ذلك ، فقال : ندعو الله فيما نحب ، فإذا وقع ما نكره ، لم نخالف الله فيما أحب .

                                                                                      قال ابن عيينة : حدثنا جعفر بن محمد : سمعت أبي يقول لعمته فاطمة بنت الحسين : هذه توفي لي ثمانيا وخمسين سنة . فمات فيها .

                                                                                      قال عفان : حدثني معاوية بن عبد الكريم ، قال : رأيت على أبي جعفر محمد بن علي جبة خز ومطرف خز .

                                                                                      وقال عبيد الله بن موسى : حدثنا إسماعيل بن عبد الملك ، قال : رأيت على أبي جعفر ثوبا معلما ، فقلت له ، فقال : لا بأس بالأصبعين من العلم بالإبريسم في الثوب .

                                                                                      وقال عمرو بن موهب : رأيت على أبي جعفر ملحفة حمراء .

                                                                                      [ ص: 408 ] وروى إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، أنه رأى محمد بن علي يرسل عمامته خلفه ، وسألته عن الوسمة فقال : هو خضابنا أهل البيت .

                                                                                      أخبرنا إسحاق الصفار ، أنبأنا ابن خليل ، أنبأنا أبو المكارم التيمي ، أنبأنا أبو علي المقرئ ، حدثنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا علي بن أحمد المصيصي ، حدثنا أحمد بن خليد ، حدثنا أبو نعيم ، نبأنا بسام الصيرفي ، قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي عن القرآن فقال : كلام الله غير مخلوق .

                                                                                      وبه : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا محمد بن علي بن حبيش ، حدثنا إبراهيم بن شريك ، حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا يونس بن بكير ، عن أبي عبد الله الجعفي ، عن عروة بن عبد الله ، قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي عن حلية السيوف ، فقال : لا بأس به ، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه . قلت : وتقول الصديق ؟ فوثب وثبة واستقبل القبلة ، ثم قال : نعم الصديق ، نعم الصديق ، فمن لم يقل الصديق ، فلا صدق الله له قولا في الدنيا والآخرة .

                                                                                      عن عمر مولى غفرة ، عن محمد بن علي : قال : ما دخل قلب امرئ من الكبر شيء إلا نقص من عقله مقدار ذلك . وعن أبي جعفر ، قال : الصواعق تصيب المؤمن وغير المؤمن ، ولا تصيب الذاكر .

                                                                                      وعنه قال : سلاح اللئام قبح الكلام .

                                                                                      [ ص: 409 ] مات أبو جعفر سنة أربع عشرة ومائة بالمدينة . أرخه أبو نعيم وسعيد بن عفير ، ومصعب الزبيري .

                                                                                      وقيل : توفي سنة سبع عشرة .

                                                                                      ومن عالي روايته : أنبأنا علي بن أحمد وطائفة ، قالوا : أنبأنا عمر بن محمد ، أنبأنا عبد الوهاب الأنماطي ، أنبأنا أبو محمد بن هزارمرد أنبأنا ابن حبابة ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، حدثنا القاسم بن الفضل ، عن محمد بن علي ، قال : كانت أم سلمة تقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الحج جهاد كل ضعيف "

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية