الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب تزويج الثيبات وقالت أم حبيبة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن

                                                                                                                                                                                                        4791 حدثنا أبو النعمان حدثنا هشيم حدثنا سيار عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال قفلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة فتعجلت على بعير لي قطوف فلحقني راكب من خلفي فنخس بعيري بعنزة كانت معه فانطلق بعيري كأجود ما أنت راء من الإبل فإذا النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما يعجلك قلت كنت حديث عهد بعرس قال أبكرا أم ثيبا قلت ثيبا قال فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك قال فلما ذهبنا لندخل قال أمهلوا حتى تدخلوا ليلا أي عشاء لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب تزويج الثيبات ) جمع ثيبة بمثلثة ثم تحتانية ثقيلة مكسورة ثم موحدة ، ضد البكر .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقالت أم حبيبة قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن ) هذا طرف من حديث سيأتي موصولا بعد عشرة أبواب ، واستنبط المصنف الترجمة من قوله " بناتكن " لأنه خاطب بذلك نساءه فاقتضى أن لهن بنات من غيره فيستلزم أنهن ثيبات كما هـو الأكثر الغالب .

                                                                                                                                                                                                        ذكر المصنف حديث جابر في قصة بعيره ، وقد تقدم شرحه في الشروط فيما يتعلق بذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ما يعجلك ) بضم أوله ، أي ما سبب إسراعك ؟

                                                                                                                                                                                                        قوله ( كنت حديث عهد بعرس ) أي قريب عهد بالدخول على الزوجة . وفي رواية عطاء عن جابر في الوكالة " فلما دنونا من المدينة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام - أخذت أرتحل ، قال : أين تريد ؟ قلت : تزوجت " وفي رواية أبي عقيل عن أبي المتوكل عن جابر " من أحب أن يتعجل إلى أهله فليتعجل " أخرجه مسلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( قال أبكرا أم ثيبا ؟ قلت : ثيبا ) هو منصوب بفعل محذوف تقديره أتزوجت وتزوجت ، وكذا وقع في ثاني حديث الباب " فقلت تزوجت ثيبا " في رواية الكشميهني في الوكالة من طريق وهب بن كيسان عن جابر قال أتزوجت ؟ قلت : نعم . قال بكرا أم ثيبا ؟ قلت ثيبا . وفي المغازي عن قتيبة عن سفيان عن عمرو بن دينار [ ص: 25 ] عن جابر بلفظ " هل نكحت يا جابر ؟ قلت : نعم قال : ماذا ، أبكرا أم ثيبا ؟ قلت : لا بل ثيبا " ووقع عند أحمد عن سفيان في هذا الحديث " قلت : ثيب " وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره التي تزوجتها ثيب ، وكذا وقع لمسلم من طريق عطاء عن جابر .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فهلا جارية ) في رواية وهب بن كيسان " أفلا جارية " وهما بالنصب أي فهلا تزوجت ؟ وفي رواية يعقوب الدورقي عن هشام بإسناد حديث الباب " هلا بكرا " ؟ وسيأتي قبيل أبواب الطلاق ، وكذا لمسلم من طريق عطاء عن جابر ، وهو معنى رواية محارب المذكورة في الباب بلفظ " العذارى " وهو جمع عذراء بالمد .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( تلاعبها وتلاعبك ) زاد في رواية النفقات " وتضاحكها وتضاحكك " وهو مما يؤيد أنه من اللعب ووقع عند الطبراني من حديث كعب بن عجرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل " فذكر نحو حديث جابر وقال فيه " وتعضها وتعضك " ووقع في رواية لأبي عبيدة " تذاعبها وتذاعبك " بالذال المعجمة بدل اللام ، وأما ما وقع في رواية محارب بن دثار عن جابر ثاني حديثي الباب بلفظ " مالك وللعذارى ولعابها " فقد ضبطه الأكثر بكسر اللام وهو مصدر من الملاعبة أيضا ، يقال لاعب لعابا وملاعبة مثل قاتل قتالا ومقاتلة . ووقع في رواية المستملي بضم اللام والمراد به الريق ، وفيه إشارة إلى مص لسانها ورشف شفتيها ، وذلك يقع عند الملاعبة والتقبيل ، وليس هو ببعيد كما قال القرطبي ، ويؤيد أنه بمعنى آخر غير المعنى الأول قول شعبة في الباب أنه عرض ذلك على عمرو بن دينار فقال اللفظ الموافق للجماعة وفي رواية مسلم التلويح بإنكار عمرو رواية محارب بهذا اللفظ ولفظ " إنما قال جابر تلاعبها وتلاعبك " فلو كانت الروايتان متحدتين في المعنى لما أنكر عمرو ذلك لأنه كان ممن يجيز الرواية بالمعنى .

                                                                                                                                                                                                        ووقع في رواية وهب بن كيسان من الزيادة " قلت : كن لي أخوات فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن وتقوم عليهن " أي في غير ذلك من مصالحهن ، وهو من العام بعد الخاص ، وفي رواية عمرو عن جابر الآتية في النفقات هلك أبي وترك سبع بنات - أو تسع بنات - فتزوجت ثيبا ، كرهت أن أجيئهن بمثلهن . فقال : بارك الله لك أو " قال خيرا " وفي رواية سفيان عن عمرو في المغازي وترك تسع بنات كن لي تسع أخوات ، فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن ، ولكن امرأة تقوم عليهن وتمشطهن . قال : أصبت وفي رواية ابن جريج عن عطاء وغيره عن جابر " فأردت أن أنكح امرأة قد جربت خلا منها ، قال فذلك " وقد تقدم التوفيق بين مختلف الروايات في عدد أخوات جابر في المغازي ، ولم أقف على تسميتهن . وأما امرأة جابر المذكورة فاسمها سهلة بنت مسعود بن أوس بن مالك الأنصارية الأوسية ذكره ابن سعد .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فلما ذهبنا لندخل قال : أمهلوا حتى تدخلوا ليلا أي عشاء ) كذا هـنا ، ويعارضه الحديث الآخر الآتي قبل أبواب الطلاق " لا يطرق أحدكم أهله ليلا " وهو من طريق الشعبي عن جابر أيضا ، ويجمع بينهما أن الذي في الباب لمن علم مجيئه والعلم بوصوله ، والآتي لمن قدم بغتة . ويؤيده قوله في الطريق الأخرى " يتخونهم بذلك " وسيأتي مزيد بحث فيه هناك . وفي الحديث الحث على نكاح البكر ، وقد ورد بأصرح من ذلك عند ابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة عن أبيه عن جده بلفظ عليكم بالأبكار ، فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما أي أكثر حركة ، والنتق بنون ومثناة الحركة ، ويقال أيضا للرمي ، فلعله يريد أنها كثيرة الأولاد . وأخرج الطبراني من حديث ابن مسعود نحوه وزاد " وأرض باليسير " ولا يعارضه الحديث السابق ، " عليكم بالولود " من جهة أن كونها بكرا لا يعرف به كونها كثيرة الولادة ، فإن الجواب عن ذلك أن البكر مظنة [ ص: 26 ] فيكون المراد بالولود من هي كثيرة الولادة بالتجربة أو بالمظنة ، وأما من جربت فظهرت عقيما وكذا الآيسة فالخبران متفقان على مرجوحيتهما . وفيه فضيلة لجابر لشفقته على أخواته وإيثاره مصلحتهن على حظ نفسه . ويؤخذ منه أنه إذا تزاحمت مصلحتان قدم أهمهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم صوب فعل جابر ودعا له لأجل ذلك . ويؤخذ منه الدعاء لمن فعل خيرا وإن لم يتعلق بالداعي . وفيه سؤال الإمام أصحابه عن أمورهم ، وتفقده أحوالهم ، وإرشاده إلى مصالحهم وتنبيههم على وجه المصلحة ولو كان في باب النكاح وفيما يستحيا من ذكره . وفيه مشروعية خدمة المرأة زوجها ومن كان منه بسبيل من ولد وأخ وعائلة ، وأنه لا حرج على الرجل في قصده ذلك من امرأته وإن كان ذلك لا يجب عليها ، لكن يؤخذ منه أن العادة جارية بذلك ، فلذلك لم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم . وقوله في الرواية المتقدمة " خرقاء " بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها قاف ، هي التي لا تعمل بيدها شيئا ، وهي تأنيث الأخرق وهو الجاهل بمصلحة نفسه وغيره .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( تمتشط الشعثة ) بفتح المعجمة وكسر العين المهملة ثم مثلثة ، أطلق عليها ذلك لأن التي يغيب زوجها في مظنة عدم التزين .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( تستحد ) بحاء مهملة أي تستعمل الحديدة وهي الموسى . والمغيبة بضم الميم وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة مفتوحة أي التي غاب عنها زوجها ، والمراد إزالة الشعر عنها وعبر بالاستحداد لأنه الغالب استعماله في إزالة الشعر ، وليس في ذلك منع إزالته بغير الموسى ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية