الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
[ ص: 237 ] فصل

أما ما احتج به الجبرية من قوله تعالى : ( لا يسأل عما يفعل ) فدليل حق استدل به على باطل ، فإن الآية إنما سيقت لبيان توحيده سبحانه وبطلان إلهية ما سواه ، وأن كل من عداه مربوب مأمور منهي مسئول عن فعله ، وهو سبحانه ليس فوقه من يسأله عما يفعله ، قال تعالى : ( أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) فلم تكن الآية مسوقة لبيان أنه لا يفعل بحكمة ولا لغاية محمودة مطلوبة بالفعل ، وأنه يفعل ما يفعله بلا حكمة ولا سبب ولا غاية ، بل الآية دلت على نقيض ذلك ، وأنه لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته وحمده وأن أفعاله صادرة عن تمام الحكمة والرحمة والمصلحة ، فكمال علمه وحكمته وربوبيته ينافي اعتراض المعترضين عليه وسؤال السائلين له ، وهم حملوا الآية على أنه يسأل عما يفعله لقهره وسلطانه ، ومعلوم أن هذا ليس بمدح من كل وجه وإن تضمن مدحا من جهة القدرة والسلطان ، وإنما المدح التام أن يتضمن ذلك حكمته حمده ووقوع أفعاله على أتم المصالح ، ومطابقته للحكمة والغايات المحمودة ، فلا يسأل عما يفعله لكمال ملكه وكمال حمده ، فله الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، فاستدلال نفاة الحكمة بهذه الآية كاستدلال نفاة الصفات بقوله تعالى : ( ليس كمثله شيء ) والآيتان دالتان على ضد قول الطائفتين ، فليس كمثله شيء لكمال صفاته التي بكمالها وقيامها به لم يكن كمثله شيء ولا يسأل عما يفعل لكمال حكمته وحمده .

التالي السابق


الخدمات العلمية