الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1224 ) مسألة ; قال : ( ولا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم ) . يعني إذا مر بين يديه . هذا المشهور عن أحمد رحمه الله ، نقله الجماعة عنه . قال الأثرم : سئل أبو عبد الله ما يقطع الصلاة ؟ قال لا يقطعها عندي شيء إلا الكلب الأسود البهيم .

                                                                                                                                            وهذا قول عائشة وحكي عن طاوس وروى عن معاذ ومجاهد أنهما قالا : الكلب الأسود البهيم شيطان ، وهو يقطع الصلاة . ومعنى البهيم الذي ليس في لونه شيء سوى السواد . وعن أحمد رواية أخرى ، أنه يقطعها الكلب الأسود ، والمرأة إذا مرت ، والحمار .

                                                                                                                                            قال : وحديث عائشة من الناس من قال : ليس بحجة على هذا ; لأن المار غير اللابث ، وهو في التطوع ، وهو أسهل ، والفرض آكد . وحديث ابن عباس : مررت بين يدي بعض الصف . ليس بحجة ; لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه وروي هذا القول عن أنس وعكرمة ، والحسن ، وأبي الأحوص .

                                                                                                                                            ووجه هذا القول ما روى أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يقطع الصلاة المرأة ، والحمار ، والكلب ، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل . }

                                                                                                                                            وعن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا قام أحدكم يصلي ، فإنه يستره مثل آخرة الرحل ، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار ، والمرأة ، والكلب الأسود } قال عبد الله بن الصامت : يا أبا ذر ، ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر ؟ قال : يا ابن أخي ، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال [ ص: 44 ] { الكلب الأسود شيطان } . رواهما مسلم ، وأبو داود وغيرهما . وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي مر بين يديه على حمار : " قطع صلاتنا " . وقد ذكرنا هذا الحديث

                                                                                                                                            وكان ابن عباس وعطاء يقولان : يقطع الصلاة الكلب ، والمرأة الحائض ورواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم . أخرجه أبو داود ، وابن ماجه . قال أبو داود : رفعه شعبة ، ووقفه ، سعيد ، وهشام ، وهمام ، على ابن عباس .

                                                                                                                                            وقال عروة ، والشعبي ، والثوري ، ومالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي : لا يقطع الصلاة شيء ; لما روى أبو سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يقطع الصلاة شيء } . رواه أبو داود .

                                                                                                                                            وعن الفضل بن عباس قال : { أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية ، فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة ، وحمارة لنا وكلبة يعبثان بين يديه ، فما بالى ذلك } رواه أبو داود . وقالت عائشة : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل ، وأنا معترضة بينه وبين القبلة } . وحديث ابن عباس : { أقبلت راكبا على حمار أتان ، والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي ، فمررت على بعض الصف ، ونزلت ، فأرسلت الأتان ترتع . فدخلت في الصف ، فلم ينكر علي أحد } . متفق عليهما .

                                                                                                                                            وحديث زينب بنت أم سلمة ، حين مرت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقطع صلاته . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ، فجاءت جاريتان من بني عبد المطلب ، حتى أخذتا بركبتيه ، فقرع بينهما فما بالى ذلك . ولنا ، حديث أبي هريرة وأبي ذر ، وحديث أبي سعيد : { لا يقطع الصلاة شيء } . يرويه مجالد بن سعيد ، وهو ضعيف ، فلا يعارض به الحديث الصحيح ، ثم حديثنا أخص ، فيجب تقديمه لصحته وخصوصه ، وحديث الفضل بن عباس في إسناده مقاتل ،

                                                                                                                                            ثم يحتمل أن الكلب لم يكن أسود ولا بهيما ، ويجوز أن يكونا بعيدين ، ثم هذه الأحاديث كلها في المرأة ، والحمار ، يعارض حديث أبي هريرة وأبي ذر فيهما ، فيبقى الكلب الأسود خاليا عن معارض ، فيجب القول به لثبوته ، وخلوه عن معارض ( 1225 ) فصل : ولا يقطع الصلاة شيء سوى ما ذكرنا ، لا من الكلاب ولا من غيرها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم خصها بالذكر .

                                                                                                                                            وقيل له : ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر ؟ قال : " الكلب الأسود شيطان " وكذلك الكلب الأسود إذا لم يكن بهيما لم يقطع الصلاة ; لتخصيصه البهيم بالذكر ، ولقوله عليه السلام : { لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها كل أسود بهيم ، فإنه شيطان } . فبين أن الشيطان هو الأسود البهيم ، قال ثعلب : البهيم كل لون لم يخالطه لون آخر فهو بهيم . فمتى كان فيه لون آخر فليس ببهيم . وإن كان بين عينيه نكتتان يخالفان لونه لم يخرج بهذا عن كونه بهيما ،

                                                                                                                                            يتعلق به أحكام الأسود البهيم ; من قطع الصلاة ، وتحريم صيده ، وإباحة قتله ; فإنه قد روي في حديث : { عليكم بالأسود البهيم ذي الغرتين ، فإنه شيطان } .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية