الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        351 - الحديث الثالث : عن عبيد الله بن عقبة بن مسعود عن [ ص: 623 ] أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما قالا { سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ؟ قال : إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم بيعوها ولو بضفير } .

                                        التالي السابق


                                        قال ابن شهاب : ولا أدري : أبعد الثالثة أو الرابعة ؟ والضفير : الحبل . يستدل به على إقامة الحد على المماليك كإقامته على الأحرار ، ودلالته على إقامة السيد الحد على عبده محتملة وليست بالقوية ، وفيه بيان لحكم الأمة إذا لم تحصن . والكتاب العزيز تعرض لحكمها إذا أحصنت ، وجمهور العلماء : أنه إذا لم تحصن تجلد الحد ، و نقل عن ابن عباس في العبد والأمة أنه قال " إذا لم يكونا مزوجين فلا حد عليهما وإن كانا مزوجين فعليهما نصف الحد وهو خمسون " قال بعضهم : وبه قال طاوس ، وأبو عبيد وهذا مذهب من تمسك بمفهوم الكتاب العزيز وهو - قوله تعالى - : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } إلا أن مذهب الجمهور راجح ; لأن هذا الحديث نص في إيجاب الجلد على من لم يحصن ، فإذا تبين بحديث آخر أنه الحد ، أو أخذ من السياق : فهو مقدم على المفهوم . و " الضفير " الحبل المضفور ، فعيل بمعنى مفعول . وذكر بعضهم : أن قوله " فليبعها ولو بضفير " دليل على أن الزنا عيب في الرقيق يرد به ، ولذلك حط من القيمة قال : وفيه دليل على جواز بيع غير المحجور عليه ماله بما لا يتغابن به الناس . وفيما قاله في الأول نظر لجواز أن يكون المقصود أن يبيعها وإن انحطت قيمتها إلى الضفير فيكون ذلك إخبارا متعلقا بحال وجودي ، لا إخبارا عن حكم شرعي . ولا شك أن من عرف بتكرر زنا الأمة انحطت قيمتها عنده . [ ص: 624 ] وفيما قاله في الثاني نظر أيضا ، لجواز أن يكون هذا العيب أوجب نقصان قيمتها عند الناس فيكون بيعها بالنقصان بيعا بثمن المثل ، لا بيعا بما لا يتغابن الناس به . وفي الحديث دليل على أن المأمور به هو الحد المنوط بها ، دون ضرب التعزير والتأديب ، ونقل عن أبي ثور أن هذا الحديث إيجاب الحد ، وإيجاب البيع أيضا ، وأن لا يمسكها إذا زنت أربعا ، وقد يقال : إن في الحديث إشارة إلى إعلام البائع المشتري بعيب السلعة فإنه إنما تنقص قيمتها بالعلم بعيبها ولو لم يعلم لم تنقص ، وفيه نظر . وقد يقال أيضا : إن فيه إشارة إلى أن العقوبات إذا لم تفد مقصودها من الزجر لم تفعل ، فإن كانت واجبة كالحد فلترك الشرط في وجوبها على السيد وهو الملك ; لأن أحد الأمرين لازم : إما ترك الحد ولا سبيل إليه لوجوبه ، وإما إزالة شرط الوجوب وهو الملك ، فتعين . ولم يقل : اتركوها ، أو حدوها كلما تكرر لأجل ما ذكرناه والله أعلم . فيخرج عن هذا التعزيرات التي لا تفيد ; لأنها ليست بواجبة الفعل فيمكن تركها .




                                        الخدمات العلمية