الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وقد روى عنه أبو داود : أنه أمر بقتل سارق فقالوا : إنما سرق ، فقال : " اقطعوه " ، ثم جيء به ثانيا فأمر بقتله ، فقالوا : إنما سرق ، فقال : " اقطعوه " ، ثم جيء به في الثالثة ، فأمر بقتله ، فقالوا : إنما سرق ، فقال : " اقطعوه " ، ثم جيء به رابعة ، فقال : " اقتلوه " ، فقالوا : إنما سرق ، فقال : " اقطعوه " ، فأتي به في الخامسة ، فأمر بقتله فقتلوه .

فاختلف الناس في هذه الحكومة : فالنسائي وغيره لا يصححون هذا الحديث . قال النسائي : هذا حديث منكر ، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي ، وغيره يحسنه ويقول : هذا حكم خاص بذلك الرجل وحده ، لما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المصلحة في قتله ، وطائفة ثالثة تقبله وتقول به ، وأن السارق إذا سرق خمس مرات قتل في الخامسة ، وممن ذهب إلى هذا المذهب أبو مصعب من المالكية .

وفي هذه الحكومة الإتيان على أطراف السارق الأربعة . وقد روى عبد الرزاق في " مصنفه " : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بعبد سرق ، فأتي به أربع مرات ، [ ص: 53 ] فتركه ، ثم أتي به الخامسة ، فقطع يده ، ثم السادسة فقطع رجله ، ثم السابعة فقطع يده ، ثم الثامنة فقطع رجله .

واختلف الصحابة ومن بعدهم ، هل يؤتى على أطرافه كلها أم لا ؟ على قولين . فقال الشافعي ومالك وأحمد في إحدى روايتيه : يؤتى عليها كلها ، وقال أبو حنيفة وأحمد في رواية ثانية : لا يقطع منه أكثر من يد ورجل ، وعلى هذا القول ، فهل المحذور تعطيل منفعة الجنس ، أو ذهاب عضوين من شق ؟ فيه وجهان يظهر أثرهما فيما لو كان أقطع اليد اليمنى فقط ، أو أقطع الرجل اليسرى فقط ، فإن قلنا : يؤتى على أطرافه ، لم يؤثر ذلك ، وإن قلنا : لا يؤتى عليها ، قطعت رجله اليسرى في الصورة الأولى ، ويده اليمنى في الثانية على العلتين ، وإن كان أقطع اليد اليسرى مع الرجل اليمنى لم يقطع على العلتين ، وإن كان أقطع اليد اليسرى فقط ، لم تقطع يمناه على العلتين ، وفيه نظر ، فتأمل .

وهل قطع رجله اليسرى يبتنى على العلتين ؟ فإن عللنا بذهاب منفعة الجنس ، قطعت رجله ، وإن عللنا بذهاب عضوين من شق ، لم تقطع .

وإن كان أقطع اليدين فقط ، وعللنا بذهاب منفعة الجنس قطعت رجله اليسرى ، وإن عللنا بذهاب عضوين من شق ، لم تقطع ، هذا طرد هذه القاعدة .

وقال صاحب " المحرر " فيه : تقطع يمنى يديه على الروايتين ، وفرق بينها وبين مسألة مقطوع اليدين ، والذي يقال في الفرق : إنه إذا كان أقطع الرجلين ، فهو كالمقعد ، وإذا قطعت إحدى يديه ، انتفع بالأخرى في الأكل والشرب والوضوء والاستجمار وغيره ، وإذا كان أقطع اليدين لم ينتفع إلا برجليه ، فإذا ذهبت إحداهما ، لم يمكنه الانتفاع بالرجل الواحدة بلا يد ، ومن الفرق أن اليد الواحدة [ ص: 54 ] تنفع مع عدم منفعة المشي ، والرجل الواحدة لا تنفع مع عدم منفعة البطش .

التالي السابق


الخدمات العلمية