الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ولي

                                                          ولي : في أسماء الله تعالى : الولي هو الناصر ، وقيل : المتولي لأمور العالم والخلائق القائم بها ، ومن أسمائه - عز وجل - : الوالي ، وهو مالك الأشياء جميعها المتصرف فيها . قال ابن الأثير : وكأن الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الوالي . ابن سيده : ولي الشيء وولي عليه ولاية وولاية ، وقيل : الولاية الخطة كالإمارة ، والولاية المصدر . ابن السكيت : الولاية ، بالكسر السلطان ، والولاية والولاية النصرة . يقال : هم علي ولاية أي مجتمعون في النصرة . وقال سيبويه : الولاية ، بالفتح ، المصدر والولاية ، بالكسر ، الاسم مثل الإمارة والنقابة ، لأنه اسم لما توليته وقمت به فإذا أرادوا المصدر فتحوا . قال ابن بري : وقرئ : ما لكم من ولايتهم من شيء ، بالفتح والكسر ، وهي بمعنى النصرة ; قال أبو الحسن : الكسر لغة ، وليست بذلك .

                                                          التهذيب : قوله تعالى : والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء ; قال الفراء : يريد ما لكم من مواريثهم من شيء ، قال : فكسر الواو هاهنا من ولايتهم أعجب إلي من فتحها لأنها إنما تفتح أكثر ذلك إذا أريد بها النصرة ، قال : وكان الكسائي يفتحها ويذهب بها إلى النصرة ، قال الأزهري : ولا أظنه علم التفسير ; قال الفراء : ويختارون في وليته ولاية الكسر ، قال : وسمعناها ، بالفتح وبالكسر في الولاية في معنييهما جميعا ; وأنشد :


                                                          دعيهم فهم ألب علي ولاية وحفرهمو إن يعلموا ذاك دائب



                                                          وقال أبو العباس نحوا مما قال الفراء . وقال الزجاج : يقرأ ولايتهم وولايتهم بفتح الواو وكسرها ، فمن فتح جعلها من النصرة والنسب ، قال : والولاية التي بمنزلة الإمارة مكسورة ليفصل بين المعنيين ، وقد يجوز كسر الولاية ; لأن في تولي بعض القوم بعضا جنسا من الصناعة والعمل ، وكل ما كان من جنس الصناعة نحو القصارة والخياطة فهي مكسورة . قال : والولاية على الإيمان واجبة : المؤمنون بعضهم أولياء بعض ، ولي بين الولاية ، ووال بين الولاية . والولي : ولي اليتيم الذي يلي أمره ويقوم بكفايته . وولي المرأة : الذي يلي عقد النكاح عليها ولا يدعها تستبد بعقد النكاح دونه . وفي الحديث : أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل ، وفي رواية : وليها ، أي متولي أمرها . وفي الحديث : أسألك غناي وغنى مولاي . وفي الحديث : من أسلم على يده رجل فهو مولاه أي يرثه كما يرث من أعتقه . وفي الحديث : أنه سئل عن رجل مشرك يسلم على يد رجل من المسلمين ، فقال : هو أولى الناس بمحياه ومماته أي أحق به من غيره ; قال ابن الأثير : ذهب قوم إلى العمل بهذا الحديث واشترط آخرون أن يضيف إلى الإسلام على يده المعاقدة والموالاة ، وذهب أكثر الفقهاء إلى خلاف ذلك وجعلوا هذا الحديث بمعنى البر والصلة ، ورعي الذمام ، ومنهم من ضعف الحديث . وفي الحديث : ألحقوا المال بالفرائض ، فما أبقت السهام فلأولى رجل ذكر ، أي أدنى وأقرب في النسب إلى الموروث . ويقال : فلان أولى بهذا الأمر من فلان أي أحق به . وهما الأوليان الأحقان . قال الله تعالى : من الذين استحق عليهم الأوليان ; قرأ بها علي - عليه السلام - وبها قرأ أبو عمرو ، ونافع وكثير ; وقال الفراء : من قرأ الأوليان أراد وليي الموروث ; وقال الزجاج : الأوليان ، في قول أكثر البصريين ; يرتفعان على البدل ، مما في يقومان ؛ المعنى : فليقم الأوليان بالميت مقام هذين الجائيين ، ومن قرأ الأولين رده على الذين ، وكأن المعنى من الذين استحق عليهم أيضا الأولين ، قال : وهي قراءة ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وبها قرأ الكوفيون واحتجوا بأن قال ابن عباس أرأيت إن كان الأوليان صغيرين . وفلان أولى بكذا أي أحرى به وأجدر . يقال : هو الأولى ، وهم الأوالي ، والأولون ، على مثال الأعلى والأعالي والأعلون . وتقول في المرأة : هي الوليا وهما الولييان وهن الولى ، وإن شئت الولييات ، مثل الكبرى والكبريان والكبر والكبريات . وقوله - عز وجل - : وإني خفت الموالي من ورائي ; قال الفراء : الموالي ورثة الرجل وبنو عمه ، قال : والولي والمولى واحد في كلام العرب . قال أبو منصور : ومن هذا قول سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها ، ورواه بعضهم : بغير إذن وليها ، لأنهما بمعنى واحد . وروى ابن سلام عن يونس قال : المولى له مواضع في كلام العرب : منها المولى في الدين ، وهو الولي وذلك قوله تعالى : ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ; أي لا ولي لهم ، ومنه قول سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من كنت مولاه فعلي مولاه أي من [ ص: 282 ] كنت وليه ; قال : وقوله - عليه السلام - مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله أي أولياء الله ، قال : والمولى العصبة ، ومن ذلك قوله تعالى : وإني خفت الموالي من ورائي ; وقال اللهبي يخاطب بني أمية :


                                                          مهلا بني عمنا مهلا موالينا     إمشوا رويدا كما كنتم تكونونا



                                                          قال : والمولى الحليف ، وهو من انضم إليك فعز بعزك وامتنع بمنعتك ; قال عامر الخصفي من بني خصفة :


                                                          هم المولى وإن جنفوا علينا     وإنا من لقائهم لزور



                                                          قال أبو عبيدة : يعني الموالي أي بني العم ، وهو كقوله تعالى : ثم يخرجكم طفلا . والمولى : المعتق انتسب بنسبك ، ولهذا قيل للمعتقين الموالي ، قال : وقال أبو الهيثم المولى على ستة أوجه : المولى ابن العم والعم والأخ والابن والعصبات كلهم ، والمولى الناصر ، والمولى الولي الذي يلي عليك أمرك ، قال : ورجل ولاء وقوم ولاء في معنى ولي وأولياء ; لأن الولاء مصدر ، والمولى مولى الموالاة وهو الذي يسلم على يدك ويواليك ، والمولى مولى النعمة ، وهو المعتق ، أنعم على عبده بعتقه ، والمولى المعتق لأنه ينزل منزلة ابن العم يجب عليك أن تنصره وترثه إن مات ولا وارث له ، فهذه ستة أوجه . وقال الفراء في قوله تعالى : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ، قال : هؤلاء خزاعة كانوا عاقدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يقاتلوه ولا يخرجوه ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبر والوفاء إلى مدة أجلهم ، ثم قال : إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم . . . . . . . . أن تولوهم ، أي تنصروهم ، يعني أهل مكة ; قال أبو منصور : جعل التولي ها هنا بمعنى النصر من الولي ، والمولى وهو الناصر . وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من تولاني فليتول عليا ; معناه من نصرني فلينصره . وقال الفراء في قوله تعالى : فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض ; أي توليتم أمور الناس ، والخطاب لقريش ; قال الزجاج : وقرئ : إن توليتم أي وليكم بنو هاشم . ويقال : تولاك الله أي وليك الله ، ويكون بمعنى نصرك الله . وقوله : اللهم وال من والاه ، أي أحبب من أحبه ، وانصر من نصره . والموالاة على وجوه ، قال ابن الأعرابي : الموالاة أن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصلح ويكون له في أحدهما هوى فيواليه أو يحابيه ، ووالى فلان فلانا إذا أحبه ، قال الأزهري : وللموالاة معنى ثالث ، سمعت العرب تقول والوا حواشي نعمكم عن جلتها أي اعزلوا صغارها عن كبارها ، وقد واليناها فتوالت إذا تميزت ; وأنشد بعضهم :


                                                          وكنا خليطى في الجمال فأصبحت     جمالي توالى ولها من جمالكا



                                                          توالى أي تميز منها ; ومن هذا قول الأعشى :


                                                          ولكنها كانت نوى أجنبية     توالي ربعي السقاب فأصحبا



                                                          وربعي السقاب : الذي نتج في أول الربيع ، وتواليه : أن يفصل عن أمه فيشتد ولهه إليها إذا فقدها ، ثم يستمر على الموالاة ويصحب أي ينقاد ويصبر بعدما كان اشتد عليه من مفارقته إياها . وفي نوادر الأعراب : تواليت مالي وامتزت مالي وازدلت مالي بمعنى واحد ، جعلت هذه الأحرف واقعة ، قال : والظاهر منها اللزوم . ابن الأعرابي قال : ابن العم مولى وابن الأخت مولى والجار والشريك والحليف ; وقال الجعدي :


                                                          موالي حلف لا موالي قرابة     ولكن قطينا يسألون الأتاويا



                                                          يقول : هم حلفاء لا أبناء عم ; وقول الفرزدق :


                                                          فلو كان عبد الله مولى هجوته     ولكن عبد الله مولى مواليا



                                                          لأن عبد الله بن أبي إسحاق مولى الحضرميين ، وهم حلفاء بني عبد شمس بن عبد مناف ، والحليف عند العرب مولى ، وإنما قال مواليا فنصب لأنه رده إلى أصله للضرورة ، وإنما لم ينون لأنه جعله بمنزلة غير المعتل الذي لا ينصرف ; قال ابن بري : وعطف قوله ولكن قطينا على المعنى ، كأنه قال ليسوا موالي قرابة ولكن قطينا ; وقبله :


                                                          فلا تنتهي أضغان قومي بينهم     وسوآتهم حتى يصيروا مواليا


                                                          وفي حديث الزكاة : مولى القوم منهم . قال ابن الأثير : الظاهر من المذاهب والمشهور أن موالي بني هاشم والمطلب لا يحرم عليهم أخذ الزكاة لانتفاء السبب الذي به حرم على بني هاشم والمطلب ، وفي مذهب الشافعي على وجه أنه يحرم على الموالي أخذها لهذا الحديث ، قال : ووجه الجمع بين الحديث ونفي التحريم أنه إنما قال هذا القول تنزيها لهم ، وبعثا على التشبه بسادتهم والاستنان بسنتهم في اجتناب مال الصدقة التي هي أوساخ الناس ، وقد تكرر ذكر المولى في الحديث ، قال : وهو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو : الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والمعتق والمنعم عليه ، قال : وأكثرها قد جاءت في الحديث فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه ، وكل من ولي أمرا أو قام به فهو مولاه ووليه ، قال : وقد تختلف مصادر هذه الأسماء ، فالولاية ، بالفتح في النسب والنصرة والعتق ، والولاية ، بالكسر في الإمارة ، والولاء في المعتق ، والموالاة من والى القوم ; قال ابن الأثير : وقوله - صلى الله عليه وسلم - : من كنت مولاه فعلي مولاه ، يحمل على أكثر الأسماء المذكورة . وقال الشافعي : يعني بذلك ولاء الإسلام ، كقوله تعالى : ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ; قال : وقول عمر لعلي - رضي الله تعالى عنهما - : أصبحت مولى كل مؤمن أي ولي كل مؤمن ، وقيل : سبب ذلك أن أسامة قال لعلي - رضي الله عنه - : لست مولاي ، إنما مولاي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وكل من ولي أمر واحد فهو وليه ، والنسبة إلى المولى مولوي ، وإلى الولي من المطر ولوي ، كما قالوا علوي ، لأنهم كرهوا الجمع بين أربع ياءات ، فحذفوا الياء الأولى وقلبوا الثانية واوا . ويقال : بينهما ولاء ، بالفتح ، أي قرابة . والولاء : ولاء المعتق . وفي الحديث : نهى عن بيع الولاء وعن هبته ، يعني ولاء العتق ، وهو إذا مات المعتق ورثه معتقه أو ورثة معتقه كانت العرب تبيعه وتهبه ، فنهى عنه ; لأن الولاء كالنسب فلا يزول بالإزالة ; ومنه الحديث : الولاء للكبر أي للأعلى فالأعلى من ورثة المعتق . والولاء : الموالون ; يقال : هم ولاء فلان . وفي الحديث : [ ص: 283 ] من تولى قوما بغير إذن مواليه أي اتخذهم أولياء له ، قال : ظاهره يوهم أنه شرط وليس شرطا لأنه لا يجوز له إذا أذنوا أن يوالي غيرهم ، وإنما هو بمعنى التوكيد لتحريمه والتنبيه على بطلانه والإرشاد إلى السبب فيه ، لأنه إذا استأذن أولياءه في موالاة غيرهم منعوه فيمتنع ، والمعنى إن سولت له نفسه ذلك فليستأذنهم فإنهم يمنعونه ; وأما قول لبيد :


                                                          فغدت كلا الفرجين تحسب أنه     مولى المخافة خلفها وأمامها


                                                          فيريد أنه أولى موضع أن تكون فيه الحرب ، وقوله : فغدت تم الكلام ، كأنه قال : فغدت هذه البقرة ، وقطع الكلام ثم ابتدأ كأنه قال تحسب أن كلا الفرجين مولى المخافة . وقد أوليته الأمر ووليته إياه . وولته الخمسون ذنبها ; عن ابن الأعرابي أي جعلت ذنبها يليه ، وولاها ذنبا كذلك . وتولى الشيء : لزمه . والولية : البرذعة ، والجمع الولايا ، وإنما تسمى بذلك إذا كانت على ظهر البعير لأنها حينئذ تليه ، وقيل : الولية التي تحت البرذعة ، وقيل : كل ما ولي الظهر من كساء أو غيره فهو ولية ; وقال ابن الأعرابي في قول النمر بن تولب :


                                                          عن ذات أولية أساود ريها     وكأن لون الملح فوق شفارها


                                                          قال : الأولية جمع الولية ، وهي البرذعة ، شبه ما عليها من الشحم وتراكمه بالولايا ، وهي البراذع ; وقال الأزهري : قال الأصمعي نحوه ، قال ابن السكيت : وقد قال بعضهم في قوله عن ذات أولية يريد أنها أكلت وليا بعد ولي من المطر أي رعت ما نبت عنها فسمنت . قال أبو منصور : والولايا إذا جعلتها جمع الولية ، وهي البرذعة ، التي تكون تحت الرحل فهي أعرف وأكثر ومنه قوله :


                                                          كالبلايا رءوسها في الولايا     مانحات السموم حر الخدود



                                                          قال الجوهري : وقوله :


                                                          كالبلايا رءوسها في الولايا



                                                          يعني الناقة التي كانت تعكس على قبر صاحبها ، ثم تطرح الولية على رأسها إلى أن تموت ، وجمعها ولي أيضا ; قال كثير :


                                                          بعيساء في دأياتها ودفوفها     وحاركها تحت الولي نهود



                                                          وفي الحديث : أنه نهى أن يجلس الرجل على الولايا ; هي البراذع ، قيل : نهى عنها لأنها إذا بسطت وافترشت تعلق بها الشوك والتراب وغير ذلك مما يضر الدواب ، ولأن الجالس عليها ربما أصابه من وسخها ونتنها ودم عقرها . وفي حديث ابن الزبير - رضي الله عنهما - : أنه بات بقفر فلما قام ليرحل وجد رجلا طوله شبران عظيم اللحية على الولية فنفضها فوقع . والولي : الصديق والنصير . ابن الأعرابي : الولي التابع المحب ; وقال أبو العباس في قوله - صلى الله عليه وسلم - : من كنت مولاه فعلي مولاه أي من أحبني وتولاني فليتوله . والموالاة : ضد المعاداة ، والولي : ضد العدو ، ويقال منه تولاه . وقوله - عز وجل - : فتكون للشيطان وليا ; قال ثعلب : كل من عبد شيئا من دون الله فقد اتخذه وليا . وقوله - عز وجل - : الله ولي الذين آمنوا ; قال أبو إسحاق : الله وليهم في حجاجهم وهدايتهم وإقامة البرهان لهم لأنه يزيدهم بإيمانهم هداية ، كما قال - عز وجل - : والذين اهتدوا زادهم هدى ; ووليهم أيضا في نصرهم على عدوهم وإظهار دينهم على دين مخالفيهم ، وقيل : وليهم أي يتولى ثوابهم ومجازاتهم بحسن أعمالهم . والولاء : الملك . والمولى : المالك والعبد ، والأنثى بالهاء . وفيه مولوية إذا كان شبيها بالموالي . وهو يتمولى علينا أي يتشبه بالموالي ، وما كنت بمولى وقد تموليت ، والاسم الولاء . والمولى : الصاحب والقريب كابن العم وشبهه . وقال ابن الأعرابي : المولى الجار والحليف والشريك وابن الأخت . والولي : المولى . وتولاه : اتخذه وليا ، وإنه لبين الولاة والولية والتولي والولاء والولاية والولاية . والولي : القرب والدنو ; وأنشد أبو عبيد :


                                                          وشط ولي النوى إن النوى قذف     تياحة غربة بالدار أحيانا

                                                          ويقال : تباعدنا بعد ولي ، ويقال منه : وليه يليه ، بالكسر فيهما ، وهو شاذ ، وأوليته الشيء فوليه ، وكذلك ولي الوالي البلد ، وولي الرجل البيع ولاية فيهما ، وأوليته معروفا . ويقال في التعجب : ما أولاه للمعروف ! وهو شاذ ; قال ابن بري : شذوذه كونه رباعيا ، والتعجب إنما يكون من الأفعال الثلاثية . وتقول : فلان ولي وولي عليه ، كما تقول ساس وسيس عليه . وولاه الأمير عمل كذا وولاه بيع الشيء ، وتولى العمل أي تقلد . وكل مما يليك أي مما يقاربك ; وقال ساعدة :


                                                          هجرت غضوب وحب من يتجنب     وعدت عواد دون وليك تشعب


                                                          ودار ولية : قريبة . وقوله - عز وجل - : أولى لك فأولى ; معناه التوعد والتهدد أي الشر أقرب إليك ، وقال ثعلب : معناه دنوت من الهلكة ; وكذلك قوله تعالى : فأولى لهم ; أي وليهم المكروه وهو اسم لدنوت أو قاربت ; وقال الأصمعي : أولى لك قاربك ما تكره أي نزل بك يا أبا جهل ما تكره ; وأنشد الأصمعي :


                                                          فعادى بين هاديتين منها     وأولى أن يزيد على الثلاث


                                                          أي قارب أن يزيد ، قال ثعلب : ولم يقل أحد في أولى لك أحسن مما قال الأصمعي ، وقال غيرهما : أولى يقولها الرجل لآخر يحسره على ما فاته ، ويقول له : يا محروم أي شيء فاتك ؟ وقال الجوهري : أولى لك تهدد ووعيد ; قال الشاعر :


                                                          فأولى ثم أولى ثم أولى     وهل للدر يحلب من مرد



                                                          قال الأصمعي : معناه قاربه ما يهلكه أي نزل به ; قال ابن بري : ومنه قول مقاس العائذي :


                                                          أولى فأولى يا امرأ القيس بعدما     خصفن بآثار المطي الحوافرا



                                                          وقال تبع :


                                                          أولى لهم بعقاب يوم سرمد



                                                          وقالت الخنساء :


                                                          هممت بنفسي كل الهموم     فأولى لنفسي أولى لها


                                                          [ ص: 284 ] قال أبو العباس قوله :


                                                          فأولى لنفسي أولى لها



                                                          يقول الرجل إذا حاول شيئا فأفلته من بعد ما كاد يصيبه : أولى له ، فإذا أفلت من عظيم قال : أولى لي ; ويروى عن ابن الحنيفة أنه كان يقول : إذا مات ميت في جواره أو في داره أولى لي كدت والله أن أكون السواد المخترم ; شبه كاد بعسى فأدخل في خبرها أن ; قال : وأنشدت لرجل يقتنص فإذا أفلته الصيد قال أولى لك فكثرت تيك منه ; فقال :


                                                          فلو كان أولى يطعم القوم صدتهم     ولكن أولى يترك القوم جوعا



                                                          أولى في البيت حكاية ، وذلك أنه كان لا يحسن أن يرمي ، وأحب أن يمتدح عند أصحابه فقال أولى ، وضرب بيده على الأخرى ، وقال أولى فحكى ذلك . وفي حديث أنس - رضي الله عنه - : قام عبد الله بن حذافة - رضي الله عنه - فقال : من أبي ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبوك حذافة ، وسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : أولى لكم والذي نفسي بيده أي قرب منكم ما تكرهون ، وهي كلمة تلهف يقولها الرجل إذا أفلت من عظيمة ، وقيل : هي كلمة تهدد ووعيد ; معناه قاربه ما يهلكه . ابن سيده : وحكى ابن جني أولاة الآن ، فأنث أولى ، قال : وهذا يدل على أنه اسم لا فعل ; وقول أبي صخر الهذلي :


                                                          أذم لك الأيام فيما ولت لنا     وما لليالي في الذي بيننا عذر


                                                          قال : أراه أراد فيما قربت إلينا من بين وتعذر قرب . والقوم علي ولاية واحدة وولاية إذا كانوا عليك بخير أو شر . وداره ولي داري أي قريبة منها . وأولى على اليتيم : أوصى . ووالى بين الأمر موالاة وولاء : تابع . وتوالى الشيء : تتابع . والموالاة : المتابعة . وافعل هذه الأشياء على الولاء أي متابعة . وتوالى عليه شهران أي تتابع . يقال : والى فلان برمحه بين صدرين وعادى بينهما ، وذلك إذا طعن واحدا ثم آخر من فوره ، وكذلك الفارس يوالي بطعنتين متواليتين فارسين أي يتابع بينهما قتلا . ويقال : أصبته بثلاثة أسهم ولاء أي تباعا . وتوالت إلي كتب فلان أي تتابعت . وقد والاها الكاتب أي تابعها . واستولى على الأمر أي بلغ الغاية . ويقال : استبق الفارسان على فرسيهما إلى غاية تسابقا إليها فاستولى أحدهما على الغاية إذا سبق الآخر ; ومنه قول الذبياني :


                                                          سبق الجواد إذا استولى على الأمد



                                                          واستيلاؤه على الأمد أن يغلب عليه بسبقه إليه ، ومن هذا يقال : استولى فلان على مالي أي غلبني عليه ، وكذلك استومى بمعنى استولى ، وهما من الحروف التي عاقبت العرب فيها بين اللام والميم ، ومنها قولهم لولا ولوما بمعنى هلا ; قال الفراء : ومنه قوله تعالى : لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ; وقال عبيد :


                                                          لوما على حجر ابن أم     م قطام تبكي لا علينا



                                                          وقال الأصمعي : خالمته وخاللته إذا صادقته ، وهو خلي وخلمي . ويقال : أوليت فلانا خيرا وأوليته شرا كقولك سمته خيرا وشرا ، وأوليته معروفا إذا أسديت إليه معروفا . الأزهري في آخر باب اللام قال : وبقي حرف من كتاب الله - عز وجل - لم يقع في موضعه فذكرته في آخر اللام ، وهو قوله - عز وجل - : فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا ; قرأها عاصم وأبو عمرو بن العلاء وإن تلووا ، بواوين من لوى الحاكم بقضيته إذا دافع بها ، وأما قراءة من قرأ وإن تلوا ، بواو واحدة ، ففيه وجهان : أحدهما أن أصله تلووا بواوين ، كما قرأ عاصم وأبو عمرو ، فأبدل من الواو المضمومة همزة فصارت تلئوا ، بإسكان اللام ، ثم طرحت الهمزة وطرحت حركتها على اللام فصارت تلوا كما قيل في أدور أدؤر ، ثم طرحت الهمزة فقيل أدر ، قال : والوجه الثاني أن يكون تلوا من الولاية لا من اللي ، والمعنى إن تلوا للشهادة فتقيموها ، قال : وهذا كله صحيح من كلام حذاق النحويين . والولي : المطر يأتي بعد الوسمي ، وحكى كراع فيه التخفيف ، وجمع الولي أولية . وفي حديث مطرف الباهلي : تسقيه الأولية ، هي جمع ولي المطر . ووليت الأرض وليا : سقيت الولي ، وسمي وليا لأنه يلي الوسمي أي يقرب منه ويجيء بعده ، وكذلك الولي ، بالتسكين ، على فعل وفعيل ; قال الأصمعي : الولي على مثال الرمي المطر الذي يأتي بعد المطر ، وإذا أردت الاسم فهو الولي ، وهو مثل النعي والنعي المصدر قال ذو الرمة :


                                                          لني ولية تمرع جنابي فإنني     لما نلت من وسمي نعماك شاكر



                                                          لني أمر من الولي أي أمطرني ولية منك أي معروفا بعد معروف . قال ابن بري : ذكر الفراء : الولى المطر بالقصر ، واتبعه ابن ولاد ، ورد عليهما علي بن حمزة ، وقال : هو الولي ، بالتشديد ، لا غير ، وقولهم : قد أولاني معروفا ، قال أبو بكر : معناه قد ألصق بي معروفا يليني من قولهم : جلست مما يلي زيدا أي يلاصقه ويدانيه . ويقال : أولاني ملكني المعروف وجعله منسوبا إلي وليا علي ، من قولك هو ولي المرأة أي صاحب أمرها والحاكم عليها ، قال : ويجوز أن يكون معناه عضدني بالمعروف ونصرني وقواني ، من قولك بنو فلان ولاء على بني فلان أي هم يعينونهم . ويقال : أولاني أي أنعم علي من الآلاء ، وهي النعم ، والواحد ألى ، وإلى ، قال : والأصل في إلى ولى ، فأبدلوا من الواو المكسورة همزة ، كما قالوا امرأة وناة وأناة ; قال الأعشى : . . . ولا يخون إلى . . . وكذلك أحد ووحد . المحكم : فأما ما أنشده ابن الأعرابي من قول الشاعر : .

                                                          . . . . . . . . الركيكا

                                                          فإنه عداه إلى مفعولين لأنه في معنى سقي ، وسقي متعدية إلى مفعولين ، فكذلك هذا الذي في معناها ، وقد يكون الركيك مصدرا لأنه ضرب من الولي فكأنه ولي وليا ، كقولك : قعد القرفصاء ، وأحسن من ذلك أن ولي في معنى أرك عليه أو رك ، فيكون قوله ركيكا مصدرا لهذا الفعل المقدر ، أو اسما موضوعا موضع المصدر . واستولى على الشيء إذا صار في يده . وولى الشيء وتولى : أدبر . وولى عنه : أعرض عنه أو نأى ; وقوله :

                                                          [ ص: 285 ]

                                                          إذا ما امرؤ ولى علي بوده     وأدبر لم يصدر بإدباره ودي



                                                          فإنه أراد ولى عني ، ووجه تعديته ولى بعلى أنه لما كان إذا ولى عنه بوده تغير عليه ، جعل ولى معنى تغير فعداه بعلى ، وجاز أن يستعمل هنا على لأنه أمر عليه لا له ; وقول الأعشى :


                                                          إذا حاجة ولتك لا تستطيعها     فخذ طرفا من غيرها حين تسبق



                                                          فإنه أراد ولت عنك ، فحذف وأوصل ، وقد يكون وليت الشيء ووليت عنه بمعنى . التهذيب : تكون التولية إقبالا ، ومنه قوله تعالى : فول وجهك شطر المسجد الحرام ; أي وجه وجهك نحوه وتلقاءه ، وكذلك قوله تعالى : ولكل وجهة هو موليها ; قال الفراء : هو مستقبلها ، والتولية في هذا الموضع إقبال ، قال : والتولية تكون انصرافا ; قال الله تعالى : ثم وليتم مدبرين ; وكذلك قوله تعالى : يولوكم الأدبار ; هي ها هنا انصراف ، وقال أبو معاذ النحوي : قد تكون التولية بمعنى التولي . يقال : وليت وتوليت بمعنى واحد ; قال : وسمعت العرب تنشد بيت ذي الرمة :


                                                          إذا حول الظل العشي رأيته     حنيفا وفي قرن الضحى يتنصر



                                                          أراد : إذا تحول الظل بالعشي ، قال : وقوله هو موليها أي متوليها أي متبعها وراضيها . وتوليت فلانا أي اتبعته ورضيت به . وقوله تعالى : سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ; يعني قول اليهود ما عدلهم عنها ، يعني قبلة بيت المقدس . وقوله - عز وجل - : ولكل وجهة هو موليها ; أي يستقبلها بوجهه ، وقيل فيه قولان : قال بعض أهل اللغة وهو أكثرهم : هو لكل ، والمعنى هو موليها وجهه أي كل أهل وجهة هم الذين ولوا وجوههم إلى تلك الجهة ، وقد قرئ : هو مولاها ، قال : وهو حسن ، وقال قوم : هو موليها أي الله تعالى يولي أهل كل ملة القبلة التي تريد ، قال : وكلا القولين جائز . ويقال للرطب إذا أخذ في الهيج : قد ولى وتولى ، وتوليه شهبته . والتولية في البيع : أن تشتري سلعة بثمن معلوم ثم توليها رجلا آخر بذلك الثمن ، وتكون التولية مصدرا ، كقولك : وليت فلانا أمر كذا وكذا إذا قلدته ولايته . وتولى عنه : أعرض وولى هاربا أي أدبر . وفي الحديث : أنه سئل عن الإبل فقال أعنان الشياطين لا تقبل إلا مولية ، ولا تدبر إلا مولية ، ولا يأتي نفعها إلا من جانبها الأشأم أي أن من شأنها إذا أقبلت على صاحبها أن يتعقب إقبالها الإدبار ، وإذا أدبرت أن يكون إدبارها ذهابا وفناء مستأصلا . وقد ولى الشيء وتولى إذا ذهب هاربا ومدبرا ، وتولى عنه إذا أعرض ، والتولي يكون بمعنى الإعراض ويكون بمعنى الاتباع ، قال الله تعالى : وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ; أي إن تعرضوا عن الإسلام . وقوله تعالى : ومن يتولهم منكم فإنه منهم ; معناه من يتبعهم وينصرهم . وتوليت الأمر توليا إذا وليته ; قال الله تعالى : والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ; أي ولي وزر الإفك وإشاعته . وقالوا : لو طلبت ولاء ضبة من تميم لشق عليك أي تميز هؤلاء من هؤلاء ; حكاه اللحياني فروى الطوسي ولاء ، بالفتح ، وروى ثابت ولاء ، بالكسر . ووالى غنمه : عزل بعضها من بعض وميزها ; قال ذو الرمة :


                                                          يوالي إذا اصطك الخصوم أمامه     وجوه القضايا من وجوه المظالم



                                                          والولية : ما تخبؤه المرأة من زاد لضيف يحل ; عن كراع ; قال : والأصل لوية ، فقلب والجمع ولايا ، ثبت القلب في الجمع . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : لا يعطى من المغانم شيء حتى تقسم إلا لراع أو دليل غير موليه ، قلت : ما موليه ؟ قال محابيه أي غير معطيه شيئا لا يستحقه . وكل من أعطيته ابتداء من غير مكافأة فقد أوليته . وفي حديث عمار : قال له عمر في شأن اليتيم كلا والله لنولينك ما توليت أي نكل إليك ما قلت ونرد إليك ما وليته نفسك ورضيت لها به ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية