الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين

الفاء في قوله : فلنسألن عاطفة ، لترتيب الأخبار لأن وجود لام القسم علامة على أنه كلام أنف ، انتقال من خبر إلى خبر ، ومن قصة إلى قصة ، وهو انتقال من الخبر عن حالتهم الدنيوية إلى الخبر عن أحوالهم في الآخرة .

وأكد الخبر بلام القسم ونون التوكيد لإزالة الشك في ذلك .

وسؤال الذين أرسل إليهم سؤال عن بلوغ الرسالة . وهو سؤال تقريع في ذلك المحشر ، قال تعالى : ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين .

وسؤال المرسلين عن تبليغهم الرسالة سؤال إرهاب لأممهم ، لأنهم إذا سمعوا شهادة رسلهم عليهم أيقنوا بأنهم مسوقون إلى العذاب ، وقد تقدم ذلك في قوله : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وقوله يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم .

والذين أرسل إليهم ، هم أمم الرسل ، وعبر عنهم بالموصول لما تدل عليه الصلة من التعليل ، فإن فائدة الإرسال هي إجابة الرسل ، فلا [ ص: 27 ] جرم أن يسأل عن ذلك المرسل إليهم ، ولما كان المقصود الأهم من السؤال هو الأمم ، لإقامة الحجة عليهم في استحقاق العقاب ، قدم ذكرهم على ذكر الرسل ، ولما تدل عليه صلة ( الذي ) وصلة ( ال ) من أن المسئول عنه هو ما يتعلق بأمر الرسالة ، وهو سؤال الفريقين عن وقوع التبليغ .

ولما دل على هذا المعنى التعبير : بـ الذين أرسل إليهم والتعبير : بـ " المرسلين " لم يحتج إلى ذكر جواب المسئولين لظهور أنه إثبات التبليغ والبلاغ .

والفاء في قوله : فلنقصن عليهم للتفريع والترتيب على قوله : فلنسألن ، أي لنسألنهم ثم نخبرهم بتفصيل ما أجمله جوابهم ، أي فلنقصن عليهم تفاصيل أحوالهم ، أي فعلمنا غني عن جوابهم ولكن السؤال لغرض آخر .

وقد دل على إرادة التفصيل تنكير علم في قوله : " بعلم " أي علم عظيم ، فإن تنوين علم للتعظيم ، وكمال العلم إنما يظهر في العلم بالأمور الكثيرة ، وزاد ذلك بيانا قوله : وما كنا غائبين الذي هو بمعنى : لا يعزب عن علمنا شيء بغيب عنا ونغيب عنه .

والقص : الإخبار ، يقال : قص عليه ، بمعنى أخبره ، وتقدم في قوله تعالى : " يقص الحق " في سورة الأنعام .

وجملة : وما كنا غائبين معطوفة على فلنقصن عليهم بعلم ، وهي في موقع التذييل .

والغائب ضد الحاضر ، وهو هنا كناية عن الجاهل ، لأن الغيبة تستلزم الجهالة عرفا ، أي الجهالة بأحوال المغيب عنه ، فإنها ولو بلغته [ ص: 28 ] بالأخبار لا تكون تامة عنده مثل المشاهد ، أي : وما كنا جاهلين بشيء من أحوالهم ، لأننا مطلعون عليهم ، وهذا النفي للغيبة مثل إثبات المعية في قوله تعالى : وهو معكم أين ما كنتم .

وإثبات سؤال الأمم هنا لا ينافي نفيه في قوله تعالى : ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون وقوله فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان لأن المسئول عنه هنا هو التبليغ والمنفي في الآيتين الأخريين هو السؤال لمعرفة تفاصيل ذنوبهم ، وهو الذي أريد هنا في قوله : وما كنا غائبين .

التالي السابق


الخدمات العلمية