الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب من لم يستطع الباءة فليصم

                                                                                                                                                                                                        4780 حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني عطاء قال حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بسرف فقال ابن عباس هذه زوجة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها وارفقوا فإنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم تسع كان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة [ ص: 15 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 15 ] قوله ( باب كثرة النساء ) يعني لمن قدر على العدل بينهن ، ذكر فيه ثلاثة أحاديث : الحديث الأول

                                                                                                                                                                                                        حديث عطاء قال " حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة ) زاد مسلم من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج " زوج النبي صلى الله عليه وسلم " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( بسرف ) بفتح المهملة وكسر الراء بعدها فاء : مكان معروف بظاهر مكة ، تقدم بيانه في الحج ، وأخرج ابن سعد بإسناد صحيح عن يزيد بن الأصم قال " دفنا ميمونة بسرف في الظلة التي بنى بها فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم " ومن وجه آخر عن يزيد بن الأصم قال " صلى عليها ابن عباس ، ونزل في قبرها عبد الرحمن بن خالد بن الوليد " . قلت : وهي خالة أبيه " وعبيد الله الخولاني " . قلت : وكان في حجرها " ويزيد بن الأصم " . قلت : وهي خالته كما هـي خالة ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فإذا رفعتم نعشها ) بعين مهملة وشين معجمة : السرير الذي يوضع عليه الميت .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فلا تزعزعوها ) بزاءين معجمتين وعينين مهملتين ، والزعزعة تحريك الشيء الذي يرفع . وقوله " ولا تزلزلوها " الزلزلة الاضطراب .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وارفقوا ) إشارة إلى أن مراده السير الوسط المعتدل ، ويستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته ، وفيه حديث كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا أخرجه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فإنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة ) أي عند موته ، وهن سودة وعائشة وحفصة وأم سلمة وزينب بنت جحش وأم حبيبة وجويرية وصفية وميمونة . هذا ترتيب تزويجه إياهن رضي الله عنهن ، ومات وهن في عصمته . واختلف في ريحانة هل كانت زوجة أو سرية ، وهل ماتت قبله أو لا ؟

                                                                                                                                                                                                        قوله ( كان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة ) زاد مسلم في روايته " قال عطاء : التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب " قال عياض قال الطحاوي : هذا وهم وصوابه سودة كما تقدم أنها وهبت يومها لعائشة . وإنما غلط فيه ابن جريج راويه عن عطاء كذا قال ، قال عياض : قد ذكروا في قوله تعالى ترجي من تشاء منهن أنه آوى عائشة وحفصة وزينب وأم سلمة فكان يستوفى لهن القسم ، وأرجأ سودة وجويرية وأم حبيبة وميمونة وصفية فكان يقسم لهن ما شاء ، قال : فيحتمل أن تكون رواية ابن جريج صحيحة ويكون ذلك في آخر أمره [ ص: 16 ] حيث آوى الجميع فكان يقسم لجميعهن إلا لصفية . قلت : قد أخرج ابن سعد من ثلاثة طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم لصفية كما يقسم لنسائه ، لكن في الأسانيد الثلاثة الواقدي وليس بحجة . وقد تعصب مغلطاي للواقدي فنقل كلام من قواه ووثقه وسكت عن ذكر من وهاه واتهمه وهم أكثر عددا وأشد إتقانا وأقوى معرفة به من الأولين ، ومن جملة ما قواه به أن الشافعي روى عنه . وقد أسند البيهقي عن الشافعي أنه كذبه ، ولا يقال فكيف روى عنه لأنا نقول : رواية العدل ليست بمجردها توثيقا ، فقد روى أبو حنيفة عن جابر الجعفي وثبت عنه أنه قال : ما رأيت أكذب منه ، فيترجح أن مراد ابن عباس بالتي لا يقسم لها سودة كما قاله الطحاوي ، لحديث عائشة " إن سودة وهبت يومها لعائشة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة " وسيأتي في باب مفرد وهو قبل كتاب الطلاق بأربعة وعشرين بابا ويأتي بسط القصة هناك إن شاء الله تعالى ، لكن يحتمل أن يقال لا يلزم من أنه كان لا يبيت عند سودة أن لا يقسم لها ، بل كان يقسم لها لكن يبيت عند عائشة لما وقع من تلك الهبة . نعم يجوز نفي القسم عنها مجازا ، والراجح عندي ما ثبت في الصحيح ، ولعل البخاري حذف هذه الزيادة عمدا . وقد وقع عند مسلم أيضا فيه زيادة أخرى من رواية عبد الرزاق عن ابن جريج .

                                                                                                                                                                                                        قال عطاء : وكانت آخرهن موتا ماتت بالمدينة . كذا قال ، فأما كونها آخرهن موتا فقد وافق عليه ابن سعد وغيره قالوا : وكانت وفاتها سنة إحدى وستين ، وخالفهم آخرون فقالوا : ماتت سنة ست وخمسين ، ويعكر عليه أن أم سلمة عاشت إلى قتل الحسين بن علي وكان قتله يوم عاشوراء سنة إحدى وستين ، وقيل بل ماتت أم سلمة سنة تسع وخمسين ، والأول أرجح . ويحتمل أن تكونا ماتتا في سنة واحدة لكن تأخرت ميمونة . وقد قيل أيضا إنها ماتت سنة ثلاث وستين وقيل : سنة ست وستين ، وعلى هذا لا ترديد في آخريتها في ذلك . وأما قوله : وماتت بالمدينة ، فقد تكلم عليه عياض فقال : ظاهره أنه أراد ميمونة ، كيف يلتئم مع قوله في أول الحديث إنها ماتت بسرف ، وسرف من مكة بلا خلاف ، فيكون قوله بالمدينة وهما . قلت : يحتمل أن يريد بالمدينة البلد وهي مكة . والذي في أول الحديث أنهم حضروا جنازتها بسرف ، ولا يلزم من ذلك أنها ماتت بسرف فيحتمل أن تكون ماتت داخل مكة وأوصت أن تدفن بالمكان الذي دخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فنفذ ابن عباس وصيتها ، ويؤيد ذلك أن ابن سعد لما ذكر حديث ابن جريج هذا قال بعده : وقال غير ابن جريج في هذا الحديث توفيت بمكة فحملها ابن عباس حتى دفنها بسرف .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية