الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 289 ] نطق

                                                          نطق : نطق الناطق ينطق نطقا : تكلم . والمنطق : الكلام . والمنطيق : البليغ ، أنشد ثعلب :


                                                          والنوم ينتزع العصا من ربها ويلوك ثني لسانه المنطيق



                                                          وقد أنطقه الله واستنطقه أي كلمه وناطقه . وكتاب ناطق بين على المثل : كأنه ينطق ، قال لبيد :


                                                          أو مذهب جدد على ألواحه     الناطق المبروز والمختوم



                                                          وكلام كل شيء : منطقه ، ومنه قوله تعالى : علمنا منطق الطير قال ابن سيده : وقد يستعمل المنطق في غير الإنسان كقوله تعالى : علمنا منطق الطير وأنشد سيبويه :


                                                          لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت     حمامة في غصون ذات أوقال



                                                          لما أن أضاف غيرا إلى أن بناها معها وموضعها الرفع . وحكى يعقوب : أن أعرابيا ضرط فتشور فأشار بإبهامه نحو استه ، وقال : إنها خلف نطقت خلفا . يعني بالنطق الضرط . وتناطق الرجلان : تقاولا ، وناطق كل واحد منهما صاحبه : قاوله ، وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          كأن صوت حليها المناطق     تهزج الرياح بالعشارق



                                                          أراد تحرك حليها كأنه يناطق بعضه بعضا بصوته . وقولهم : ما له صامت ولا ناطق ، فالناطق الحيوان والصامت ما سواه ، وقيل : الصامت الذهب والفضة والجوهر ، والناطق الحيوان من الرقيق وغيره ، سمي ناطقا لصوته . وصوت كل شيء : منطقه ونطقه . والمنطق والمنطقة والنطاق : كل ما شد به وسطه . غيره . والمنطقة معروفة اسم لها خاصة ، تقول منه : نطقت الرجل تنطيقا فتنطق أي شدها في وسطه ، ومنه قولهم : جبل أشم منطق لأن السحاب لا يبلغ أعلاه . وجاء فلان منتطقا فرسه إذا جنبه ولم يركبه ، قال خداش بن زهير :


                                                          وأبرح ما أدام الله قومي     على الأعداء منتطقا مجيدا



                                                          يقول : لا أزال أجنب فرسي جوادا ، ويقال : إنه أراد قولا يستجاد في الثناء على قومي ، وأراد لا أبرح فحذف لا ، وفي شعره رهطي بدل قومي ، وهو الصحيح لقوله منتطقا بالإفراد ، وقد انتطق بالنطاق والمنطقة وتنطق وتمنطق ، الأخيرة عن اللحياني . والنطاق : شبه إزار فيه تكة كانت المرأة تنتطق به . وفي حديث أم إسماعيل : أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا ، هو النطاق وجمعه مناطق ، وهو أن تلبس المرأة ثوبها ثم تشد وسطها بشيء وترفع وسط ثوبها وترسله على الأسفل عند معاناة الأشغال لئلا تعثر في ذيلها ، وفي المحكم : النطاق شقة أو ثوب تلبسه المرأة ثم تشد وسطها بحبل ، ثم ترسل الأعلى على الأسفل إلى الركبة ، فالأسفل ينجر على الأرض ، وليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان ، والجمع نطق . وقد انتطقت وتنطقت إذا شدت نطاقها على وسطها ، وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          تغتال عرض النقبة المذاله     ولم تنطقها على غلاله



                                                          وانتطق الرجل أي لبس المنطق وهو كل ما شددت به وسطك . وقالت عائشة في نساء الأنصار : فعمدن إلى حجز أو حجوز مناطقهن فشققنها وسوين منها خمرا واختمرن بها حين أنزل الله تعالى : وليضربن بخمرهن على جيوبهن المناطق : واحدها منطق وهو النطاق . يقال : منطق ونطاق بمعنى واحد ، كما يقال مئزر وإزار وملحف ولحاف ومسرد وسراد ، وكان يقال لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ذات النطاقين ; لأنها كانت تطارق نطاقا على نطاق ، وقيل : إنه كان لهما نطاقان تلبس أحدهما وتحمل في الآخر الزاد إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وهما في الغار قال : وهذا أصح القولين وقيل : إنها شقت نطاقها نصفين فاستعملت أحدهما وجعلت الآخر شدادا لزادهما . وروي عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خرج مع أبي بكر مهاجرين صنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما من نطاقها وأوكت به الجراب ، فلذلك تسمى ذات النطاقين ، واستعاره علي - عليه السلام - في غير ذلك فقال : من يطل أير أبيه ينتطق به أي من كثر بنو أبيه يتقوى بهم ، قال ابن بري : منه قول الشاعر :


                                                          فلو شاء ربي كان أير أبيكم     طويلا كأير الحارث بن سدوس



                                                          وقال شمر في قول جرير :


                                                          والتغلبيون بئس الفحل فحلهم     قدما وأمهم زلاء منطيق
                                                          تحت المناطق أشباه مصلبة     مثل الدوي بها الأقلام والليق



                                                          قال شمر : منطيق تأتزر بحشية تعظم بها عجيزتها ، وقال بعضهم : النطاق والإزار الذي يثنى ، والمنطق : ما جعل فيه من خيط أو غيره وأنشد :


                                                          تنبو المناطق عن جنوبهم     وأسنة الخطي ما تنبو



                                                          وصف قوما بعظم البطون والجنوب والرخاوة . ويقال : تنطق بالمنطقة وانتطق بها ، ومنه بيت خداش بن زهير :


                                                          على الأعداء منتطقا مجيدا



                                                          وقد ذكر آنفا . والمنطقة من المعز : البيضاء موضع النطاق . ونطق الماء الأكمة والشجرة : نصفها واسم ذلك الماء النطاق على التشبيه بالنطاق المقدم ذكره ، واستعاره علي - عليه السلام - للإسلام وذلك أنه قيل له : لم لا تخضب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خضب ؟ فقال : كان ذلك والإسلام قل ، فأما الآن فقد اتسع نطاق الإسلام فامرأ وما اختار . التهذيب : إذا بلغ الماء النصف من الشجرة والأكمة يقال قد نطقها ، وفي حديث العباس يمدح النبي - صلى الله عليه وسلم - :


                                                          حتى احتوى بيتك المهيمن من     خندف علياء تحتها النطق



                                                          النطق : جمع نطاق : وهي أعراض من جبال بعضها فوق بعض أي [ ص: 290 ] نواح وأوساط منها شبهت بالنطق التي يشد بها أوساط الناس ، ضربه مثلا له في ارتفاعه وتوسطه في عشيرته ، وجعلهم تحته بمنزلة أوساط الجبال ، وأراد ببيته شرفه ، والمهيمن نعته أي حتى احتوى شرفك الشاهد على فضلك أعلى مكان من نسب خندف . وذات النطاق أيضا : اسم أكمة لهم . ابن سيده : ونطق الماء طرائفه ، أراه على التشبيه بذلك قال زهير :


                                                          يحيل في جدول تحبو ضفادعه     حبو الجواري ترى في مائه نطقا



                                                          والناطقة : الخاصرة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية