الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قوله فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا مذهبا يسرب يسلك ومنه وسارب بالنهار

                                                                                                                                                                                                        4449 حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدثه عن سعيد بن جبير قال إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال سلوني قلت أي أبا عباس جعلني الله فداءك بالكوفة رجل قاص يقال له نوف يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل أما عمرو فقال لي قال قد كذب عدو الله وأما يعلى فقال لي قال ابن عباس حدثني أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى رسول الله عليه السلام قال ذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى فأدركه رجل فقال أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك قال لا فعتب عليه إذ لم يرد العلم إلى الله قيل بلى قال أي رب فأين قال بمجمع البحرين قال أي رب اجعل لي علما أعلم ذلك به فقال لي عمرو قال حيث يفارقك الحوت وقال لي يعلى قال خذ نونا ميتا حيث ينفخ فيه الروح فأخذ حوتا فجعله في مكتل فقال لفتاه لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت قال ما كلفت كثيرا فذلك قوله جل ذكره وإذ قال موسى لفتاه يوشع بن نون ليست عن سعيد قال فبينما هو في ظل صخرة في مكان ثريان إذ تضرب الحوت وموسى نائم فقال فتاه لا أوقظه حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره وتضرب الحوت حتى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كأن أثره في حجر قال لي عمرو هكذا كأن أثره في حجر وحلق بين إبهاميه واللتين تليانهما لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال قد قطع الله عنك النصب ليست هذه عن سعيد أخبره فرجعا فوجدا خضرا قال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسة خضراء على كبد البحر قال سعيد بن جبير مسجى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال هل بأرضي من سلام من أنت قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم قال فما شأنك قال جئت لتعلمني مما علمت رشدا قال أما يكفيك أن التوراة بيديك وأن الوحي يأتيك يا موسى إن لي علما لا ينبغي لك أن تعلمه وإن لك علما لا ينبغي لي أن أعلمه فأخذ طائر بمنقاره من البحر وقال والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغارا تحمل أهل هذا الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر عرفوه فقالوا عبد الله الصالح قال قلنا لسعيد خضر قال نعم لا نحمله بأجر فخرقها ووتد فيها وتدا قال موسى أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال مجاهد منكرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا كانت الأولى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا لقيا غلاما فقتله قال يعلى قال سعيد وجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا ظريفا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لم تعمل بالحنث وكان ابن عباس قرأها زكية زاكية مسلمة كقولك غلاما زكيا فانطلقا فوجدا جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال سعيد بيده هكذا ورفع يده فاستقام قال يعلى حسبت أن سعيدا قال فمسحه بيده فاستقام لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال سعيد أجرا نأكله وكان وراءهم وكان أمامهم قرأها ابن عباس أمامهم ملك يزعمون عن غير سعيد أنه هدد بن بدد والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور ملك يأخذ كل سفينة غصبا فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول سدوها بقارورة ومنهم من يقول بالقار كان أبواه مؤمنين وكان كافرا فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة لقوله أقتلت نفسا زكية وأقرب رحما هما به أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر وزعم غير سعيد أنهما أبدلا جارية وأما داود بن أبي عاصم فقال عن غير واحد إنها جارية [ ص: 264 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 264 ] قوله باب قوله : فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما ووقع في رواية الأصيلي ( فلما بلغ مجمع بينهما ) والأول هو الموافق للتلاوة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فاتخذ سبيله في البحر سربا : مذهبا ، يسرب يسلك . ومنه : وسارب بالنهار ) قال أبو عبيدة في قوله تعالى : فاتخذ سبيله في البحر سربا أي مسلكا ومذهبا يسرب فيه ، وفي آية أخرى وسارب بالنهار وقال أيضا في قوله : ( وسارب بالنهار ) : سالك في سربه أي مذهبه ، ومنه أصبح فلان آمنا في سربه ، ومنه انسرب فلان إذا مضى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يزيد أحدهما على صاحبه ) يستفاد بيان زيادة أحدهما على الآخر من الإسناد الذي قبله ، فإن الأول من رواية سفيان عن عمرو بن دينار فقط وهو أحد شيخي ابن جريج فيه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وغيرهما قد سمعته يحدثه ) أي يحدث الحديث المذكور ، وعداه بغير الباء . ووقع في رواية الكشميهني يحدث بحذف المفعول ، وقد عين ابن جريج بعض من أبهمه كعثمان بن أبي سليمان ، وروى شيئا من هذه القصة [ ص: 265 ] عن سعيد بن جبير من مشايخ ابن جريج عبد الله بن عثمان بن خثيم وعبد الله بن هرمز وعبد الله بن عبيد بن عمير ، وممن روى هذا الحديث عن سعيد بن جبير أبو إسحاق السبيعي وروايته عند مسلم وأبي داود وغيرهما ، والحكم بن عتيبة وروايته في السيرة الكبرى لابن إسحاق ، وسأذكر بيان ما في رواياتهم من فائدة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إذ قال : سلوني ) فيه جواز قول العالم ذلك ، ومحله إذا أمن العجب أو دعت الضرورة إليه كخشية نسيان العلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أي أبا عباس ) هي كنية عبد الله بن عباس .

                                                                                                                                                                                                        وقوله : ( جعلني الله فداءك ) فيه حجة لمن أجاز ذلك خلافا لمن منعه ، وسيأتي البحث فيه في كتاب الأدب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إن بالكوفة رجلا قاصا ) في رواية الكشميهني " بالكوفة رجل قاص " بحذف إن من أوله ، والقاص بتشديد المهملة الذي يقص على الناس الأخبار من المواعظ وغيرها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يقال له نوف ) بفتح النون وسكون الواو بعدها فاء ، وفي رواية سفيان " أن نوفا البكالي " وهو بكسر الموحدة مخففا وبعد الألف لام ، ووقع عند بعض رواة مسلم بفتح أوله والتشديد والأول هو الصواب ، واسم أبيه فضالة بفتح الفاء وتخفيف المعجمة ، وهو منسوب إلى بني بكال بن دعمي بن سعد بن عوف بطن من حمير ، ويقال إنه ابن امرأة كعب الأحبار وقيل ابن أخيه وهو تابعي صدوق . وفي التابعين جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة ابن نوف البكيلي بفتح الموحدة وكسر الكاف مخففا بعدها تحتانية بعدها لام منسوب إلى بكيل بطن من همدان ، ويكنى أبا الوداك بتشديد الدال ، وهو مشهور بكنيته ، ومن زعم أنه ولد نوف البكالي فقد وهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل ) في رواية سفيان يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل . ووقع في رواية ابن إسحاق عن سعيد بن جبير عند النسائي قال : " كنت عند ابن عباس وعنده قوم من أهل الكتاب فقال بعضهم : يا أبا عباس إن نوفا يزعم عن كعب الأحبار أن موسى الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا أي ابن أفرائيم بن يوسف - عليه السلام - ، فقال ابن عباس : أسمعت ذلك منه يا سعيد ؟ قلت : نعم . قال : كذب نوف " وليس بين الروايتين تعارض لأنه يحمل على أن سعيدا أبهم نفسه في هذه الرواية ويكون قوله : فقال بعضهم أي بعض الحاضرين ، لا أهل الكتاب ، ووقع عند مسلم من هذا الوجه " قيل لابن عباس " بدل قوله : " فقال بعضهم " وعند أحمد في رواية أبي إسحاق " وكان ابن عباس متكئا فاستوى جالسا وقال : أكذاك يا سعيد ؟ قلت : نعم أنا سمعته " وقال ابن إسحاق في " المبتدأ " : كان موسى بن ميشا قبل موسى بن عمران نبيا في بني إسرائيل ، ويزعم أهل الكتاب أنه الذي صحب الخضر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أما عمرو ) ابن دينار ( قال لي : كذب عدو الله ) أراد ابن جريج أن هذه الكلمة وقعت في رواية عمرو بن دينار دون رواية يعلى بن مسلم ، وهو كما قال ، فإن سفيان رواها أيضا عن عمرو بن دينار كما مضى ، وسقط ذلك من رواية يعلى بن مسلم . وقوله : كذب وقوله : عدو الله محمولان على إرادة المبالغة في الزجر والتنفير عن تصديق تلك المقالة ، وقد كانت هذه المسألة دارت أولا بين ابن عباس والحر بن قيس الفزاري وسألا عن ذلك أبي بن كعب ، لكن لم يفصح في تلك الرواية ببيان ما تنازعا فيه ، وقد تقدم بيان ذلك في كتاب العلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) في رواية سفيان أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 266 ] قوله : ( قال : ذكر ) هو بتشديد الكاف أي وعظهم ، وفي رواية ابن إسحاق عند النسائي ( فذكرهم بأيام الله ) . وأيام الله نعماؤه " ولمسلم من هذا الوجه " يذكرهم بأيام الله ، وآلاء الله نعماؤه وبلاؤه " وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في تفسير سورة إبراهيم ، وفي رواية سفيان " قام خطيبا في بني إسرائيل " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ) يظهر لي أن هذا القدر من زيادة يعلى بن مسلم على عمرو بن دينار ، لأن ذلك لم يقع في رواية سفيان عن عمرو وهو أثبت الناس فيه ، وفيه أن الواعظ إذا أثر وعظه في السامعين فخشعوا وبكوا ينبغي أن يخفف لئلا يملوا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأدركه رجل ) لم أقف على اسمه ، وهو يقتضي أن السؤال عن ذلك وقع بعد أن فرغ من الخطبة وتوجه ، ورواية سفيان توهم أن ذلك وقع في الخطبة ، لكن يمكن حملها على هذه الرواية ، فإن لفظة " قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل " فتحمل على أن فيه حذفا تقديره : قام خطيبا فخطب ففرغ فتوجه فسئل ، والذي يظهر أن السؤال وقع وموسى بعد لم يفارق المجلس ، ويؤيده أن في منازعة ابن عباس والحر بن قيس " بينما موسى في ملأ بني إسرائيل جاءه رجل فقال : هل تعلم أحدا أعلم منك " الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هل في الأرض أحد أعلم منك ؟ قال : لا ) في رواية سفيان " فسئل أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا " وبين الروايتين فرق ، لأن رواية سفيان تقتضي الجزم بالأعلمية له ورواية الباب تنفي الأعلمية عن غيره عليه فيبقى احتمال المساواة ، ويؤيد رواية الباب أن في قصة الحر بن قيس " فقال : هل تعلم أحدا أعلم منك ؟ قال : لا " وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم " فقال : ما أعلم في الأرض رجلا خيرا وأعلم مني ، فأوحى الله إليه : إني أعلم بالخير عند من هو ، وإن في الأرض رجلا هو أعلم منك " وقد تقدم في كتاب العلم البحث عما يتعلق بقوله : " فعتب الله عليه " وهذا اللفظ في العلم ، ووقع هنا " فعتب " بحذف الفاعل ، وقوله في رواية الباب : " قيل بلى " وقع في رواية سفيان " فأوحى الله إليه : إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك " وفي قصة الحر بن قيس " فأوحى الله إلى موسى " بلى عبدنا خضر " وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم " أن في الأرض رجلا هو أعلم منك " وعند عبد بن حميد من طريق هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس " أن موسى قال : أي رب ، أي عبادك أعلم ؟ قال : الذي يبتغي علم الناس إلى علمه ، قال : من هو وأين هو ؟ قال : الخضر ، تلقاه عند الصخرة " وذكر له حليته . وفي هذه القصة " وكان موسى حدث نفسه بشيء من فضل علمه أو ذكره على منبره " وتقدم في كتاب العلم شرح هذه اللفظة وبيان ما فيها من إشكال والجواب عنه مستوفى . ووقع في رواية أبي إسحاق عند النسائي " أن من عبادي من آتيته من العلم ما لم أوتك " وهو يبين المراد أيضا . وعند عبد بن حميد من طريق أبي العالية ما يدل على أن الجواب وقع في نفس موسى قبل أن يسأل ولفظه " لما أوتي موسى التوراة وكلمه الله وجد في نفسه أن قال من أعلم مني " ونحوه عند النسائي من وجه آخر عن ابن عباس وأن ذلك وقع في حال الخطبة ولفظه " قام موسى خطيبا في بني إسرائيل فأبلغ في الخطبة ، فعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتي " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال : أي رب فأين ) في رواية سفيان " قال : يا رب فكيف لي به " وفي رواية النسائي المذكورة " قال : فادللني على هذا الرجل حتى أتعلم منه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( اجعل لي علما ) بفتح العين واللام أي علامة ، وفي قصة الحر بن قيس : فجعل الله له الحوت آية " وفي رواية سفيان " فكيف لي به " وفي قصة الحر بن قيس " فسأل موسى السبيل إلى لقيه " .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 267 ] قوله : ( أعلم ذلك به ) أي المكان الذي أطلب فيه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال لي عمرو ) هو ابن دينار ، والقائل هو ابن جريج .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال : حيث يفارقك الحوت ) يعني فهو ثم ، وقع ذلك مفسرا في رواية سفيان عن عمرو قال : " تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل ، فحيث ما فقدت الحوت فهو ثم " ونحوه في قصة الحر بن قيس ولفظه " وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال لي يعلى ) هو ابن مسلم ، والقائل أيضا هو ابن جريج .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال : خذ حوتا ) في رواية الكشميهني " نونا " وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم " فقيل له تزود حوتا مالحا ، فإنه حيث تفقد الحوت " ويستفاد من هذه الرواية أن الحوت كان ميتا لأنه لا يملح وهو حي ، ومنه تعلم الحكمة في تخصيص الحوت دون غيره من الحيوانات لأن غيره لا يؤكل ميتا ، ولا يرد الجراد لأنه قد يفقد وجوده لا سيما بمصر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حيث ينفخ فيه الروح ) هو بيان لقوله في الروايات الأخرى : " حيث تفقده " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأخذ حوتا فجعله في مكتل ) في رواية الربيع بن أنس عند ابن أبي حاتم أنهما اصطاداه ، يعني موسى وفتاه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال لفتاه ) في رواية سفيان " ثم انطلق وانطلق معه بفتاه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما كلفت كثيرا ) للأكثر بالمثلثة وللكشميهني بالموحدة .

                                                                                                                                                                                                        قوله . ( فلذلك قوله : وإذ قال موسى لفتاه يوشع بن نون ، ليست عن سعيد ) القائل ليست عن سعيد هو ابن جريج ، ومراده أن تسمية الفتى ليست عنده في رواية سعيد بن جبير ، ويحتمل أن يكون الذي نفاه صورة السياق لا التسمية فإنها وقعت في رواية سفيان عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير ولفظه " ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون " وقد تقدم بيان نسب يوشع في أحاديث الأنبياء ، وأنه الذي قام في بني إسرائيل بعد موت موسى ، ونقل ابن العربي أنه كان ابن أخت موسى ، وعلى القول الذي نقله نوف بن فضالة من أن موسى صاحب هذه القصة ليس هو ابن عمران فلا يكون فتاه يوشع بن نون ، وقد روى الطبري من طريق عكرمة قال : قيل لابن عباس : لم نسمع لفتى موسى بذكر من حين لقي الخضر ، فقال ابن عباس : إن الفتى شرب من الماء الذي شرب منه الحوت فخلد ، فأخذه العالم فطابق به بين لوحين ثم أرسله في البحر فإنها لتموج به إلى يوم القيامة ، وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه . قال أبو نصر بن القشيري : إن ثبت هذا فليس هو يوشع . قلت : لم يثبت ، فإن إسناده ضعيف . وزعم ابن العربي أن ظاهر القرآن يقتضي أن الفتى ليس هو يوشع ، وكأنه أخذ من لفظ الفتى أو أنه خاص بالرقيق ، وليس بجيد لأن الفتى مأخوذ من الفتي وهو الشباب ، وأطلق ذلك على من يخدم المرء سواء كان شابا أو شيخا ، لأن الأغلب أن الخدم تكون شبانا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فبينما هو في ظل صخرة ) في رواية سفيان " حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رءوسهما فناما " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( في مكان ثريان ) بمثلثة مفتوحة وراء ساكنة ثم تحتانية أي مبلول .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 268 ] قوله : ( إذ تضرب الحوت ) بضاد معجمة وتشديد وهو تفعل من الضرب في الأرض وهو السير ، وفي رواية سفيان " واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر " وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم " فاضطرب الحوت في الماء " ولا مغايرة بينهما ، لأنه اضطرب أولا في المكتل فلما سقط في الماء اضطرب أيضا ، فاضطرابه الأول فيما في مبدأ ما حيي ، والثاني في سيره في البحر حيث اتخذ فيه مسلكا . وفي رواية قتيبة عن سفيان في الباب الذي يليه من الزيادة قال سفيان : وفي غير حديث عمرو " وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شيء إلا حيي ، فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر " وحكى ابن الجوزي أن في روايته في البخاري " الحيا " بغير هاء قال : وهو ما يحيى به الناس ، وهذه الزيادة التي ذكر سفيان أنها في حديث غير عمرو قد أخرجها ابن مردويه من رواية إبراهيم بن يسار عن سفيان مدرجة في حديث عمرو ولفظه " حتى انتهينا إلى الصخرة فقال موسى عندها - أي نام - قال : وكان عند الصخرة عين ماء يقال لها : عين الحياة لا يصيب من ذلك الماء ميت إلا عاش ، فقطرت من ذلك الماء على الحوت قطرة فعاش ، وخرج من المكتل فسقط في البحر " وأظن أن ابن عيينة أخذ ذلك عن قتادة ، فقد أخرج ابن أبي حاتم من طريقه قال : " فأتى على عين في البحر يقال لها عين الحياة ، فلما أصاب تلك العين رد الله روح الحوت إليه " وقد أنكر الداودي فيما حكاه ابن التين هذه الزيادة فقال : لا أرى هذا يثبت ، فإن كان محفوظا فهو من خلق الله وقدرته . قال : لكن في دخول الحوت العين دلالة على أنه كان حيي قبل دخوله ، فلو كان كما في هذا الخبر لم يحتج إلى العين . قال : والله قادر على أن يحييه بغير العين انتهى . قال : ولا يخفى ضعف كلامه دعوى واستدلالا ، وكأنه ظن أن الماء الذي دخل فيه الحوت هو ماء العين ، وليس كذلك بل الأخبار صريحة في أن العين عند الصخرة وهي غير البحر وكأن الذي أصاب الحوت من الماء كان شيئا من رشاش ، ولعل هذه العين إن ثبت النقل فيها مستند من زعم أن الخضر شرب من عين الحياة فخلد ، وذلك مذكور عن وهب بن منبه وغيره ممن كان ينقل من الإسرائيليات . وقد صنف أبو جعفر بن المنادي في ذلك كتابا وقرر أنه لا يوثق بالنقل فيما يوجد من الإسرائيليات .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وموسى نائم ، فقال فتاه : لا أوقظه ، حتى إذا استيقظ فنسي أن يخبره ) في الكلام حذف تقديره حتى إذا استيقظ سار فنسي . وأما قوله تعالى : نسيا حوتهما فقيل نسب النسيان إليهما تغليبا ، والناسي هو الفتى ، نسي أن يخبر موسى كما في هذا الحديث . وقيل : بل المراد أن الفتى نسي أن يخبر موسى بقصة الحوت ، ونسي موسى أن يستخبره عن شأن الحوت بعد أن استيقظ لأنه حينئذ لم يكن معه وكان بصدد أن يسأله أين هو فنسي ذلك . وقيل : بل المراد بقوله : ( نسيا ) أخرا ، مأخوذ من النسي بكسر النون وهو التأخير ، والمعنى أنهما أخرا افتقاده لعدم الاحتياج إليه ، فلما احتاجا إليه ذكراه . وهو بعيد ، بل صريح الآية يدل على صحة صريح الخبر ، وأن الفتى اطلع على ما جرى للحوت ونسي أن يخبر موسى بذلك . ووقع عند مسلم في رواية أبي إسحاق " أن موسى تقدم فتاه لما استيقظ فسار ، فقال فتاه : ألا ألحق نبي الله فأخبره ، قال : فنسي أن يخبره " وذكر ابن عطية أنه رأى سمكة أحد جانبيها شوك وعظم وجلد رقيق على أحشائها ونصفها الثاني صحيح ، ويذكر أهل ذلك المكان أنها من نسل حوت موسى ، إشارة إلى أنه لما حيي بعد أن أكل منه استمرت فيه تلك الصفة ثم في نسله ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 269 ] قوله : ( فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كان أثره في حجر ) كذا فيه بفتح الحاء المهملة والجيم ، وفي رواية جحر بضم الجيم وسكون المهملة وهو واضح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال لي عمرو ) القائل هو ابن جريج ( كأن أثره في حجر وحلق بين إبهاميه والتي ) في رواية الكشميهني " واللتين تليانهما " يعني السبابتين . وفي رواية سفيان عن عمرو " فصار عليه مثل الطاق " وهو يفسر ما أشار إليه من الصفة . وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم " فاضطرب الحوت في الماء فجعل لا يلتئم عليه ، صار مثل الكوة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لقد لقينا من سفرنا هـذا نصبا ) كذا وقع هنا مختصرا ، وفي رواية سفيان " فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هـذا نصبا " قال الداودي : هذه الرواية وهم . وكأنه فهم أن الفتى لم يخبر موسى إلا بعد يوم وليلة ، وليس ذلك المراد بل المراد أن ابتداءها من يوم خرجا لطلبه ، ويوضح ذلك ما في رواية أبي إسحاق عند مسلم " فلما تجاوزا قال لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هـذا نصبا قال : ولم يصبه نصب حتى تجاوزا " وفي رواية سفيان المذكورة " ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال : قد قطع الله عنك النصب ، ليست هذه عن سعيد ) هو قول ابن جريج ، ومراده أن هذه اللفظة ليست في الإسناد الذي ساقه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أخره ) كذا عند أبي ذر بهمزة ومعجمة وراء وهاء ، ثم في نسخة منه بمد الهمزة وكسر الخاء وفتح الراء بعدها هـاء ضمير أي إلى آخر الكلام وأحال ذلك على سياق الآية ، وفي أخرى بفتحات وتاء تأنيث منونة منصوبة ، وفي رواية غير أبي ذر " أخبره " بفتح الهمزة وسكون الخاء ثم موحدة من الإخبار ، أي أخبر الفتى موسى بالقصة . ووقع في رواية سفيان " فقال له فتاه : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فساق الآية إلى عجبا قال : فكان للحوت سربا ولموسى عجبا " ولابن أبي حاتم من طريق قتادة قال : عجب موسى أن تسرب حوت مملح في مكتل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فرجعا فوجدا خضرا ) في رواية سفيان " فقال موسى : ذلك ما كنا نبغ أي نطلب " وفي رواية للنسائي " هذه حاجتنا " وذكر موسى ما كان الله عهد إليه يعني في أمر الحوت .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فارتدا على آثارهما قصصا قال : رجعا يقصان آثارهما ) [1] أي آثار سيرهما ( حتى انتهيا إلى الصخرة ) زاد النسائي في رواية له " التي فعل فيها الحوت ما فعل " وهذا يدل على أن الفتى لم يخبر موسى حتى سارا زمانا ، إذ لو أخبره أول ما استيقظ ما احتاجا إلى اقتصاص آثارهما .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فوجدا خضرا ) تقدم ذكر نسبه وشرح حاله في أحاديث الأنبياء ، وفي رواية سفيان " حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل " ، وزعم الداودي أن هذه الرواية وهم وأنهما إنما وجداه في جزيرة البحر . قلت : ولا مغايرة بين الروايتين ، فإن المراد أنهما لما انتهيا إلى الصخرة تتبعاه إلى أن وجداه في الجزيرة . ووقع في رواية أبي إسحاق عند مسلم " فأراه مكان الحوت فقال : ههنا وصف لي ، فذهب يلتمس فإذا هو [ ص: 270 ] بالخضر " . وروى ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس قال : انجاب الماء عن مسلك الحوت فصار كوة ، فدخلها موسى على أثر الحوت فإذا هو بالخضر . وروى ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال : فرجع موسى حتى أتى الصخرة فوجد الحوت ، فجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت ، وجعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى يصير صخرة ، فجعل موسى يعجب من ذلك حتى انتهى إلى جزيرة في البحر فلقي الخضر . ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال : بلغنا عن ابن عباس أن موسى دعا ربه ومعه ماء في سقاء يصب منه في البحر فيصير حجرا فيأخذ فيه ، حتى انتهى إلى صخرة فصعدها وهو يتشوف هل يرى الرجل ، ثم رآه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال لي عثمان بن أبي سليمان : على طنفسة خضراء ) القائل هو ابن جريج ، وعثمان هو ابن أبي سليمان بن جبير بن مطعم وهو ممن أخذ هذا الحديث عن سعيد بن جبير ، وروى عبد بن حميد من طريق ابن المبارك عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان قال : رأى موسى الخضر على طنفسة خضراء على وجه الماء انتهى . والطنفسة فرش صغير وهي بكسر الطاء والفاء بينهما نون ساكنة وبضم الطاء والفاء وبكسر الطاء وبفتح الفاء لغات .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال سعيد بن جبير : مسجى بثوبه ) هو موصول بالإسناد المذكور ، وفي رواية سفيان " فإذا رجل مسجى بثوب " وفي رواية مسلم " مسجى ثوبا مستلقيا على القفا " ولعبد بن حميد من طريق أبي العالية " فوجده نائما في جزيرة من جزائر البحر ملتفا بكساء " ولابن أبي حاتم من وجه آخر عن السدي " فرأى الخضر وعليه جبة من صوف وكساء من صوف ومعه عصا قد ألقى عليها طعامه ، قال : وإنما سمي الخضر لأنه كان إذا أقام في مكان نبت العشب حوله " انتهى . وقد تقدم في أحاديث الأنبياء حديث أبي هريرة رفعه " إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هـي تهتز تحته خضراء " والمراد بالفروة وجه الأرض .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه ) في رواية أبي إسحاق عند مسلم " فقال : السلام عليكم ، فكشف الثوب عن وجهه وقال : وعليكم السلام " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال : هل بأرضي من سلام ) في رواية الكشميهني " بأرض " بالتنوين ، وفي رواية سفيان " قال : وأنى بأرضك السلام " وهي بمعنى أين أو كيف ، وهو استفهام استبعاد يدل على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا إذ ذاك مسلمين ، ويجمع بين الروايتين بأنه استفهمه بعد أن رد عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من أنت ؟ قال أنا موسى . قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم ) وسقط من رواية سفيان قوله : " من أنت " وفي رواية أبي إسحاق " قال : من أنت ؟ قال : موسى . قال : من موسى ؟ قال : موسى بني إسرائيل " ويجمع بينهما بأن الخضر أعاد ذلك تأكيدا . وأما ما أخرجه عبد بن حميد من طريق الربيع بن أنس في هذه القصة . فقال موسى : السلام عليك يا خضر ، فقال : وعليك السلام يا موسى ، قال : وما يدريك أني موسى ؟ قال : أدراني بك الذي أدراك بي وهذا إن ثبت فهو من الحجج على أن الخضر نبي ، لكن يبعد ثبوته قوله في الرواية التي في الصحيح " من أنت ؟ قال : أنا موسى . قال : موسى بني إسرائيل " الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال : فما شأنك ) في رواية أبي إسحاق " قال : ما جاء بك " ؟ قوله : ( جئت لتعلمني مما علمت رشدا ) قرأ أبو عمرو بفتحتين والباقون كلهم بضم أوله وسكون ثانيه ، والجمهور على أنهما بمعنى كالبخل والبخل ، وقيل بفتحتين : الدين ، وبضم ثم سكون : صلاح النظر . وهو منصوب على [ ص: 271 ] أنه مفعول ثان لتعلمني ، وأبعد من قال إنه لقوله : " علمت " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أما يكفيك أن التوراة بيديك وأن الوحي يأتيك ) سقطت هذه الزيادة من رواية سفيان ، فالذي يظهر أنها من رواية يعلى بن مسلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يا موسى إن لي علما لا ينبغي لك أن تعلمه ) أي جميعه ( وإن لك علما لا ينبغي لي أن أعلمه ) أي جميعه ، وتقدير ذلك متعين لأن الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر ما لا غنى بالمكلف عنه ، وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي . ووقع في رواية سفيان " يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت " وهو بمعنى الذي قبله ، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في كتاب العلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله في رواية سفيان ( قال : إنك لن تستطيع معي صبرا ) كذا أطلق بالصيغة الدالة على استمرار النفي لما أطلعه الله عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع ، لأن ذلك شأن عصمته ولذلك لم يسأله موسى عن شيء من أمور الديانة بل مشى معه ليشاهد منه ما اطلع به على منزلته في العلم الذي اختص به . وقوله :وكيف تصبر استفهام عن سؤال تقديره : لم قلت إني لا أصبر وأنا سأصبر ، قال : كيف تصبر ؟ وقوله : ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك قيل . استثنى في الصبر فصبر ولم يستثن في العصيان فعصاه ، وفيه نظر ، وكأن المراد بالصبر أنه صبر عن اتباعه والمشي معه وغير ذلك ، لا الإنكار عليه فيما يخالف ظاهر الشرع . وقوله : فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا في رواية العوفي عن ابن عباس " حتى أبين لك شأنه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأخذ طائر بمنقاره ) تقدم شرحه في كتاب العلم ، وظاهر هذه الرواية أن الطائر نقر في البحر عقب قول الخضر لموسى ما يتعلق بعلمهما ، ورواية سفيان تقتضي أن ذلك وقع بعد ما خرق السفينة ، ولفظه " كانت الأولى من موسى نسيانا " قال : " وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر إلخ " فيجمع بأن قوله فأخذ طائر بمنقاره معقب بمحذوف وهو ركوبهما السفينة لتصريح سفيان بذكر السفينة ، وروى النسائي من وجه آخر عن ابن عباس أن الخضر قال لموسى : " أتدري ما يقول هذا الطائر ؟ قال : لا . قال : يقول : ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا مثل ما أنقص بمنقاري من جميع هذا البحر " وفي رواية هارون بن عنترة عند عبد بن حميد في هذه القصة قال : " أرسل ربك الخطاف فجعل يأخذ بمنقاره من الماء " ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال : الخطاف ولعبد بن حميد من طريق أبي العالية قال : رأى هذا الطائر الذي يقال له النمر ، ونقل بعض من تكلم على البخاري أنه الصرد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وجدا معابر ) هو تفسير لقوله : ( ركبا في السفينة ) لا أن قوله : ( وجدا ) جواب ( إذا ) لأن وجودهما المعابر كان قبل ركوبهما السفينة . ووقع في رواية سفيان " فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ، فمرا في سفينة فكلموهم أن يحملوهم " والمعابر بمهملة وموحدة جمع معبر وهي السفن الصغار ، ولابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس قال : " مرت بهم سفينة ذاهب فناداهم خضر " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عرفوه فقالوا : عبد الله الصالح ، قال : قلنا لسعيد بن جبير : خضر ؟ قال . نعم ) القائل فيما أظن يعلى بن مسلم . وفي رواية سفيان عن عمرو بن دينار " فكلموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر فحملوا " .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 272 ] قوله : ( بأجر ) أي أجرة ، وفي رواية سفيان " فحملوا بغير نول " بفتح النون وسكون الواو وهو الأجرة ، ولابن أبي حاتم من رواية الربيع بن أنس " فناداهم خضر وبين لهم أن يعطي عن كل واحد ضعف ما حملوا به غيرهم ، فقالوا لصاحبهم : إنا نرى رجالا في مكان مخوف نخشى أن يكونوا لصوصا ، فقال : لأحملنهم ، فإني أرى على وجوههم النور ، فحملهم بغير أجرة " وذكر النقاش في تفسيره أن أصحاب السفينة كانوا سبعة بكل واحد زمانة ليست في الآخر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فخرقها ووتد فيها ) بفتح الواو وتشديد المثناة أي جعل فيها وتدا ، وفي رواية سفيان " فلما ركبوا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم " والجمع بين الروايتين أنه قلع اللوح وجعل مكانه وتدا ، وعند عبد بن حميد من رواية ابن المبارك عن ابن جريج عن يعلى بن مسلم " جاء بود حين خرقها " والود بفتح الواو وتشديد الدال لغة في الوتد ، وفي رواية أبي العالية " فخرق السفينة فلم يره أحد إلا موسى ، ولو رآه القوم لحالوا بينه وبين ذلك " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لقد جئت شيئا إمرا . قال مجاهد : منكرا ) هو من رواية ابن جريج عن مجاهد ، وقيل لم يسمع منه ، وقد أخرجه عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله ، وروى ابن أبي حاتم من طريق خالد بن قيس عن قتادة في قوله : ( إمرا ) قال : عجبا ومن طريق أبي صخر في قوله : ( إمرا ) قال : عظيما . وفي رواية الربيع بن أنس عند ابن أبي حاتم " أن موسى لما رأى ذلك امتلأ غضبا وشد ثيابه وقال : أردت إهلاكهم ، ستعلم أنك أول هالك . فقال له يوشع : ألا تذكر العهد ؟ فأقبل عليه الخضر فقال : ألم أقل لك ؟ فأدرك موسى الحلم فقال : لا تؤاخذني . وإن الخضر لما خلصوا قال لصاحب السفينة : إنما أردت الخير ، فحمدوا رأيه ، وأصلحها الله على يده " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كانت الأولى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا ) في رواية سفيان قال : وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت الأولى من موسى نسيانا ولم يذكر الباقي ، وروى ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس مرفوعا قال : " الأولى نسيان والثانية عذر والثالثة فراق " وعند ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس قال : " قال الخضر لموسى : إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك " وروى الفراء من وجه آخر عن أبي بن كعب قال : " لم ينس موسى ، ولكنه من معاريض الكلام " وإسناده ضعيف ، والأول هو المعتمد ، ولو كان هذا ثابتا لاعتذر موسى عن الثانية وعن الثالثة بنحو ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : لقيا غلاما في رواية سفيان " فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقتله ) الفاء عاطفة على لقيا وجزاء الشرط قال : أقتلت ، والقتل من جملة الشرط إشارة إلى أن قتل الغلام يعقب لقاءه من غير مهلة ، وهو بخلاف قوله : حتى إذا ركبا في السفينة خرقها فإن الخرق وقع جواب الشرط لأنه تراخى عن الركوب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال يعلى ) هو ابن مسلم وهو بالإسناد المذكور ( قال سعيد ) هو ابن جبير ( وجد غلمانا يلعبون ، فأخذ غلاما كافرا ظريفا ) في رواية أخرى عن ابن جريج عند عبد بن حميد " غلاما وضيء الوجه فأضجعه ثم ذبحه بالسكين " وفي رواية سفيان " فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله " وفي روايته في الباب الذي يليه " فقطعه " ويجمع بينهما بأنه ذبحه ثم اقتلع رأسه ، وفي رواية أخرى عند الطبري " فأخذ صخرة فثلغ رأسه " وهي بمثلثة [ ص: 273 ] معجمة ، والأول أصح . ويمكن أن يكون ضرب رأسه بالصخرة ثم ذبحه وقطع رأسه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لم تعمل الحنث ) بكسر المهملة وسكون النون وآخره مثلثة ، ولأبي ذر بفتح المعجمة والموحدة ، وقوله : " لم تعمل " تفسير لقوله " زكية " والتقدير : أقتلت نفسا زكية لم تعمل الحنث بغير نفس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وابن عباس قرأها ) كذا لأبي ذر ولغيره " وكان ابن عباس يقرأها زكية " وهي قراءة الأكثر ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو زاكية ، والأولى أبلغ لأن فعيلة من صيغ المبالغة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( زاكية مسلمة كقولك غلاما زاكيا ) هو تفسير من الراوي ، ويشير إلى القراءتين ، أي أن قراءة ابن عباس بصيغة المبالغة والقراءة الأخرى باسم الفاعل بمعنى مسلمة ، وإنما أطلق ذلك على موسى على حسب ظاهر حال الغلام ، لكن اختلف في ضبط " مسلمة " فالأكثر بسكون السين وكسر اللام ، ولبعضهم بفتح السين وتشديد اللام المفتوحة ، وزاد سفيان في روايته هنا ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال : وهذه أشد من الأولى ، زاد مسلم من رواية أبي إسحاق عن سعيد بن جبير في هذه القصة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : رحمة الله علينا وعلى موسى ، لولا أنه عجل لرأى العجب ، ولكنه أخذته ذمامة من صاحبه فقال : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ولابن مردويه من طريق عبد الله بن عبيد بن عمير عن سعيد بن جبير " فاستحيا عند ذلك موسى وقال : إن سألتك عن شيء بعدها " وهذه الزيادة وقع مثلها في رواية عمرو بن دينار من رواية سفيان في آخر الحديث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وددنا أن موسى صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما زاد الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن سفيان " أكثر مما قص "

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فانطلقا فوجدا جدارا ) في رواية سفيان فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم " أهل قرية لئاما . فطافا في المجالس فاستطعما أهلها " قيل هي الأبلة وقيل إنطاكية وقيل أذربيجان وقيل برقة وقيل ناصرة وقيل جزيرة الأندلس ، وهذا الاختلاف قريب من الاختلاف في المراد بمجمع البحرين ، وشدة المباينة في ذلك تقتضي أن لا يوثق بشيء من ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : قال سعيد بيده هكذا ورفع يده فاستقام هو من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار عن سعيد ، ولهذا قال بعده " قال يعلى هو ابن مسلم حسبت أن سعيدا قال : فمسحه بيده فاستقام " وفي رواية سفيان " ( فوجدا جدارا يريد أن ينقض ) - قال مائل - فقال الخضر بيده فأقامه " وذكر الثعلبي أن عرض ذلك الجدار كان خمسين ذراعا في مائة ذراع بذراعهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا ، قال سعيد : أجرا نأكله ) زاد سفيان في روايته " فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا ، لو شئت لاتخذت عليه أجرا " وفي رواية أبي إسحاق قال هذا فراق بيني وبينك فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال : حدثني " وذكر الثعلبي أن الخضر قال لموسى : أتلومني على خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار ، ونسيت نفسك حين ألقيت في البحر ، وحين قتلت القبطي ، وحين سقيت أغنام ابنتي شعيب احتسابا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان وراءهم ملك ، وكان أمامهم ، قرأها ابن عباس أمامهم ملك ) وفي رواية سفيان " وكان ابن [ ص: 274 ] عباس يقرأ : وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا " وقد تقدم الكلام في " وراء " في تفسير إبراهيم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يزعمون عن غير سعيد أنه هدد بن بدد ) القائل ذلك هو ابن جريج ، ومراده أن تسمية الملك الذي كان يأخذ السفن لم تقع في رواية سعيد . قلت : وقد عزاه ابن خالويه في " كتاب ليس " لمجاهد ; قال : وزعم ابن دريد أن هدد اسم ملك من ملوك حمير زوجه سليمان بن داود بلقيس . قلت : إن ثبت هذا حمل على التعدد والاشتراك في الاسم لبعد ما بين مدة موسى وسليمان ، وهدد في الروايات بضم الهاء وحكى ابن الأثير فتحها والدال مفتوحة اتفاقا ، ووقع عند ابن مردويه بالميم بدل الهاء ، وأبوه بدد بفتح الموحدة ، وجاء في " تفسير مقاتل " أن اسمه منولة بن الجلندي بن سعيد الأزدي ، وقيل : هو الجلندي وكان بجزيرة الأندلس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور ) القائل ذلك هو ابن جريج ، وحيسور في رواية أبي ذر عن الكشميهني بفتح المهملة أوله ثم تحتانية ساكنة ثم مهملة مضمومة وكذا في رواية ابن السكن ، وفي روايته عن غيره بجيم أوله ، وعند القابسي بنون بدل التحتانية ، وعند عبدوس بنون بدل الراء ، وذكر السهيلي أنه رآه في نسخة بفتح المهملة والموحدة ونونين الأولى مضمومة بينهما الواو الساكنة ، وعند الطبري من طريق شعيب الجبائي كالقابسي ، وفي " تفسير الضحاك بن مزاحم " اسمه حشرد ، ووقع في تفسير الكلبي اسم الغلام شمعون .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ملك يأخذ كل سفينة غصبا في رواية النسائي " وكان أبي يقرأ يأخذ كل سفينة صالحة غصبا " وفي رواية إبراهيم بن يسار عن سفيان " وكان ابن مسعود يقرأ كل سفينة صحيحة غصبا " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأردت إذا هـي مرت به أن يدعها لعيبها ) في رواية النسائي " فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ) في رواية النسائي " فإذا جاوزوه رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ومنهم من يقول سدوها بقارورة ، ومنهم من يقول بالقار ) أما القار فهو بالقاف وهو الزفت ، وأما قارورة فضبطت في الروايات بالقاف ، لكن في رواية ابن مردويه ما يدل على أنها بالفاء لأنه وقع في روايته " ثارورة " بالمثلثة والمثلثة تقع في موضع الفاء في كثير من الأسماء ولا تقع بدل القاف ، قال الجوهري : يقال فار فورة مثل ثار ثورة ، فإن كان محفوظا فلعله فاعولة من ثوران القدر الذي يغلي فيها القار أو غيره ، وقد وجهت رواية القارورة بالقاف بأنها فاعولة من القار ، وأما التي من الزجاج فلا يمكن السد بها ، وجوز الكرماني احتمال أن يسحق الزجاج ويلت بشيء ويلصق به ولا يخفى بعده ، ووقع في رواية مسلم " وأصلحوها بخشبة " ولا إشكال فيها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كان أبواه مؤمنين وكان كافرا ) يعني الغلام المقتول ، في رواية سفيان " وأما الغلام فطبع يوم طبع كافرا ، وكان أبواه قد عطفا عليه " وفي " المبتدأ لوهب بن منبه " كان اسم أبيه ملاس واسم أمه رحما ، وقيل اسم أبيه كاردي واسم أمه سهوى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا : أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه ) هذا من تفسير ابن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير ، وأخرج ابن المنذر من طريق سالم الأفطس عن سعيد بن جبير مثله ، وقال أبو عبيدة في قوله : ( يرهقهما ) أي يغشاهما .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 275 ] قوله : ( خيرا منه زكاة وأقرب رحما لقوله : أقتلت نفسا زكية ) يعني أن قوله " زكاة " ذكر للمناسبة المذكورة . وروى ابن المنذر من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج في قوله : خيرا منه زكاة قال : إسلاما . ومن طريق عطية العوفي قال : دينا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأقرب رحما هما به أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر ) وروى ابن المنذر من طريق إدريس الأودي عن عطية نحوه . وعن الأصمعي قال : الرحم بكسر الحاء القرابة ، وبسكونها فرج الأنثى ، وبضم الراء ثم السكون الرحمة . وعن أبي عبيد القاسم بن سلام : الرحم والرحم - يعني بالضم والفتح مع السكون فيهما - بمعنى ، وهو مثل العمر والعمر ، وسيأتي قوله : " رحما " في الباب الذي بعده أيضا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وزعم غير سعيد أنهما أبدلا جارية ) هو قول ابن جريج ، وروى ابن مردويه من وجه آخر عن ابن جريج قال ، وقال يعلى بن مسلم أيضا عن سعيد بن جبير : إنها جارية . وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه ، قال : ويقال أيضا عن سعيد بن جبير : إنها جارية . وللنسائي من طريق أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " فأبدلهما ربهما خيرا منه زكاة قال : أبدلهما جارية فولدت نبيا من الأنبياء " وللطبري من طريق عمرو بن قيس نحوه ، ولابن المنذر من طريق بسطام بن جميل قال : أبدلهما مكان الغلام جارية ولدت نبيين ، ولعبد بن حميد من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة : ولدت جارية ، ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال : ولدت جارية فولدت نبيا ، وهو الذي كان بعد موسى فقالوا له : ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ، واسم هذا النبي شمعون ، واسم أمه حنة . وعند ابن مردويه من حديث أبي بن كعب أنها ولدت غلاما ، لكن إسناده ضعيف . وأخرجه ابن المنذر بإسناد حسن عن عكرمة عن ابن عباس نحوه . وفي تفسير ابن الكلبي : ولدت جارية ولدت عدة أنبياء فهدى الله بهم أمما . وقيل عدة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأما داود بن أبي عاصم فقال عن غير واحد : إنها جارية ) هو قول ابن جريج أيضا . وروى الطبري من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية عن يعقوب بن عاصم أنهما أبدلا جارية . قال : وأخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير : أنها جارية . قال ابن جريج : وبلغني أن أمه يوم قتل كانت حبلى بغلام . ويعقوب بن عاصم هو أخو داود وهما ابنا عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي وكل منهما ثقة من صغار التابعين . وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم : استحباب الحرص على الازدياد من العلم ، - والرحلة فيه ، ولقاء المشايخ وتجشم المشاق في ذلك ، والاستعانة في ذلك بالأتباع ، وإطلاق الفتى على التابع ، واستخدام الحر ، وطواعية الخادم لمخدومه وعذر الناسي ، وقبول الهبة من غير المسلم . واستدل به على أن الخضر نبي لعدة معان قد نبهت عليها فيما تقدم كقوله : وما فعلته عن أمري وكاتباع موسى رسول الله له ليتعلم منه ، وكإطلاق أنه أعلم منه ، وكإقدامه على قتل النفس لما شرحه بعد وغير ذلك . وأما من استدل به على جواز دفع أغلظ الضررين بأخفهما ، والإغضاء على بعض المنكرات مخافة أن يتولد منه ما هو أشد ، وإفساد بعض المال لإصلاح معظمه كخصاء البهيمة للسمن وقطع أذنها لتتميز ، ومن هذا مصالحة ولي اليتيم السلطان على بعض مال اليتيم خشية ذهابه بجميعه فصحيح ، لكن فيما لا يعارض منصوص الشرع ، فلا يسوغ الإقدام على قتل النفس ممن يتوقع منه أن يقتل أنفسا كثيرة قبل أن يتعاطى شيئا من ذلك . وإنما فعل الخضر ذلك لاطلاع الله تعالى عليه . وقال ابن بطال : قول الخضر : وأما الغلام فكان كافرا هو باعتبار ما يئول إليه أمره أن لو عاش حتى يبلغ ، [ ص: 276 ] واستحباب مثل هذا القتل لا يعلمه إلا الله ، ولله أن يحكم في خلقه بما يشاء قبل البلوغ وبعده انتهى . ويحتمل أن يكون جواز تكليف المميز قبل أن يبلغ كان في تلك الشريعة فيرتفع الإشكال . وفيه جواز الإخبار بالتعب ويلحق به الألم من مرض ونحوه ، ومحل ذلك إذا كان على غير سخط من المقدور ، وفيه أن المتوجه إلى ربه يعان فلا يسرع إليه النصب والجوع ، بخلاف المتوجه إلى غيره كما في قصة موسى في توجهه إلى ميقات ربه وذلك في طاعة ربه فلم ينقل عنه أنه تعب ولا طلب غداء ولا رافق أحدا ، وأما في توجهه إلى مدين فكان في حاجة نفسه فأصابه الجوع ، وفي توجهه إلى الخضر لحاجة نفسه أيضا فتعب وجاع . وفيه جواز طلب القوت وطلب الضيافة ، وفيه قيام العذر بالمرة الواحدة وقيام الحجة بالثانية ، قال ابن عطية : يشبه أن يكون هذا أصل مالك في ضرب الآجال في الأحكام إلى ثلاثة أيام ، وفي التلوم ونحو ذلك . وفيه حسن الأدب مع الله وأن لا يضاف إليه ما يستهجن لفظه وإن كان الكل بتقديره وخلقه لقول الخضر عن السفينة فأردت أن أعيبها وعن الجدار فأراد ربك ومثل هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - : والخير بيدك ، والشر ليس إليك .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية