الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما

                                                                                                                2888 حدثني أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري حدثنا حماد بن زيد عن أيوب ويونس عن الحسن عن الأحنف بن قيس قال خرجت وأنا أريد هذا الرجل فلقيني أبو بكرة فقال أين تريد يا أحنف قال قلت أريد نصر ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عليا قال فقال لي يا أحنف ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قال فقلت أو قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه قد أراد قتل صاحبه [ ص: 339 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 339 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ) معنى ( تواجها ) ضرب كل واحد وجه صاحبه أي ذاته وجملته . وأما كون القاتل والمقتول من أهل النار فمحمول على من لا تأويل له ، ويكون قتالهما عصبية ونحوها - ثم كونه في النار معناه مستحق لها ، وقد يجازى بذلك ، وقد يعفو الله تعالى عنه . هذا مذهب أهل الحق ، وقد سبق تأويله مرات ، وعلى هذا يتأول كل ما جاء من نظائره . واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد ، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم ، والإمساك عما شجر بينهم ، وتأويل قتالهم ، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا ، بل اعتقد كل فريق أنه المحق ، ومخالفه باغ ، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله . وكان بعضهم مصيبا ، وبعضهم مخطئا معذورا في الخطأ ; لأنه لاجتهاد ، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه ، وكان علي رضي الله عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب . هذا مذهب أهل السنة ، وكانت القضايا مشتبهة حتى إن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين ، ولم يقاتلوا ، ولم يتيقنوا الصواب ، ثم تأخروا عن مساعدته منهم .

                                                                                                                [ ص: 340 ] قوله : ( أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين ، فضربني رجل بسيفه ، أو يجيء سهم فيقتلني ؟ قال يبوء بإثمه وإثمك ، ويكون من أصحاب النار ) معنى ( يبوء به ) يلزمه ، ويرجع ، ويحتمله أي يبوء الذي أكرهك بإثمه في إكراهك ، وفي دخوله في الفتنة ، وبإثمك في قتلك غيره ، ويكون من أصحاب النار ، أي مستحقا لها .

                                                                                                                وفي هذا الحديث رفع الإثم عن المكره على الحضور هناك . وأما القتل فلا يباح بالإكراه بل يأثم المكره على المأمور به بالإجماع . وقد نقل القاضي وغيره فيه الإجماع قال أصحابنا : وكذا الإكراه على الزنا ، لا يرفع الإثم فيه . هذا إذا أكرهت المرأة حتى مكنت من نفسها . فأما إذا ربطت ، ولم يمكنها مدافعته ، فلا إثم . والله أعلم .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن المقتول في النار لأنه أراد قتل صاحبه ) فيه دلالة للمذهب الصحيح الذي عليه الجمهور أن من نوى المعصية ، وأصر على النية يكون آثما إن لم يفعلها ، ولا تكلم ، وقد سبقت المسألة واضحة في كتاب الإيمان .




                                                                                                                الخدمات العلمية