الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب

                                                                                                                                                                                                        4811 حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة قالت فقلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك فقال النبي صلى الله عليه وسلم أراه فلانا لعم حفصة من الرضاعة قالت عائشة لو كان فلان حيا لعمها من الرضاعة دخل علي فقال نعم الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ، ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) هذه الترجمة وثلاث تراجم بعدها تتعلق بأحكام الرضاعة ، ووقع هنا في بعض الشروح " كتاب الرضاع " ولم أره في شيء من الأصول . وأشار بقوله " ويحرم إلخ " أن الذي في الآية بيان بعض من يحرم بالرضاعة ، وقد بينت ذلك السنة . ووقع في رواية الكشميهني " ويحرم من الرضاعة " ثم ذكر في الباب ثلاثة أحاديث : الأول حديث عائشة .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( عن عبد الله بن أبي بكر ) أي ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ، وقد رواه هشام بن عروة عنه وهو من أقرانه ، لكنه اختصره فاقتصر على المتن دون القصة ، أخرجه مسلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة ) أي بنت عمر أم المؤمنين ، ولم أقف على اسم هذا الرجل .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 44 ] قوله ( أراه ) أي أظنه .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فلانا لعم حفصة ) اللام بمعنى عن ، أي قال ذلك عن عم حفصة . ولم أقف على اسمه أيضا .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( قالت عائشة ) فيه التفات وكان السياق يقتضي أن يقول " قلت " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( لو كان فلان حيا ) لم أقف على اسمه أيضا ، ووهم من فسره بأفلح أخي أبي القعيس لأن أبا القعيس والد عائشة من الرضاعة ، وأما أفلح فهو أخوه وهو عمها من الرضاعة كما سيأتي أنه عاش حتى جاء يستأذن على عائشة فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تأذن له بعد أن امتنعت ، وقولها هـنا " لو كان حيا " يدل على أنه كان مات ، فيحتمل أن يكون أخا لهما آخر ، ويحتمل أن تكون ظنت أنه مات لبعد عهدها به ثم قدم بعد ذلك فاستأذن . وقال ابن التين : سئل الشيخ أبو الحسن عن قول عائشة " لو كان فلان حيا " أين هو من الحديث الآخر الذي فيه فأبيت أن آذن له ، فالأول ذكرت أنه ميت والثاني ذكرت أنه حي ؟ فقال : هما عمان من الرضاعة أحدهما وضع مع أبي بكر الصديق وهو الذي قالت فيه لو كان حيا ، والآخر أخو أبيها من الرضاعة . قلت : الثاني ظاهر من الحديث ، والأول حسن محتمل ، وقد ارتضاه عياض ، إلا أنه يحتاج إلى نقل لكونه جزم به .

                                                                                                                                                                                                        قال : وقال ابن أبي حازم أرى أن المرأة التي أرضعت عائشة امرأة أخي الذي استأذن عليها . قلت : وهذا بين في الحديث الثاني لا يحتاج إلى ظن ولا هـو مشكل ، إنما المشكل كونها سألت عن الأول ثم توقفت في الثاني ، وقد أجاب عنه القرطبي قال : هما سؤالان وقعا مرتين في زمنين عن رجلين ، وتكرر منها ذلك إما لأنها نسيت القصة الأولى ، وإما لأنها جوزت تغير الحكم فأعادت السؤال اهـ . وتمامه أن يقال : السؤال الأول كان قبل الوقوع والثاني بعد الوقوع ، فلا استبعاد في تجويز ما ذكر من نسيان أو تجويز النسخ . ويؤخذ من كلام عياض جواب آخر وهو أن أحد العمين كان أعلى والآخر أدنى ، أو أحدهما كان شقيقا والآخر لأب فقط أو لأم فقط ، أو أرضعتها زوجة أخيه بعد موته والآخر في حياته . وقال ابن المرابط : حديث عم حفصة قبل حديث عم عائشة ، وهما متعارضان في الظاهر لا في المعنى ، لأن عم حفصة أرضعته المرأة مع عمر فالرضاعة فيهما من قبل المرأة ، وعم عائشة إنما هـو من قبل الفحل ، كانت امرأة أبي القعيس أرضعتها فجاء أخوه يستأذن عليها فأبت فأخبرها الشارع أن لبن الفحل يحرم كما يحرم من قبل المرأة اهـ ، فكأنه جوز أن يكون عم عائشة الذي سألت عنه في قصة عم حفصة كان نظير عم حفصة في ذلك ، فلذلك سألت ثانيا في قصة أبي القعيس ، وهذا إن كان وجده منقولا فلا محيد عنه وإلا فهو حمل حسن ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة ) أي وتبيح ما تبيح ، وهو بالإجماع فيما يتعلق بتحريم النكاح وتوابعه ، وانتشار الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة وتنزيلهم منزلة الأقارب في جواز النظر والخلوة والمسافرة ولكن لا يترتب عليه باقي أحكام الأمومة من التوارث ووجوب الإنفاق والعتق بالملك والشهادة والعقل وإسقاط القصاص . قال القرطبي : ووقع في رواية " ما تحرم الولادة " وفي رواية " ما يحرم من النسب " وهو دال على جواز نقل الرواية بالمعنى ، قال : ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال اللفظين في وقتين ، قلت : الثاني هو المعتمد ، فإن الحديثين مختلفان في القصة والسبب والراوي ، وإنما يأتي ما قال إذا اتحد ذلك . وقد وقع عند أحمد من وجه آخر عن عائشة " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب من خال أو عم أو أخ " قال القرطبي : في الحديث دلالة على [ ص: 45 ] أن الرضاع ينشر الحرمة بين الرضيع والمرضعة وزوجها ، يعني الذي وقع الإرضاع بين ولده منها أو السيد ، فتحرم على الصبي لأنها تصير أمه ، وأمها لأنها جدته فصاعدا ، وأختها لأنها خالته ، وبنتها لأنها أخته ، وبنت بنتها فنازلا لأنها بنت أخته ، وبنت صاحب اللبن لأنها أخته ، وبنت بنته فنازلا لأنها بنت أخته ، وأمه فصاعدا لأنها جدته ، وأخته لأنها عمته ، ولا يتعدى التحريم إلى أحد من قرابة الرضيع ، فليست أخته من الرضاعة أختا لأخيه ولا بنتا لأبيه إذ لا رضاع بينهم ، والحكمة في ذلك أن سبب التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وزوجها وهو اللبن ، فإذا اغتذى به الرضيع صار جزءا من أجزائهما فانتشر التحريم بينهم ، بخلاف قرابات الرضيع لأنه ليس بينهم وبين المرضعة ولا زوجها نسب ولا سبب ، والله أعلم . الحديث الثاني حديث ابن عباس




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية