الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب المتشبع بما لم ينل وما ينهى من افتخار الضرة

                                                                                                                                                                                                        4921 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن فاطمة عن أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم ح حدثني محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن هشام حدثتني فاطمة عن أسماء أن امرأة قالت يا رسول الله إن لي ضرة فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب المتشبع بما لم ينل ، وما ينهى من افتخار الضرة ) أشار بهذا إلى ما ذكره أبو عبيد في تفسير الخبر قال : قوله " المتشبع " أي المتزين بما ليس عنده يتكثر بذلك ويتزين بالباطل ; كالمرأة تكون عند الرجل ولها ضرة فتدعي من الحظوة عند زوجها أكثر مما عنده تريد بذلك غيظ ضرتها ، وكذلك هذا في الرجال ، قال : وأما قوله " كلابس ثوبي زور " فإنه الرجل يلبس الثياب المشبهة لثياب الزهاد يوهم أنه منهم ، ويظهر من التخشع والتقشف أكثر مما في قلبه منه ، قال : وفيه وجه آخر أن يكون المراد بالثياب الأنفس كقولهم فلان نقي الثوب إذا كان بريئا من الدنس ، وفلان دنس الثوب إذا كان مغموصا عليه في دينه ، وقال الخطابي : الثوب مثل ، ومعناه أنه صاحب زور وكذب ، كما يقال لمن وصف بالبراءة من الأدناس طاهر الثوب والمراد به نفس الرجل ، وقال أبو سعيد الضرير : المراد به أن شاهد الزور قد يستعير ثوبين يتجمل بهما ليوهم أنه مقبول الشهادة اهـ . وهذا نقله الخطابي عن نعيم بن حماد قال : كان يكون في الحي الرجل له هيئة وشارة ، فإذا احتيج إلى شهادة زور لبس ثوبيه وأقبل فشهد فقبل لنبل هيئته وحسن ثوبيه ، فيقال أمضاها بثوبيه يعني الشهادة ، فأضيف الزور إليهما فقيل كلابس ثوبي زور . وأما حكم التثنية في قوله " ثوبي زور " فللإشارة إلى أن كذب المتحلي مثنى ، لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ وعلى غيره بما لم يعط ، وكذلك شاهد الزور يظلم نفسه ويظلم المشهود عليه . وقال الداودي : في التثنية [ ص: 229 ] إشارة إلى أنه كالذي قال الزور مرتين مبالغة في التحذير من ذلك ، وقيل إن بعضهم كان يجعل في الكم كما آخر يوهم أن الثوب ثوبان قاله ابن المنير . قلت : ونحو ذلك ما في زماننا هـذا فيما يعمل في الأطواق والمعنى الأول أليق ; وقال ابن التين : هو أن يلبس ثوبي وديعة أو عارية يظن الناس أنهما له ولباسهما لا يدوم ويفتضح بكذبه . وأراد بذلك تنفير المرأة عما ذكرت خوفا من الفساد بين زوجها وضرتها ويورث بينهما البغضاء فيصير كالسحر الذي يفرق بين المرء وزوجه . وقال الزمخشري في " الفائق " : المتشبع أي المتشبه بالشبعان وليس به ، واستعير للتحلي بفضيلة لم يرزقها ، وشبه بلابس ثوبي زور أي ذي زور ، وهو الذي يتزيا بزي أهل الصلاح رياء ، وأضاف الثوبين إليه لأنهما كالملبوسين وأراد بالتثنية أن المتحلي بما ليس فيه كمن لبس ثوبي الزور ارتدى بأحدهما واتزر بالآخر كما قيل " إذا هـو بالمجد ارتدى وتأزرا " فالإشارة بالإزار والرداء إلى أنه متصف بالزور من رأسه إلى قدمه ، ويحتمل أن تكون التثنية إشارة إلى أنه حصل بالتشبع حالتان مذمومتان : فقدان ما يتشبع به وإظهار الباطل . وقال المطرزي : هو الذي يرى أنه شبعان وليس كذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( عن هشام ) هو ابن عروة بن الزبير ، ويحيى في الرواية الثانية هو ابن سعيد القطان ، وأفاد تصريح هشام بتحديث فاطمة وهي بنت المنذر بن الزبير وهي بنت عمه وزوجته ، وأسماء هي بنت أبي بكر الصديق جدتهما معا . وقد اتفق الأكثر من أصحاب هشام على هذا الإسناد ، وانفرد معمر والمبارك بن فضالة بروايته عن هشام بن عروة فقالا عن أبيه عن عائشة ، وأخرجه النسائي من طريق معمر وقال : إنه أخطأ والصواب حديث أسماء . وذكر الدارقطني في " التتبع " أن مسلما أخرجه من رواية عبدة بن سليمان ووكيع كلاهما عن هشام بن عروة مثل رواية معمر ، قال : وهذا لا يصح ، وأحتاج أن أنظر في كتاب مسلم فإني وجدته في رقعة ، والصواب عن عبدة ووكيع عن فاطمة عن أسماء لا عن عروة عن عائشة ، وكذا قال سائر أصحاب هشام . قلت : هو ثابت في النسخ الصحيحة من مسلم في كتاب اللباس ، أورده عن ابن نمير عن عبدة ووكيع عن هشام عن أبيه عن عائشة ، ثم أورده عن ابن نمير عن عبدة وحده عن هشام عن فاطمة عن أسماء ، فاقتضى أنه عند عبدة على الوجهين ، وعند وكيع بطريق عائشة فقط ، ثم أورده مسلم من طريق أبي معاوية ومن طريق أبي أسامة كلاهما عن هشام عن فاطمة ، وكذا أورده النسائي عن محمد بن آدم وأبو عوانة في صحيحه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن عبدة عن هشام ، وكذا هـو في مسند ابن أبي شيبة ، وأخرجه أبو عوانة أيضا من طريق أبي ضمرة ومن طريق علي بن مسهر ، وأخرجه ابن حبان من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي وأبو نعيم في " المستخرج " من طريق مرجى بن رجاء كلهم عن هشام عن فاطمة ، فالظاهر أن المحفوظ عن عبدة عن هشام عن فاطمة ، وأما وكيع فقد أخرج روايته الجوزقي من طريق عبد الله بن هاشم الطوسي عنه مثل ما وقع عند مسلم ، فليضم إلى معمر ومبارك بن فضالة ويستدرك على الدارقطني .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( إن امرأة قالت ) لم أقف على تعيين هذه المرأة ولا على تعيين زوجها .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( إن لي ضرة ) في رواية الإسماعيلي " إن لي جارة " وهي الضرة كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني ) في رواية مسلم من حديث عائشة " أن امرأة قالت : يا رسول الله أقول إن زوجي أعطاني ما لم يعطني " ؟

                                                                                                                                                                                                        قوله ( المتشبع بما لم يعطه ) في رواية معمر " بما لم يعطه " .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية