الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( فصل ) الشرط ( الثاني اللوث ولو في الخطإ وشبه العمد واللوث العداوة الظاهرة كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضا بثأر وما بين أحياء العرب وأهل القرى الذين بينهم الدماء والحروب وما بين البغاة وأهل العدل وما بين الشرط ) بوزن رطب أعوان السلطان الواحد شرطة كغرفة وشرطي ذكره في الحاشية ( واللصوص ) جمع لص ولعل المراد السارق وقاطع الطريق والمختلس وباط الصفن ونحوه .

                                                                                                                      ( وكل من بينه وبين المقتول ضغن ) أي حقد ( يغلب على الظن قتله ) لأن مقتضى الدليل أن لا تشرع القسامة ترك العمل به في العداوة الظاهرة لقصة الأنصاري في القتيل بخيبر ولا يجوز القياس عليها لأن الحكم ثبت بالمظنة ولا يجوز القياس في المظان لعدم التساوي بين الأصل والفرع في المقتضى .

                                                                                                                      ( قال القاضي [ ص: 69 ] يجوز للأولياء أن يقسموا على القاتل إذا غلب على ظنهم أنه قتله وإن كانوا غائبين عن مكان القتل لأن ) النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار { تحلفون وتستحقون دم صاحبكم } وكانوا بالمدينة والقتيل بخيبر ولأن ( للإنسان أن يحلف على غالب ظنه كما أن من اشترى من إنسان شيئا فجاء آخر يدعيه جاز ) للمشتري ( أن يحلف أنه ) أي المدعي ( لا يستحقه لأن الظاهر أنه ملك الذي باعه ) له .

                                                                                                                      ( وكذلك ) في الحلف على غلبة الظن ( إذا وجد شيئا بخطه أو بخط أبيه في دفتره جاز أن يحلف ) إذا علم منه الصدق والأمانة وإنه لا يكتب إلا حقا ( وكذلك ) في الحلف على غلبة الظن ( إذا باع شيئا لم يعلم فيه عيبا فادعى عليه المشتري أنه معيب وأراد رده كان له ) أي البائع ( أن يحلف أنه باعه بل يأمن العيب ) على القول بأنه يقبل قول البائع والمذهب القول قول المشتري بيمينه كما تقدم في خيار العيب ( ولا ينبغي أن يحلف المدعي ) للقتل ( إلا بعد الاستثبات وغلبة ظن تقارب اليقين ) ولذلك لما قتل عبد الله بن سهل واتهمت اليهود قال صلى الله عليه وسلم { أتحلفون وتستحقون لقاتلكم قالوا كيف نحلف ولم نشهد ولم نر } .

                                                                                                                      ( وينبغي للحاكم أن يعظهم ) ويقول لهم اتقوا الله يقرأ عليهم { الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } الآية ( ويعرفهم ما في اليمين الكاذبة ) من الإثم وإنها تدع الديار بلاقع ( ويدخل في اللوث لو حصل عداوة بين سيد عبد ) وغيره فقتل العبد فلسيده أن يقسم على عدوه ( و ) يدخل فيها اللوث أيضا لو حصلت العداوة بين ( عصبته ) وغيرهم وقتل فلعصبته أن يقسموا على أعدائهم وإن لم يكن بين المقتول وبينهم عداوة اكتفاء بما بين عصبته وبينهم وكذا لو حصلت عداوة بين سيد وعبده ( فلو وجد قتيل في صحراء وليس معه غير عبده كان ذلك لوثا في حق العبد ) .

                                                                                                                      قلت لعل المراد إن كان عداوة بينه وبينه وإلا فلا يظهر ذلك ( ولورثة سيده القسامة ) على العبد ببقية الشروط ( فإن لم تكن عداوة ظاهرة ) بين المدعى عليه القتل والمقتول أو عصبته أو سيده ولكن غلب على الظن صدق المدعي كتفرق جماعة عن قتيل أو كانت عصبته من غير عداوة ظاهرة ( أو وجد قتيلا عند من معه سيف ملطخ بدم أو في زحام أو شهادة جماعة ممن لا يثبت القتل بشهادتهم كالنساء والصبيان والفساق أو ) شهد بالقتل ( عدل واحد وفسقة أو تفرق فئتان عن قتيل أو شهد رجلان ) عدلان ( على رجل أنه [ ص: 70 ] قتل أحد هذين القتيلين أو شهد ) أي الرجلان ( أن هذا القتيل قتله أحد هذين أو شهد أحدهما أن إنسانا قتله وشهد الآخر أنه أقر بقتله ) لم يثبت القتل عند القاضي ولا يكون ذلك لوثا والمنصوص يثبت القتل واختاره أبو بكر ذكره في الشرح والمبدع وهو مقتضى كلامهم في الشهادة .

                                                                                                                      ( أو شهد أحدهما ) أي الرجلين على القاتل ( أنه قتله بسيف و ) شهد ( الآخر ) أنه قتله ( بسكين ونحو ذلك فليس بلوث ) لقوله صلى الله عليه وسلم { لو يعطى الناس بدعواهم } الخبر ( ولا يشترط ) للقسامة ( مع العداوة ) الظاهرة ( أن لا يكون في الموضع الذي به القتل غير العدو ) لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل الأنصار هل كان بخيبر غير اليهود أم لا مع أن الظاهر وجود غيرهم فيها لأنها كانت أملاكا للمسلمين يقصدونها لأخذ غلال أملاكهم ( ولا ) يشترط للقسامة أيضا ( أن يكون بالقتيل أثر القتل كدم في أذنه أو أنفه ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل الأنصار هل بقتيلهم أثر أم لا مع أن القتل يحصل بما لا أثر له كضم الوجه ( وقول القتيل قتلني فلان ليس بلوث ) لقوله صلى الله عليه وسلم { لو يعطى الناس بدعواهم } الخبر ، وأما قول قتيل بني إسرائيل فلان قتلني فلم يكن فيه قسامة بل كان ذلك من آيات الله ومعجزات نبيه موسى صلى الله عليه وسلم ثم ذلك في تبرئة المتهمين فلا يجوز تعديته إلى تهمة البريئين .

                                                                                                                      ( ومتى ادعى ) أحد ( القتل عمدا أو غيره ) مع عدم لوث ( أو وجد قتيل في موضع فادعى أولياؤه على قاتل مع عدم اللوث ) أي على أحد أنه قتله ( حلف المدعى عليه يمينا واحدة وبرئ ) وكذا لو ادعوا على جماعة وإن كان لهم بينة حكم بها والتحليف في إنكار دعوى العمد رواية قال في الإنصاف وهو الصحيح من المذهب قال الزركشي والقول بالحلف هو الحق وصححه في المغني والشرح وغيرهما واختاره أبو الخطاب وابن البناء وغيرهم والرواية الثانية لا يمين ولا غيره قطع بها الخرقي قال في الفروع وهي أشهر قال في التنقيح لم يحلف على المذهب المشهور وقدمها في المنتهى ( وإن نكل ) عن اليمين المدعى عليه في العمد على القول بأنه يحلف ( لم يقض عليه بالقود ) لأنه كالحد يدرأ بالشبهة ( بل ) يقضي عليه ( بدية ) القتل .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية