الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 489 ] باب تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                      قال إبو إسحاق ، عن عمرو بن الحارث الخزاعي أخي جويرية قال : والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته دينارا ، ولا درهما ، ولا عبدا ، ولا أمة ، ولا شيئا إلا بغلته البيضاء ، وسلاحه ، وأرضا تركها صدقة . أخرجه البخاري .

                                                                                      وقال الأعمش ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ، ولا درهما ، ولا شاة ، ولا بعيرا ، ولا أوصى بشيء . مسلم .

                                                                                      وقال مسعر ، عن عاصم ، عن زر قالت عائشة : تسألوني عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ، ولا درهما ، ولا عبدا ، ولا وليدة .

                                                                                      وقال عروة ، عن عائشة ، قالت : لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي إلا شطر شعير ، فأكلت منه حتى ضجرت ، فكلته ففني ، وليتني لم أكله . متفق عليه .

                                                                                      وقال الأسود ، عن عائشة : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة بثلاثين صاعا من شعير . أخرجه البخاري .

                                                                                      وأما البرد الذي عند الخلفاء آل العباس ، فقد قال يونس بن بكير ، [ ص: 490 ] عن ابن إسحاق في قصة غزوة تبوك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أهل أيلة برده مع كتابه الذي كتب لهم أمانا لهم ، فاشتراه أبو العباس عبد الله بن محمد - يعني السفاح - بثلاثمائة دينار .

                                                                                      وقال ابن عيينة ، عن الوليد بن كثير ، عن حسن بن حسين ، عن فاطمة بنت الحسين ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وله بردان في الحف يعملان . هذا مرسل ، والحف هي الخشبة التي يلف عليها الحائك وتسمى المطواة .

                                                                                      وقال زمعة بن صالح ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله جبة صوف في الحياكة . إسناده صالح .

                                                                                      وقال الزهري : حدثني عروة ، أن عائشة أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله على رسوله ، وفاطمة حينئذ تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمدينة وفدك ، وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا نورث ما تركنا صدقة ، إنما يأكل آل محمد من هذا المال - يعني مال الله - ليس لهم أن يزيدوا على المأكل " ، وإني والله لا أغير صدقات النبي صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأعملن فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، وأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر من ذلك ، وذكر الحديث . رواه البخاري .

                                                                                      وقال أبو بردة : دخلت على عائشة فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن ، وكساء من هذه التي تدعونها الملبدة ، فأقسمت بالله لقد [ ص: 491 ] قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين الثوبين . متفق عليه .

                                                                                      وقال الزهري : حدثني علي بن الحسين أنهم حين قدموا المدينة مقتل الحسين لقيه المسور بن مخرمة ، فقال له : هل لك إلي من حاجة تأمرني بها ؟ قلت : لا . قال : هل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه ، وايم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أحد حتى يبلغ نفسي . اتفقا عليه .

                                                                                      وقال عيسى بن طهمان : أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان ، فحدثني ثابت بعد عن أنس أنهما نعلا النبي صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري .

                                                                                      وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج خمس عشرة امرأة ، ودخل بثلاث عشرة ، واجتمع عنده منهن إحدى عشرة ، وقبض عن تسع .

                                                                                      فأما اللتان لم يدخل بهن فأفسدهما النساء فطلقهما ، وذلك أن النساء قلن لإحداهما : إذا دنا منك فتمنعي ، فتمنعت ، فطلقها ، وأما الأخرى فلما مات ابنه إبراهيم قالت : لو كان نبيا ما مات ابنه ، فطلقها .

                                                                                      وخمس منهن من قريش : عائشة ، وحفصة ، وأم حبيبة ، وأم سلمة ، وسودة بنت زمعة .

                                                                                      وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وجويرية بنت الحارث الخزاعية ، وزينب بنت جحش الأسدية ، وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية .

                                                                                      قبض صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء رضي الله عنهن .

                                                                                      [ ص: 492 ] روى داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج قتيلة أخت الأشعث بن قيس ، فمات قبل أن يخبرها ، فبرأها الله منه .

                                                                                      وقال إبراهيم بن الفضل : حدثنا حماد بن سلمة ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي أن عكرمة بن أبي جهل تزوج قتيلة بنت قيس ، فأراد أبو بكر أن يضرب عنقه ، فقال له عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعرض لها ولم يدخل بها ، وارتدت مع أخيها فبرئت من الله ورسوله ، فلم يزل به حتى كف عنه .

                                                                                      وأما الواقدي فروى عن ابن أبي الزناد ، عن هشام ، عن أبيه ، أن الوليد بن عبد الملك كتب إليه يسأله : هل تزوج النبي صلى الله عليه وسلم قتيلة أخت الأشعث ؟ فقال : ما تزوجها قط ، ولا تزوج كندية إلا أخت بني الجون ، فلما أتي بها وقدمت المدينة نظر إليها فطلقها ولم يبن بها .

                                                                                      ويقال : إنها فاطمة بنت الضحاك : فحدثني محمد بن عبد الله ، عن الزهري قال : هي فاطمة بنت الضحاك ، استعاذت منه فطلقها ، فكانت تلقط البعر وتقول : أنا الشقية . تزوجها في سنة ثمان وتوفيت سنة ستين .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت كعب الجونية ، فلم يدخل بها حتى طلقها .

                                                                                      وتزوج عمرة بنت يزيد ، وكانت قبله عند الفضل بن العباس بن عبد المطلب .

                                                                                      كذا قال ، وهذا شيء منكر . فإن الفضل يصغر عن ذلك .

                                                                                      [ ص: 493 ] وعن قتادة قال : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن أسماء بنت النعمان الجونية ، فلما دخل بها دعاها ، فقالت : تعال أنت ، فطلقها .

                                                                                      وقال الواقدي : حدثني عبد الله بن جعفر ، عن عمرو بن صالح ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال : استعاذت الجونية منه ، وقيل لها : " هو أحظى لك عنده " ، وإنما خدعت لما روي من جمالها وهيئتها ، ولقد ذكر له صلى الله عليه وسلم من حملها على ما قالت له ، فقال : " إنهن صواحب يوسف " . وذلك سنة تسع .

                                                                                      وقال هشام بن الكلبي ، عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : لما استعاذت أسماء بنت النعمان من النبي صلى الله عليه وسلم خرج مغضبا ، فقال له الأشعث بن قيس : لا يسوءك الله يا رسول الله ، ألا أزوجك من ليس دونها في الجمال والحسب ؟ فقال : " من " ؟ قال : أختي قتيلة . قال : " قد تزوجتها " ، فانصرف الأشعث إلى حضرموت ثم حملها ، فبلغه وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فردها وارتدت معه .

                                                                                      ويروى عن قتادة وغيره ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج سناء بنت الصلت السلمية ، فماتت قبل أن يصل إليها .

                                                                                      وعن ابن عمر من وجه لا يصح ، قال : كان في نساء النبي صلى الله عليه وسلم سناء بنت سفيان الكلابية . وبعث أبا أسيد الساعدي يخطب عليه امرأة من بني عامر ، يقال لها عمرة بنت يزيد ، فتزوجها ، ثم بلغه أن بها بياضا فطلقها .

                                                                                      قال الواقدي : وحدثني أبو معشر أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج مليكة بنت [ ص: 494 ] كعب ، وكانت تذكر بجمال بارع ، فدخلت عليها عائشة فقالت : أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك ؟ فاستعاذت منه ، فطلقها فجاء قومها فقالوا : يا رسول الله إنها صغيرة ، ولا رأي لها ، وإنها خدعت فارتجعها . فأبى عليهم ، فاستأذنوه أن يزوجوها ، فأذن لهم . وأبوها قتله خالد يوم الفتح .

                                                                                      وهذا حديث ساقط كالذي قبله .

                                                                                      وأوهى منهما ما روى الواقدي ، عن عبد العزيز الجندعي ، عن أبيه ، عن عطاء الجندعي قال : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم مليكة بنت كعب الليثي في رمضان سنة ثمان ، ودخل بها ، فماتت عنده . قال الواقدي : وأصحابنا ينكرون ذلك .

                                                                                      وقال عقيل ، عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني كلاب ، ثم فارقها . قال أحمد بن أبي خيثمة : هي العالية بنت ظبيان فيما بلغني .

                                                                                      وقال هشام بن الكلبي : تزوج بالعالية بنت ظبيان ، فمكثت عنده دهرا ، ثم طلقها ، حدثني ذلك رجل من بني كلاب .

                                                                                      وروى المفضل الغلابي ، عن علي بن صالح ، عن علي بن مجاهد قال : نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم خولة بنت هذيل الثعلبية ، فحملت إليه من الشام ، فماتت في الطريق ، فنكح خالتها شراف بنت فضالة ، فماتت في الطريق أيضا .

                                                                                      ويروى عن سهل بن زيد الأنصاري قال : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني غفار ، فدخل بها ، فرأى بها بياضا من برص ، فقال : الحقي بأهلك ، وأكمل لها صداقها .

                                                                                      [ ص: 495 ] هذا ونحوه إنما أوردته للتعجب لا للتقرير .

                                                                                      ومن سراريه : مارية أم إبراهيم .

                                                                                      وقال الواقدي : حدثني ابن أبي ذئب ، عن الزهري قال : كانت ريحانة أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها ، فكانت تحتجب في أهلها ، وتقول : لا يراني أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      قال الواقدي : وهذا أثبت عندنا ، وكان زوج ريحانة قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحكم . وهي من بني النضير ، فحدثنا عاصم بن عبد الله بن الحكم ، عن عمر بن الحكم قال : أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة ، وكانت ذات جمال ، قالت : فتزوجني وأصدقني اثنتي عشرة أوقية ونشا ، وأعرس بي وقسم لي . وكان معجبا بها ، توفيت مرجعه من حجة الوداع ، وكان تزويجه بها في المحرم سنة ست .

                                                                                      وأخبرني عبد الله بن جعفر ، عن ابن الهاد ، عن ثعلبة بن أبي مالك قال : كانت ريحانة من بني النضير ، فسباها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعتقها وتزوجها وماتت عنده .

                                                                                      وقال ابن وهب : أخبرنا يونس ، عن ابن شهاب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسر ريحانة ثم أعتقها ، فلحقت بأهلها . قلت : هذا أشبه وأصح .

                                                                                      قال أبو عبيدة : كان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ولائد : مارية ، وريحانة من بني قريظة ، وجميلة فكادها نساؤه ، وكانت له جارية نفيسة وهبتها له زينب بنت جحش .

                                                                                      وقال زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي ( ترجي من تشاء منهن ) [ ص: 496 ] [ الأحزاب ] قال : كان نساء وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل ببعضهن وأرجى بعضهن ، فلم ينكحن بعده ، منهن أم شريك ، يعني الدوسية .

                                                                                      وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : كنا نتحدث أن أم شريك كانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت امرأة صالحة .

                                                                                      وقال هشام بن الكلبي ، عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى النبي صلى الله عليه وسلم تعرض نفسها عليه ، قال : قد فعلت . فرجعت إلى قومها ، فقالت : قد تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : أنت امرأة غيرى تغارين من نسائه فيدعو عليك . فرجعت ، فقالت : أقلني . قال : " قد أقلتك " .

                                                                                      وقد خطب صلى الله عليه وسلم أم هانئ بنت أبي طالب ، وضباعة بنت عامر ، وصفية بنت بشامة ولم يقض له أن يتزوج بهن .

                                                                                      آخر الترجمة النبوية .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية