الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ فروع ]

مشى مستقبل القبلة هل تفسد إن قدر صف ثم وقف قدر ركن ثم مشى ووقف كذلك وهكذا لا تفسد ، وإن كثر ما لم يختلف المكان ، وقيل لا تفسد حالة العذر ما لم يستدبر القبلة استحسانا ذكره القهستاني ، [ ص: 628 ] وهل يشترط في المفسد الاختيار ؟ في الخبازية نعم . وقال الحلبي : لا ، فإن من دفع أو جذبته الدابة خطوات أو وضع عليها أو أخرج من مكان الصلاة أو مص ثديها ثلاثا أو مرة ونزل لبنها أو مسها بشهوة أو قبلها بدونها فسدت لا لو قبلته ولم يشتهها : والفرق أن في تقبيله معنى الجماع . -

التالي السابق


( قوله وإن كثر ) أي وإن مشى قدر صفوف كثيرة على هذه الحالة ، وهو مستدرك بقوله وهكذا ( قوله ما لم يختلف المكان ) أي بأن خرج من المسجد أو تجاوز الصفوف ، لو الصلاة في الصحراء فحينئذ تفسد كما لو مشى قدر صفين دفعة واحدة . قال في شرح المنية : وهذا بناء على أن الفعل القليل غير مفسد ما لم يتكرر متواليا ، وعلى أن اختلاف المكان مبطل ما لم يكن لإصلاحها ، وهذا إذا كان قدامه صفوف ، أما إن كان إماما فجاوز موضع سجوده ، فإن بقدر ما بينه وبين الصف الذي يليه لا تفسد ، وإن أكثر فسدت ، وإن كان منفردا فالمعتبر موضع سجوده ، فإن جاوزه فسدت وإلا فلا ، والبيت للمرأة كالمسجد عند أبي علي النسفي وكالصحراء عند غيره . ا هـ . مطلب في المشي في الصلاة

( قوله وقيل لا تفسد حالة العذر ) أي وإن كثر واختلف المكان ، لما في الحلية عن الذخيرة أنه روي " أن أبا برزة رضي الله عنه صلى ركعتين آخذا بقياد فرسه ثم انسل من يده ، فمضى الفرس على القبلة فتبعه حتى أخذ بقياده ثم رجع ناكصا على عقبيه حتى صلى الركعتين الباقيتين " قال محمد في السير الكبير : وبهذا نأخذ ثم ليس في هذا الحديث فصل بين المشي القليل والكثير جهة القبلة ; فمن المشايخ من أخذ بظاهره ولم يقل بالفساد قل [ ص: 628 ] أو كثر استحسانا . والقياس الفساد إذا كثر ، والحديث خص حالة العذر فيعمل بالقياس في غيرها . وحكى عن أستاذه الجواز فيما إذا مشى مستقبلا وكان غازيا ، وكذا الخارج وكل مسافر سفره عبادة . وبعض المشايخ أولوا الحديث . ثم اختلفوا في تأويله ، فقيل تأويله إذا لم يجاوز الصفوف أو موضع سجوده وإلا فسدت ، وقيل إذا لم يكن متلاحقا بل خطوة ثم خطوة ، فلو متلاحقا تفسد إن لم يستدبر القبلة لأنه عمل كثير ، وقيل تأويله إذا مشى مقدار ما بين الصفين ، كما قالوا فيمن رأى فرجة في الصف الأول فمشى إليها فسدها ، فإن كان هو في الصف الثاني لم تفسد صلاته ، وإن كان في الصف الثالث فسدت ا هـ ملخصا . ونص في الظهيرية على أن المختار أنه إذا كثر تفسد .

هذا ، وذكر في الحلية أيضا في فصل المكروهات أن الذي تقتضيه القواعد المذهبية المستندة إلى الأدلة الشرعية ووقع به التصريح في بعض الصور الجزئية أن المشي لا يخلو إما أن يكون بلا عذر أو بعذر ، فالأول إن كان كثيرا متواليا تفسد وإن لم يستدبر القبلة ، وإن كان كثيرا غير متوال بل تفرق في ركعات أو كان قليلا ، فإن استدبرها فسدت صلاته للمنافي بلا ضرورة وإلا فلا وكره ، لما عرف أن ما أفسد كثيره كره قليله بلا ضرورة . وإن كان بعذر ، فإن كان للطهارة عند سبق الحدث أو في صلاة الخوف لم يفسدها ولم يكره قل أو كثر استدبر أو لا ، وإن كان لغير ما ذكر ، فإن استدبر معه فسدت قل أو كثر . وإن لم يستدبر ، فإن قل لم يفسد ولم يكره ، وإن كان كثيرا متلاحقا أفسد . وأما غير المتلاحق ففي كونه مفسدا أو مكروها خلاف وتأمل ا هـ ملخصا . وقال في هذا الباب : والذي يظهر أن الكثير الغير المتلاحق غير مفسد ولا مكروه إذا كانا لعذر مطلقا . ا هـ .

( قوله وقال - الحلبي لا ) الظاهر اعتماده للتفريع عليه ط ( قوله خطوات ) أي ومشى بسبب الدفع أو الجذب ثلاث خطوات متواليات من غير أن يملك نفسه . وفي البحر عن الظهيرية : ولو جذبته الدابة حتى أزالته عن وضع سجوده تفسد . ا هـ . ( قوله أو وضع عليها ) أي حمله رجل ووضعه على الدابة تفسد والظاهر أنه لكونه عملا كثيرا تأمل . وأما لو رفعه عن مكانه ثم وضعه أو ألقاه ثم قام ووقف مكانه من غير أن يتحول عن القبلة فلا تفسد كما في التتارخانية ( قوله أو أخرج من مكان الصلاة ) أي مع التحويل عن القبلة كما في البحر ط . أقول : لم أر ذلك في البحر ، وأيضا فالتحويل مفسد إذا كان قدر أداء ركن ، ولو كان في مكانه فالظاهر الإطلاق وأن العلة اختلاف المكان لو كان مقتديا أو كونه عملا كثيرا تأمل ( قوله أو مص ثديها ثلاثا إلخ ) هذا التفصيل مذكور في الخانية والخلاصة .

وهو مبني على تفسير الكثير بما اشتمل على الثلاث المتواليات ، وليس الاعتماد عليه . وفي المحيط : إن خرج اللبن فسدت لأنه يكون إرضاعا وإلا فلا ، ولم يقيده بعدد وصححه في المعراج حلية وبحر ( قوله أو مسها إلخ ) حق التعبير أن يقول أو مست أو قبلت بالبناء للمجهول كنظائره السابقة لأنه معطوف على دفع الواقع صلة لمن . والمسألة ذكرها في الخلاصة بقوله : لو كانت المرأة في الصلاة فجامعها زوجها تفسد صلاتها وإن لم ينزل مني ، وكذا لو قبلها بشهوة أو بغير شهوة أو مسها لأنه في معنى الجماع . أما لو قبلت المرأة المصلي ولم يشتهها لم تفسد صلاته . ا هـ . ( قوله والفرق إلخ ) قد خفي وجه الفرق على المحقق ابن الهمام .

وكذا على صاحب الحلية والبحر . وقال في شرح المنية وأشار في الخلاصة إلى الفرق بأن تقبيله في معنى الجماع يعني أن الزوج هو الفاعل للجماع فإتيانه بدواعيه [ ص: 629 ] في معناه ; ولو جامعها ولو بين الفخذين تفسد صلاتها فكذا إذا قبلها مطلقا لأنه من دواعيه ، وكذا لو مسها بشهوة ، بخلاف المرأة فإنها ليست فاعلة للجماع فلا يكون إتيان دواعيه منها في معناه ما لم يشته الزوج . في الخلاصة : لو نظر إلى فرج المطلقة رجعيا بشهوة يصير مراجعا ولا تفسد صلاته ، في رواية هو المختار ، وهذا يشكل على الفرق المذكور لأنه أتى بما هو من دواعي الجماع ولذا صار مراجعا ، إلا أن يقال فساد الصلاة يتعلق بالدواعي التي هي فعل غير النظر والفكر وأما النظر والفكر فلا يفسدان على ما مر لعدم إمكان التحرز عنهما بخلاف فعل سائر الجوارح ا هـ هذا ، وذكر في البحر عن شرح الزاهدي أنه لو قبل المصلية لا تفسد صلاتها ، ومثله في الجوهرة ، وعليه فلا فرق




الخدمات العلمية