الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أبو الطيب الطبري

                                                                                      الإمام العلامة ، شيخ الإسلام ، القاضي أبو الطيب ; طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر ، الطبري الشافعي ، فقيه بغداد .

                                                                                      ولد سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة بآمل .

                                                                                      وسمع بجرجان من : أبي أحمد بن الغطريف جزءا تفرد في الدنيا [ ص: 669 ] بعلوه ، وبنيسابور من مفقهه أبي الحسن الماسرجسي ، وببغداد من الدارقطني ، وموسى بن عرفة ، وعلي بن عمر السكري ، والمعافى الجريري .

                                                                                      واستوطن بغداد ، ودرس وأفتى وأفاد ، وولي قضاء ربع الكرخ بعد القاضي الصيمري .

                                                                                      وقال : سرت إلى جرجان للقاء أبي بكر الإسماعيلي ، فقدمتها يوم الخميس ، فدخلت الحمام ، ومن الغد لقيت ولده أبا سعد ، فقال لي : الشيخ قد شرب دواء لمرض ، وقال لي : تجيء غدا لتسمع منه . فلما كان بكرة السبت ، غدوت ، فإذا الناس يقولون : مات الإسماعيلي .

                                                                                      قال الخطيب : كان شيخنا أبو الطيب ورعا ، عاقلا ، عارفا بالأصول والفروع ، محققا ; حسن الخلق ، صحيح المذهب ، اختلفت إليه ، وعلقت عنه الفقه سنين .

                                                                                      قيل : إن أبا الطيب دفع خفا له إلى من يصلحه ، فمطله ، وبقي كلما جاء ، نقعه في الماء ، وقال : الآن أصلحه . فلما طال ذلك عليه ، قال : إنما دفعته إليك لتصلحه لا لتعلمه السباحة .

                                                                                      قال الخطيب : سمعت محمد بن أحمد المؤدب ، سمعت أبا محمد البافي يقول : أبو الطيب الطبري أفقه من أبي حامد الإسفراييني . وسمعت أبا حامد يقول : أبو الطيب أفقه من أبي محمد البافي . [ ص: 670 ]

                                                                                      قال القاضي ابن بكران الشامي : قلت للقاضي أبي الطيب شيخنا وقد عمر : لقد متعت بجوارحك أيها الشيخ ! قال : ولم ؟ وما عصيت الله بواحدة منها قط . أو كما قال . قال غير واحد : سمعنا أبا الطيب يقول : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ، فقلت : يا رسول الله : أرأيت من روى أنك قلت : نضر الله امرءا سمع مقالتي ، فوعاها أحق هو ؟ قال : نعم .

                                                                                      قال أبو إسحاق في " الطبقات " : ومنهم شيخنا وأستاذنا القاضي أبو الطيب ، توفي عن مائة وسنتين ، لم يختل عقله ، ولا تغير فهمه ، يفتي مع الفقهاء ، ويستدرك عليهم الخطأ ، ويقضي ، ويشهد ويحضر المواكب إلى أن مات . تفقه بآمل على أبي علي الزجاجي صاحب أبي العباس بن القاص . وقرأ على أبي سعد بن الإسماعيلي ، وأبي القاسم بن كج بجرجان ، ثم ارتحل إلى أبي الحسن الماسرجسي وصحبه أربع سنين ، ثم قدم بغداد ، وعلق عن أبي محمد البافي الخوارزمي ; صاحب الداركي ، وحضر مجلس أبي حامد ، ولم أر فيمن رأيت أكمل اجتهادا ، وأشد تحقيقا ، وأجود نظرا [ ص: 671 ] منه . شرح " مختصر " المزني ، وصنف في الخلاف المذهب والأصول والجدل كتبا كثيرة ، ليس لأحد مثلها ، لازمت مجلسه بضع عشرة سنة ، ودرست أصحابه في مسجده سنين بإذنه ، ورتبني في حلقته ، وسألني أن أجلس للتدريس في سنة ثلاثين وأربعمائة ، ففعلت .

                                                                                      قلت : من وجوه أبي الطيب في المذهب أن خروج المني ينقض الوضوء . ومنها أن الكافر إذا صلى في دار الحرب ، فصلاته إسلام .

                                                                                      قلت : حدث عنه : الخطيب ، وأبو إسحاق ، وابن بكران ، وأبو محمد بن الآبنوسي ، وأحمد بن الحسن الشيرازي ، وأبو سعد بن الطيوري ، وأبو علي بن المهدي ، وأبو نصر محمد بن محمد بن محمد بن أحمد العكبري ، وأبو العز بن كادش ، وأبو المواهب أحمد بن محمد بن ملوك ، وهبة الله بن الحصين ، وأبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري ، وخلق كثير .

                                                                                      قال الخطيب مات صحيح العقل ، ثابت الفهم ، في ربيع الأول ، سنة خمسين وأربعمائة ، وله مائة وسنتان رحمه الله .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية