الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            3563 - مكالمة ابن عمرو مع أهل العراق في التحديث

                                                                                            8662 - وأخبرنا أحمد بن عثمان المقري ، وبكر بن محمد المروزي ، قالا : ثنا [ ص: 743 ] أبو قلابة ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، ثنا أبي ، ثنا حسين بن ذكوان المعلم ، ثنا عبيد الله بن بريدة الأسلمي ، أن سليمان بن ربيعة العنزي ، حدثه أنه حج مرة في إمرة معاوية ومعه المنتصر بن الحارث الضبي في عصابة من قراء أهل البصرة ، قال : فلما قضوا نسكهم ، قالوا : والله لا نرجع إلى البصرة حتى نلقى رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم مرضيا ، يحدثنا بحديث يستظرف نحدث به أصحابنا إذا رجعنا إليهم ، قال : فلم نزل نسأل حتى حدثنا أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما نازل بأسفل مكة ، فعمدنا إليه ، فإذا نحن بثقل عظيم يرتحلون ثلاث مائة راحلة ، منها مائة راحلة ومائتا زاملة ، فقلنا : لمن هذا الثقل ؟ قالوا : لعبد الله بن عمرو ، فقلنا : أكل هذا له ؟ وكنا نحدث أنه من أشد الناس تواضعا ، قال : فقالوا : ممن أنتم ؟ فقلنا : من أهل العراق ، قال : فقالوا : العيب منكم حق يا أهل العراق ، أما هذه المائة راحلة فلإخوانه يحملهم عليها ، وأما المائتا زاملة فلمن نزل عليه من الناس ، قال : فقلنا : دلونا عليه ، فقالوا : إنه في المسجد الحرام ، قال : فانطلقنا نطلبه حتى وجدناه في دبر الكعبة جالسا فإذا هو قصير أرمص أصلع بين بردين وعمامة ، ليس عليه قميص ، قد علق نعليه في شماله ، فقلنا : يا عبد الله إنك رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فحدثنا حديثا ينفعنا الله تعالى به بعد اليوم ، قال : فقال لنا : ومن أنتم ؟ قال : فقلنا له : لا تسأل من نحن ، حدثنا غفر الله لك ، قال : فقال : ما أنا بمحدثكم شيئا حتى تخبروني من أنتم ، قلنا : وددنا أنك لم تنقذنا وأعفيتنا وحدثتنا بعض الذي نسألك عنه ، قال : فقال : والله لا أحدثكم حتى تخبروني من أي الأمصار أنتم ؟ قال : فلما رأيناه حلف ولج قلنا : فإنا ناس من العراق ، قال : فقال : أف لكم كلكم يا أهل العراق ، إنكم تكذبون وتكذبون وتسخرون ، قال : فلما بلغ إلى السخرى وجدنا من ذلك وجدا شديدا ، قال : فقلنا معاذ الله أن نسخر من مثلك ، أما قولك الكذب فوالله لقد فشا في الناس الكذب وفينا ، وأما التكذيب فوالله إنا لنسمع الحديث لم نسمع به من أحد نثق به فإذا نكاد نكذب به ، وأما قولك السخرى فإن أحدا لا يسخر بمثلك من المسلمين ، فوالله إنك اليوم لسيد المسلمين فيما نعلم نحن ، إنك من المهاجرين الأولين ، ولقد بلغنا أنك قرأت القرآن على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنه لم يكن في الأرض قرشي أبر بوالديه منك ، وإنك كنت أحسن الناس عينا ، فأفسد عينيك البكاء ، ثم لقد قرأت الكتب كلها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما أحد أفضل منك علما في [ ص: 744 ] أنفسنا ، وما نعلم بقي من العرب رجل كان يرغب عن فقهاء أهل مصره حتى يدخل إلى مصر آخر يبتغي العلم عند رجل من العرب غيرك ، فحدثنا غفر الله لك ، فقال : ما أنا بمحدثكم حتى تعطوني موثقا ألا تكذبوني ولا تكذبون علي ولا تسخرون ، قال : فقلنا : خذ علينا ما شئت من مواثيق ، فقال : عليكم عهد الله ومواثيقه أن لا تكذبوني ولا تكذبون علي ولا تسخرون لما أحدثكم ، قال : فقلنا له علينا ذاك ، قال : فقال : إن الله تعالى عليكم كفيل ووكيل ، فقلنا : نعم ، فقال : اللهم اشهد عليهم ، ثم قال عند ذاك : أما ورب هذا المسجد ، والبلد الحرام ، واليوم الحرام ، والشهر الحرام ، ولقد استسمنت اليمين أليس هكذا ؟ قلنا : نعم قد اجتهدت ، قال : " ليوشكن بنو قنطوراء بن كركري خنس الأنوف صغار الأعين كأن وجوههم المجان المطرقة في كتاب الله المنزل ، أن يسوقونكم من خراسان وسجستان سياقا عنيفا ، قوم يوفون اللمم ، وينتعلون الشعر ، ويحتجزون السيوف على أوساطهم حتى ينزلوا الأيلة " ، ثم قال : " وكم الأيلة من البصرة ؟ " قلنا : أربع فراسخ ، قال : " ثم يعقدون بكل نخلة من نخل دجلة رأس فرس ، ثم يرسلون إلى أهل البصرة أن اخرجوا منها قبل أن ننزل عليكم ، فيخرج أهل البصرة من البصرة ، فيلحق لاحق ببيت المقدس ، ويلحق آخرون بالمدينة ، ويلحق آخرون بمكة ، ويلحق آخرون بالأعراب " ، قال : " فينزلون بالبصرة سنة ، ثم يرسلون إلى أهل الكوفة أن اخرجوا منها قبل أن ننزل عليكم ، فيخرج أهل الكوفة منها فيلحق لاحق ببيت المقدس ، ولاحق بالمدينة ، وآخرون بمكة ، وآخرون بالأعراب ، فلا يبقى أحد من المصلين إلا قتيلا أو أسيرا يحكمون في دمه ما شاءوا " ، قال : فانصرفنا عنه وقد ساءنا الذي حدثنا ، فمشينا من عنده غير بعيد ، ثم انصرف المنتصر بن الحارث الضبي ، فقال : يا عبد الله بن عمرو قد حدثتنا فطعنتنا ، فإنا لا ندري من يدركه منا ، فحدثنا هل بين يدي ذلك علامة ، فقال عبد الله بن عمرو : " لا تعدم عقلك ، نعم بين يدي ذلك أمارة " ، قال المنتصر بن الحارث : وما الأمارة ؟ قال : " الأمارة العلامة " ، قال : " وما تلك العلامة ؟ " قال : " هي إمارة الصبيان ، فإذا رأيت إمارة الصبيان قد طبقت الأرض ، اعلم أن الذي أحدثك قد جاء " ، قال : فانصرف عنه المنتصر فمشى قريبا من غلوة ثم رجع إليه ، قال : فقلنا له : علام تؤذي هذا الشيخ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : والله لا أنتهي حتى يبين لي فلما رجع إليه بينه .

                                                                                            هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ، ولم يخرجاه .

                                                                                            [ ص: 745 ]

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية