الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل

أوقات الإجابة

وإذا جمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب ، وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة ، وهي :

الثلث الأخير من الليل ، وعند الأذان ، وبين الأذان والإقامة ، وأدبار الصلوات المكتوبات ، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة من ذلك اليوم ، وآخر ساعة بعد العصر .

وصادف خشوعا في القلب ، وانكسارا بين يدي الرب ، وذلا له ، وتضرعا ، ورقة .

واستقبل الداعي القبلة .

وكان على طهارة .

ورفع يديه إلى الله .

وبدأ بحمد الله والثناء عليه .

ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .

ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار .

ثم دخل على الله ، وألح عليه في المسألة ، وتملقه ودعاه رغبة ورهبة .

وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده .

وقدم بين يدي دعائه صدقة ، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا ، ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها مظنة الإجابة ، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم .

أدعية مأثورة

فمنها ما في السنن ( وفي ) صحيح ابن حبان من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا يقول : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فقال : لقد سأل الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب وفي لفظ : لقد سألت الله باسمه الأعظم .

[ ص: 13 ] وفي السنن وصحيح ابن حبان أيضا من حديث أنس بن مالك أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا ورجل يصلي ، ثم دعا فقال : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ، لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى .

أخرج الحديثين أحمد في مسنده .

وفي جامع الترمذي ، من حديث أسماء بنت يزيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم [ سورة البقرة : 163 ] .

وفاتحة آل عمران الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم ،
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

وفي مسند أحمد وصحيح الحاكم من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك وربيعة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام - يعني : تعلقوا بها والزموا وداوموا عليها .

وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء ، وإذا اجتهد في الدعاء ، قال : يا حي يا قيوم .

وفيه أيضا من حديث أنس بن مالك ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر قال : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث .

وفي صحيح الحاكم من حديث أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اسم الله الأعظم في ثلاث سور من القرآن : البقرة ، وآل عمران ، وطه ، قال القاسم : فالتمستها فإذا هي آية ( الحي القيوم ) .

وفي جامع الترمذي وصحيح الحاكم من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : دعوة ذي النون ، إذ دعا وهو في بطن الحوت " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين [ سورة الأنبياء : 87 ] إنه لم يدع بها مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له . قال الترمذي : حديث صحيح .

[ ص: 14 ] وفي مستدرك الحاكم أيضا من حديث سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم أمر مهم ، فدعا به يفرج الله عنه ؟ دعاء ذي النون .

وفي صحيحه أيضا عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : هل أدلكم على اسم الله الأعظم ؟ دعاء يونس ، فقال رجل : يا رسول الله ، هل كان ليونس خاصة ؟ فقال ألا تسمع قوله : فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين [ سورة الأنبياء : 88 ] فأيما مسلم دعا بها في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطي أجر شهيد ، وإن برئ برئ مغفورا له .

وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب : لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ، ورب الأرض ، ورب العرش الكريم .

وفي مسند الإمام أحمد من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل بي كرب أن أقول : لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين .

وفي مسنده أيضا من حديث عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن ، فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك اللهم بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي ؛ إلا أذهب الله همه وحزنه ، وأبدله مكانه فرحا ، فقيل : يا رسول الله ، ألا نتعلمها ؟ قال : بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها .

وقال ابن مسعود : ما كرب نبي من الأنبياء ، إلا استغاث بالتسبيح .

وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المجابين ، وفي الدعاء عن الحسن ، قال : كان رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار يكنى أبا معلق وكان تاجرا يتجر بمال له ولغيره ، يضرب به في الآفاق ، وكان ناسكا ورعا ، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح ، فقال له : ضع ما معك فإني قاتلك ، قال : فما تريده من دمي ؟ شأنك بالمال ، قال : أما المال فلي ، ولست أريد إلا دمك ، قال : أما إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات ، قال صل ما بدا لك ، فتوضأ ثم صلى أربع ركعات ، فكان من دعائه في آخر سجوده أن قال : يا ودود يا ودود ، يا ذا العرش

[ ص: 15 ] المجيد ، يا فعالا لما تريد ، أسألك بعزك الذي لا يرام ، وبملكك الذي لا يضام ، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص ، يا مغيث أغثني ، ثلاث مرات ، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه ، فلما بصر به اللص أقبل نحوه ، فطعنه فقتله ، ثم أقبل إليه ، فقال : قم ، فقال : من أنت بأبي أنت وأمي ؟ فقد أغاثني الله بك اليوم ، فقال : أنا ملك من أهل السماء الرابعة ، دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة ، ثم دعوت بدعائك الثاني ، فسمعت لأهل السماء ضجة ، ثم دعوت بدعائك الثالث ، فقيل لي : دعاء مكروب فسألت الله أن يوليني قتله ، قال الحسن : فمن توضأ وصلى أربع ركعات ، ودعا بهذا الدعاء ، استجيب له ، مكروبا كان أو غير مكروب .

التالي السابق


الخدمات العلمية