الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( 6 ) باب مخالطة الجنب وما يباح له

الفصل الأول

451 - عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنب ، فأخذ بيدي ، فمكثت معه حتى قعد ، فانسللت ، فأتيت الرحل ، فاغتسلت ، ثم جئت ، وهو قاعد فقال : " أين كنت يا أبا هر ؟ " فقلت له . فقال : " سبحان الله ، إن المؤمن لا ينجس " . هذا لفظ البخاري ، ولمسلم معناه ، وزاد بعد قوله : فقلت له : لقد لقيتني وأنا جنب ، فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل . وكذا البخاري في رواية أخرى .

التالي السابق


( 6 ) باب مخالطة الجنب

أي : جواز مجالسته ومكالمته ونحو ذلك . يقال : أجنب الرجل إذا صار جنبا ، والاسم الجنابة ، وأصلها البعد ; لأنه نهي أن يقرب موضع الصلاة ، وعن كثير من العبادات ما لم يتطهر . ( وما يباح له ) : أي : للجنب من الأكل والشرب والنوم وغيرها .

الفصل الأول

451 - ( وعن أبي هريرة قال : لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : وإنما نسب اللقي إليه عليه الصلاة والسلام لعدم قصد أبي هريرة لقيه عليه الصلاة والسلام في تلك الحالة ( وأنا جنب ) : جملة حالية ( فأخذ بيدي ) : للتأنيس ، وهذا يدل على كمال التفاته إليه ، وقول ابن حجر : ويحتمل أن يكون أخذه بها للاتكاء عليها بعيد ( فمشيت معه حتى قعد ) : وتخلصت يدي منه ( فانسللت ) : في النهاية أي : مضيت وخرجت بتأن وتدرج ، قيل : معناه انصرفت أو خرجت ، وذهبت بخفية استحياء منه وأدبا معه ( فأتيت الرحل ) : أي : البيت المعهود هنا ، وهو منزل نفسه ; لأن بيوتهم كانت محلا للرحال . وقال المظهر : أي ما بين الرحل ، وهو ما كان مع المسافر من الأقمشة ، والرحل أيضا الموضع الذي نزل فيه القوم ، نقله الطيبي ( فاغتسلت ) : أي : فيه ( ثم جئت ) : أي : جئته ( وهو قاعد ) :

[ ص: 434 ] الجملة حال من المفعول المقدر ( فقال : " أين كنت يا أبا هريرة ؟ " ) : كان اسمه في الإسلام عبد الله على الصحيح المشهور ، وهذه الكنية وضعها النبي صلى الله عليه وسلم له حين رأى في ثوبه شيئا يحمله فقال : " ما هذا يا أبا عبد الرحمن ؟ " فقال : هرة فقال : " أنت أبو هريرة " . ( فقلت له ) : أي : ذكرت له القصة ( فقال : " سبحان الله " ) : تعجبا من عدم علم أبي هريرة المسألة ( " إن المؤمن لا ينجس " ) بفتح الجيم أي : لا يصير عينه نجسا ، وهذا غير مختص بالمؤمن بل الكافر كذلك ، وأما قوله تعالى : إنما المشركون نجس فالنجاسة في اعتقاداتهم لا في أصل خلقتهم ، وما روي عن ابن عباس من أن أعيانهم نجسة كالخنزير ، وعن الحسن : من صافحهم فليتوضأ - فمحمول على المبالغة في التبعد عنهم ، واحتراز منهم . كذا قاله ابن الملك . وفي شرح السنة : فيه جواز مصافحة الجنب ومخالطته ، وهو قول عامة العلماء ، وافقوا على طهارة عرق الجنب ومخالطته ، وفيه دليل على جواز تأخير الاغتسال للجنب ، وأن يسعى في حوائجه ، قال القاضي رحمه الله : ويمكن أن يحتج به من يقول الحدث نجاسة حكمية ، وأن من وجب عليه وضوء أو غسل فهو نجس حكما ، وفيه أنه لو لم يكن نجس حكما لما حكم عليه بالطهارة . فقوله : لا ينجس أي : حقيقة لا حكما ، أو ظاهرا ، أو باطنا ، بخلاف الكافر ; فإنه نجس باطنا لنجاسة اعتقاده وخباثة أخلاقه . ( هذا لفظ البخاري ، ولمسلم معناه ، وزاد ) : أي : مسلم ( بعد قوله : فقلت له ) : أي : زيادة مشتملة على ما شرحنا أولا ، وهي ( لقيتني ) : إلى آخره ( وأنا جنب فكرهت أن أجالسك ) : أي : في هذه الحالة ( حتى أغتسل ) لأكون على طهارة حقيقية ( وكذا ) : أي : زاد ( البخاري في رواية أخرى ) : هذه الزيادة . قال السيد جمال الدين : فيه بحث ; لأن قوله : حتى اغتسل ليس للبخاري .




الخدمات العلمية