الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا .

                                                                                                                                                                                                                                      ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة من صفة أصحاب الكهف أنهم فتية ، وأنهم أووا إلى الكهف ، وأنهم دعوا ربهم هذا الدعاء العظيم الشامل لكل خير ، وهو قوله عنهم : ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا [ 18 \ 10 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وبين في غير هذا الموضع أشياء أخرى من صفاتهم وأقوالهم ; كقوله : [ ص: 207 ] إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى - إلى قوله - ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا [ 18 \ 13 - 16 ] و إذ في قوله هنا : إذ أوى الفتية [ 18 \ 10 ] منصوبة بـ اذكر مقدرا ، وقيل : بقوله : عجبا ، ومعنى قوله : إذ أوى الفتية إلى الكهف [ 18 \ 10 ] ، أي جعلوا الكهف مأوى لهم ومكان اعتصام .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى قوله : آتنا من لدنك رحمة ، أي أعطنا رحمة من عندك ، والرحمة هنا تشمل الرزق والهدى والحفظ مما هربوا خائفين منه من أذى قومهم ، والمغفرة .

                                                                                                                                                                                                                                      والفتية : جمع فتى جمع تكسير ، وهو من جموع القلة ، ويدل لفظ الفتية على قلتهم ، وأنهم شباب لا شيب ، خلافا لما زعمه ابن السراج من : أن الفتية اسم جمع لا جمع تكسير ، وإلى كون مثل الفتية جمع تكسير من جموع القلة ، أشار ابن مالك في الخلاصة بقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      أفعلة أفعل ثم فعله كذاك أفعال جموع قلة



                                                                                                                                                                                                                                      والتهيئة : التقريب والتيسير ، أي يسر لنا وقرب لنا من أمرنا رشدا ، والرشد : الاهتداء والديمومة عليه . و من في قوله : من أمرنا فيها وجهان : أحدهما أنها هنا للتجريد ، وعليه فالمعنى : اجعل لنا أمرنا رشدا كله ، كما تقول : لقيت من زيد أسدا . ومن عمرو بحرا .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني أنها للتبعيض ، وعليه فالمعنى : واجعل لنا بعض أمرنا ; أي وهو البعض الذي نحن فيه من مفارقة الكفار ، رشدا ، حتى نكون بسببه راشدين مهتدين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية