الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ميل

                                                          ميل : الميل : العدول إلى الشيء والإقبال عليه ، وكذلك الميلان . ومال الشيء يميل ميلا وممالا ومميلا وتميالا ; الأخيرة عن ابن الأعرابي ، وأنشد :


                                                          لما رأيت أنني راعي مال حلقت رأسي وتركت التميال

                                                          قال ابن سيده : وهذه الصيغة موضوعة بالأغلب لتكثير المصدر ، كما أن فعلت بالأغلب موضوعة لتكثير الفعل . والميل : مصدر الأميل . يقال : مال الشيء يميل ممالا ومميلا ، مثال معاب ومعيب في الاسم والمصدر . ومال عن الحق ومال عليه في الظلم ، وأمال الشيء فمال ، ورجل مائل من قوم ميل ومالة . يقال : إنهم لمالة إلى الحق ، وقول ساعدة بن جؤية :


                                                          غداه ظهره نجد ، عليه     ضباب تنتحيه الريح ميل

                                                          قيل : ضباب ميل مع الريح يتكفأ . قال ابن جني : القول في ميل ، فإنه وإن كان جمعا فإنه أجراه على الضباب ، وإن كان واحدا من حيث كان كثيرا ، فذهب بالجمع إلى الكثرة كما قال الحطيئة :


                                                          فنواره ميل إلى الشمس زاهره

                                                          قال : وقد يجوز أن يكون ( ميل ) واحدا كنقص ونضو ومرط ، وقد أماله إليه وميله . واستمال الرجل : من الميل إلى الشيء . وفي حديث أبي موسى أنه قال لأنس : عجلت الدنيا وغيبت الآخرة ، أما والله لو عاينوها ما عدلوا ولا ميلوا ، قال شمر : قوله ما ميلوا لم يشكوا ولم يترددوا . تقول العرب : إني لأميل بين ذينك الأمرين ، وأمايل بينهما أيهما أركب ، وأمايط بينهما ، وإني لأميل وأمايل بينهما أيهما أفضل ، وقال عمران بن حطان :


                                                          لما رأوا مخرجا من كفر قومهم     مضوا فما ميلوا فيه وما عدلوا

                                                          ما ميلوا أي لم يشكوا . وإذا ميل بين هذا وهذا فهو شاك ، وقوله ما عدلوا كما تقول ما عدلت به أحدا ، وقيل : ما عدلوا أي ما ساووا بها شيئا . وتمايل في مشيته تمايلا ، واستماله واستمال بقلبه . والتمييل بين الشيئين : كالترجيح بينهما . وفي حديث أبي ذر : دخل عليه رجل فقرب إليه طعاما فيه قلة فميل فيه لقلته ، فقال أبو ذر : إنما أخاف كثرته ولم أخف قلته ; ميل أي تردد هل يأكل أو يترك ، تقول العرب : إني لأميل بين ذينك الأمرين وأمايل بينهما أيهما آتي . والميلاء : ضرب من الاعتمام ، حكى ثعلب : هو يعتم الميلأ أي يميل العمامة . وفي حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " صنفان من أهل النار لم أرهما بعد ; قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون الناس بها ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها لتوجد من كذا وكذا " ، يقول : يملن بالخيلاء ويصبين قلوب الرجال ، [ ص: 160 ] وقيل : مائلات الخمرة كما قال الآخر :


                                                          مائلة الخمرة والكلام

                                                          وقيل : المائلات المتبرجات ، وقيل : مائلات الرءوس إلى الرجال . والمشطة الميلاء : معروفة ، وقد كرهها بعضهم للنساء ، قال ابن الأثير المائلات الزائغات عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه ، ومميلات يعلمن غيرهن الدخول في مثل فعلهن ، وقيل : مائلات متبخترات في المشي مميلات لأكتافهن وأعطافهن ، وقيل : مائلات يمتشطن المشطة الميلاء وهي مشطة البغايا ، وقد جاء كراهتها في الحديث . والمميلات : اللواتي يمشطن غيرهن تلك المشطة . وفي حديث ابن عباس : قالت له امرأة إني أمتشط الميلاء ، فقال عكرمة : رأسك تبع لقلبك ; فإن استقام قلبك استقام رأسك ، وإن مال قلبك مال رأسك . ومالت الشمس ميولا : ضيفت للغروب ، وقيل : مالت زاغت عن الكبد . والميل : في الحادث ، والميل ، بالتحريك : في الخلقة والبناء . تقول : رجل أميل العاتق في عنقه ميل ، وتقول في الحائط ميل ، وكذلك السنام ، وقد ميل يميل ميلا فهو أميل . أبو زيد : ميل الحائط يميل وميل سنام البعير ميلا ، وميل الحائط ميلا ، قال : ومال الحائط يميل ميلا . وقال ابن السكيت : فلان ميل علينا والحائط ميل ، بتحريك الياء . وفي الحديث : " لا تهلك أمتي حتى يكون بينهم التمايل والتمايز " ; أي لا يكون لهم سلطان يكف الناس عن التظالم فيميل بعضهم على بعض بالأذى والحيف . والميلاء من الإبل : المائلة السنام . ولأقيمن ميلك ، الأعشى :


                                                          لا ميل ولا عزل

                                                          ابن السكيت : الأميل الذي لا سيف معه ، والأكشف الذي لا ترس معه ، قال : والأميل عند الرواة الذي لا يثبت على ظهور الخيل إنما يميل عن السرج في جانب ، فإذا كان يثبت على الدابة قيل فارس ، وإن لم يثبت قيل كفل ، قال جرير :


                                                          لم يركبوا الخيل إلا بعدما هرموا     فهم ثقال على أكتافها ميل

                                                          وفي قصيد كعب :


                                                          إذا توقدت الحزان والميل

                                                          وقيل : هي جمع أميل وهو الكسل الذي لا يحسن الركوب والفروسية ، وفي قصيدته أيضا :


                                                          عند اللقاء ولا ميل معازيل

                                                          والميلاء : عقدة من الرمل ضخمة ، زاد الأزهري : معتزلة ، قال ذو الرمة :


                                                          ميلاء من معدن الصيران قاصية     أبعارهن على أهدافها كثب

                                                          قال أبو منصور : لا أعرف الميلاء في صفة الرمال ، قال : ولم أسمعه من العرب ، قال : وأما الأميل فمعروف ، قال : وأحسب الليث أراد قول ذي الرمة :


                                                          ميلاء من معدن الصيران قاصية

                                                          إنما أراد بالميلاء ههنا أرطاة ، قال : ولها حينئذ معنيان : أحدهما أنه أراد أن فيها اعوجاجا ، والثاني أنه أراد بالميلاء أنها متنحية متباعدة من معدن بقر الوحش ، قال : وجمع الأميل من الرمل ميل ، وميلاء موضعه خفض لأنه من نعت أرطاة في قوله :


                                                          فبات ضيفا إلى أرطاة مرتكم     من الكثيب ، لها دفء ومحتجب

                                                          الجوهري : الميلاء من الرمل العقدة الضخمة ، والشجرة الكثيرة الفروع أيضا . وألف الإمالة : هي التي تجدها بين الألف والياء نحو قولك في عالم وخاتم عالم وخاتم . ومال بنا الطريق : قصدها . ومايلنا الملك فمايلناه أي أغار علينا فأغرنا عليه . والميل من الأرض : قدر منتهى مد البصر ، والجمع أميال وميول ، قال كثير عزة :


                                                          سيأتي أمير المؤمنين ، ودونه     صماد من الصوان ، مرت ميولها
                                                          ثنائي تنميه إليك ومدحتي     صهابية الألوان ، باق ذميلها

                                                          وقيل للأعلام المبنية في طريق مكة أميال لأنها بنيت على مقادير مدى البصر من الميل إلى الميل ، وكل ثلاثة أميال منها فرسخ . والميل : منار يبنى للمسافر في أنشاز الأرض وأشرافها ، وقيل : مسافة من الأرض متراخية ليس لها حد معلوم . والميل : الملمول ، والجمع كالجمع . الأصمعي : قول العامة الميل لما تكحل به العين خطأ ; إنما هو الملمول ، وهو الذي يكحل به البصر . ويقال للحديدة التي يكتب بها في ألواح الدفتر ملمول ، ولا يقال ميل إلا للميل من أميال الطريق . الجوهري : ميل الكحل وميل الجراحة وميل الطريق ، والفرسخ ثلاثة أميال ، وجمعه أميال وأميل ، وأنشد ابن بري لأبي النجم :


                                                          حتى إذا الآل جرى بالأميل     وفارق الجزء ذوو التأبل

                                                          وفي حديث القيامة : " فتدنى الشمس حين تكون قدر ميل " ، قيل : أراد الميل الذي يكتحل به ، وقيل : أراد ثلث الفرسخ ، وقيل : الميل القطعة من الأرض ما بين العلمين ، وقيل : هو مد البصر . وأمال الرجل : رعى الخلة ، قال لبيد :


                                                          وما يدري عبيد بني أقيش     أيوضع بالحمائل أم يميل

                                                          ؟ أوضع : حول إبله إلى الحمض . والاستمالة : الاكتيال بالكفين والذراعين ، وفي المحكم : استمال الرجل كال باليدين وبالذراعين ، قال الراجز :


                                                          قالت له سوداء مثل الغول :     ما لك لا تغدو فتستميل

                                                          ؟ وقول مصعب بن عمير : وكانت امرأة ميلة ; قد تقدم في ترجمة مول ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية