الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 148 ] مختصر من كتاب الشهادات وما دخله من الرسالة

                                                                                                                                            باب من تجوز شهادته ومن لا تجوز ومن يشهد بعد رد شهادته من الجامع ومن اختلاف الحكام وأدب القاضي وغير ذلك

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ليس من الناس أحد نعلمه - إلا أن يكون قليلا - يمحض الطاعة والمروءة حتى لا يخلطهما بمعصية ، ولا يمحض المعصية وترك المروءة حتى لا يخلطهما شيئا من الطاعة والمروءة ، فإذا كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة ، قبلت شهادته ، وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة ، ردت شهادته " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وإنما فصل المزني الشهادات كتابين ، أولا وثانيا ، لأن الأول متصل بالحكم فأضافه إلى أدب القاضي .

                                                                                                                                            والثاني : في صفة الشاهد في القبول والرد أفرده عن الأول .

                                                                                                                                            والمقبول الشهادة ، هو العدل ، والمردود الشهادة هو الفاسق ، فأما قبول شهادة من العدل ، فلقوله تعالى : وأشهدوا ذوي عدل منكم [ الطلاق : 2 ] . ولقوله : ممن ترضون من الشهداء [ البقرة : 282 ] . والرضا متوجه إلى العدل منتف عن الفاسق .

                                                                                                                                            وأما التوقف عن شهادة الفاسق فلقوله تعالى : " إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين [ الحجرات : 6 ] . والنبأ الخبر . وكل شهادة خبر ، وإن لم يكن كل خبر شهادة .

                                                                                                                                            ولقوله تعالى : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون [ السجدة : 18 ] . فالمنع من المساواة إذا أوجب قبول العدل ، أوجب رد الفاسق ، وقيل : إن هاتين الآيتين في الفاسق نزلتا في الوليد بن عقبة بن أبي معيط .

                                                                                                                                            وسبب نزول الآية الأولى فيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أنفذه إلى قبيلة مصدقا ، فأخذ من صدقتها ، وكان بينه وبين القوم إحن ، فتوجه إليهم ، وعاد ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم منعوه الصدقة ، ولم يمنعوه ، فهم بغزوهم حتى أنزل الله تعالى فيه : " إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا " فكف عنهم وعلم بحالهم .

                                                                                                                                            وأما الآية الثانية فسبب نزولها : أنه استطال على علي بن أبي طالب عليه السلام [ ص: 149 ] ذات يوم وقال : أنا أثبت منك جنانا ، وأفصح منك لسانا ، وأهد منك سنانا فنزل فيه أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون " يعني بالمؤمن علي بن أبي طالب وبالفاسق الوليد بن عقبة . لا يستوون يعني في أحكام الدنيا ومنازل الآخرة .

                                                                                                                                            وأما اسم العدل فهو العديل ، لأنه معادل لما جازاه والمعادلة المساواة . وهو في الشرع حقيقة فيمن كان مرضي الدين والمروءة لاعتداله .

                                                                                                                                            وأما اسم الفاسق فهو في اللغة : مأخوذ من الخروج عن الشيء يقال : فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها . فسمي الغراب فاسقا لخروجه من مألفه ، وسميت الفأرة فويسقة لخروجها من جحرها .

                                                                                                                                            وهو في الشرع حقيقة فيمن كان مسخوط الدين والطريقة لخروجه عن الاعتدال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية