الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 45 ] فصل في حكمه صلى الله عليه وسلم في السارق

قطع سارقا في مجن قيمته ثلاثة دراهم .

وقضى أنه لا تقطع اليد في أقل من ربع دينار .

وصح عنه أنه قال : اقطعوا في ربع دينار ، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك ذكره الإمام أحمد رحمه الله .

وقالت عائشة رضي الله عنها : لم تكن تقطع يد السارق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدنى من ثمن المجن ، ترس أو جحفة ، وكان كل منهما ذا ثمن .

وصح عنه أنه قال : لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده . فقيل : هذا حبل السفينة ، وبيضة الحديد ، وقيل : بل كل حبل وبيضة ، وقيل : هو إخبار بالواقع ، أي : إنه يسرق هذا ، فيكون سببا لقطع يده [ ص: 46 ] بتدرجه منه إلى ما هو أكبر منه . قال الأعمش : كانوا يرون أنه بيض الحديد ، والحبل كانوا يرون أن منه ما يساوي دراهم .

وحكم في امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده بقطع يدها .

وقال أحمد - رحمه الله - بهذه الحكومة ولا معارض لها .

وحكم صلى الله عليه وسلم بإسقاط القطع عن المنتهب ، والمختلس ، والخائن ، والمراد بالخائن : خائن الوديعة .

وأما جاحد العارية ، فيدخل في اسم السارق شرعا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كلموه في شأن المستعيرة الجاحدة ، قطعها ، وقال : والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها .

فإدخاله صلى الله عليه وسلم جاحد العارية في اسم السارق ، كإدخاله سائر أنواع المسكر في اسم الخمر ، فتأمله ، وذلك تعريف للأمة بمراد الله من كلامه .

وأسقط صلى الله عليه وسلم القطع عن سارق الثمر والكثر ، وحكم أن من أصاب منه شيئا [ ص: 47 ] بفمه وهو محتاج ، فلا شيء عليه ، ومن خرج منه بشيء ، فعليه غرامة مثليه والعقوبة ، ومن سرق منه شيئا في جرينه هو بيدره ، فعليه القطع إذا بلغ ثمن المجن ، فهذا قضاؤه الفصل ، وحكمه العدل .

وقضى في الشاة التي تؤخذ من مراتعها بثمنها مرتين ، وضرب نكال ، وما أخذ من عطنه ، ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن .

وقضى بقطع سارق رداء صفوان بن أمية ، وهو نائم عليه في المسجد . فأراد صفوان أن يهبه إياه ، أو يبيعه منه ، فقال : " هلا كان قبل أن تأتيني به " .

وقطع سارقا سرق ترسا من صفة النساء في المسجد .

ودرأ القطع عن عبد من رقيق الخمس سرق من الخمس . وقال : " مال الله سرق بعضه بعضا " رواه ابن ماجه .

ورفع إليه سارق ، فاعترف ، ولم يوجد معه متاع ، فقال له : " ما إخاله [ ص: 48 ] سرق "؟ قال : بلى ، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا ، فأمر به فقطع .

ورفع إليه آخر فقال : " ما إخاله سرق " ؟ فقال : بلى ، فقال : " اذهبوا به فاقطعوه ، ثم احسموه ، ثم ائتوني به " ، فقطع ، ثم أتي به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له : " تب إلى الله " ، فقال : تبت إلى الله ، فقال : " تاب الله عليك " .

وفي الترمذي عنه أنه قطع سارقا وعلق يده في عنقه . قال : حديث حسن .

التالي السابق


الخدمات العلمية