الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين

استئناف لتهديد المشركين الذين كانوا يكذبون الإنذار بعذاب الإهلاك فيقولون : متى هذا الفتح إن كنتم صادقين وذلك ما يؤذن به قوله عقبه : إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين .

فالخطاب يجوز أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم والمقصود منه التعريض بمن يغفل عن ذلك من المشركين فيكون تهديدا صريحا .

والمعنى : إن يشأ الله يعجل بإفنائكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء ممن يؤمن به كما قال : وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم أي : فما إمهاله إياكم إلا لأنه الغني ذو الرحمة .

[ ص: 87 ] جملة الشرط وجوابه خبر ثالث عن المبتدأ ، ومفعول ( يشاء ) محذوف على طريقته المألوفة في حذف مفعول المشيئة .

والإذهاب مجاز في الإعدام كقوله : وإنا على ذهاب به لقادرون .

والاستخلاف : جعل الخلف عن الشيء ، والخلف : العوض عن شيء فائت ، فالسين والتاء فيه للتأكيد ، و ( ما ) موصولة عامة ؛ أي : ما يشاء من مؤمنين أو كافرين على ما تقتضيه حكمته ، وهذا تعريض بالاستئصال ؛ لأن ظاهر الضمير يفيد العموم .

والتشبيه في قوله : كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين تشبيه في إنشاء موجودات بعد موجودات أخرى ، لا في كون المنشئات مخرجة من بقايا المعدومات كما أنشأ البشر نشأة ثانية من ذرية من أنجاهم الله في السفينة مع نوح عليه السلام ، فيكون الكلام تعريضا بإهلاك المشركين ونجاة المؤمنين من العذاب .

وكاف التشبيه في محل نصب نيابة عن المفعول المطلق ؛ ؛ لأنها وصف لمحذوف تقديره استخلافا كما أنشأكم ، فإن الإنشاء يصف كيفية الاستخلاف ، و ( من ) ابتدائية ، ومعنى الذرية واشتقاقها تقدم عند قوله تعالى : قال ومن ذريتي في سورة البقرة .

ووصف قوم بـ ( آخرين ) للدلالة على المغايرة ؛ أي : قوم ليسوا من قبائل العرب ، وذلك تنبيه على عظيم قدرة الله تعالى أن ينشئ أقواما من أقوام يخالفونهم في اللغة والعوائد والمواطن ، وهذا كناية عن تباعد العصور ، وتسلسل المنشآت ؛ لأن الاختلاف بين الأصول والفروع لا يحدث إلا في أزمنة بعيدة ، فشتان بين أحوال قوم نوح وبين أحوال العرب المخاطبين ، وبين ذلك قرون مختلفة متباعدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية