الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما

                                                                                                                                                                                                        4488 حدثنا عبدان أخبرنا أبي عن شعبة عن منصور عن سعيد بن جبير قال أمرني عبد الرحمن بن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين ومن يقتل مؤمنا متعمدا فسألته فقال لم ينسخها شيء وعن والذين لا يدعون مع الله إلها آخر قال نزلت في أهل الشرك [ ص: 354 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 354 ] قوله : ( عن هاتين الآيتين ومن يقتل مؤمنا متعمدا فسألته فقال : لم ينسخها شيء ، وعن والذين يدعون مع الله إلها آخر قال : نزلت في أهل الشرك ) هكذا أورده مختصرا ، وسياق مسلم من هذا الوجه أتم ، وأتم منهما ما تقدم في المبعث من رواية جرير بلفظ " هاتين الآيتين ما أمرهما ؟ التي في سورة الفرقان والذين لا يدعون مع الله إلها آخر والتي في سورة النساء ومن يقتل مؤمنا متعمدا قال : سألت ابن عباس فقال : لما أنزلت التي في سورة الفرقان قال مشركوا مكة : قد قتلنا النفس ودعونا مع الله إلها آخر وأتينا الفواحش ، قال : فنزلت إلا من تاب الآية ، قال : فهذه لأولئك ، قال : وأما التي في سورة النساء فهو الذي قد عرف الإسلام ثم قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم لا توبة له ، قال . فذكرت ذلك لمجاهد فقال : إلا من ندم " وحاصل ما في هذه الروايات أن ابن عباس كان تارة يجعل الآيتين في محل واحد فلذلك يجزم بنسخ إحداهما ، وتارة يجعل محلهما مختلفا . ويمكن الجمع بين كلاميه بأن عموم التي في الفرقان خص منها مباشرة المؤمن القتل متعمدا ، وكثير من السلف يطلقون النسخ على التخصيص ، وهذا أولى من حمل كلامه على التناقض ، وأولى من دعوى أنه قال بالنسخ ثم رجع عنه . وقول ابن عباس بأن المؤمن إذا قتل مؤمنا متعمدا لا توبة له مشهور عنه ، وقد جاء عنه في ذلك ما هو أصرح مما تقدم : فروى أحمد والطبري من طريق يحيى الجابر والنسائي وابن ماجه من طريق عمار الذهبي كلاهما عن سالم بن أبي الجعد قال : " كنت عند ابن عباس بعدما كف بصره ، فأتاه رجل فقال : ما ترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا ؟ قال : جزاؤه جهنم خالدا فيها ، وساق الآية إلى عظيما قال : لقد نزلت في آخر ما نزل ، وما نسخها شيء حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما نزل وحي بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : أفرأيت إن تاب وآمن وعمل عملا صالحا ثم اهتدى ؟ قال : وأنى له التوبة والهدى " لفظ يحيى الجابر ، والآخر نحوه . وجاء على وفق ما ذهب إليه ابن عباس في ذلك أحاديث كثيرة : منها ما أخرجه أحمد والنسائي من طريق أبي إدريس الخولاني عن معاوية سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : كل ذنب عسى الله أن يغفره ; إلا الرجل يموت كافرا ، والرجل يقتل مؤمنا متعمدا وقد حمل جمهور السلف وجميع أهل السنة ما ورد من ذلك على التغليظ ، وصححوا توبة القاتل كغيره ، وقالوا : معنى قوله : فجزاؤه جهنم أي إن شاء الله أن يجازيه تمسكا بقوله تعالى في سورة النساء أيضا : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن الحجة في ذلك حديث الإسرائيلي الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ثم أتى تمام المائة فقال له : لا توبة ، فقتله فأكمل به مائة . ثم جاء آخر فقال : " ومن يحول بينك وبين التوبة " الحديث ، وهو مشهور ، وسيأتي في الرقاق واضحا . وإذا ثبت ذلك لمن قبل من غير هذه الأمة فمثله لهم أولى لما خفف الله عنهم من الأثقال التي كانت على من قبلهم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية