الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ملأ

                                                          ملأ : ملأ الشيء يملأه ملأ ، فهو مملوء ، وملأه فامتلأ ، وتملأ ، وإنه لحسن الملأة أي الملء ، لا التملؤ . وإناء ملآن ، والأنثى ملأى وملآنة ، والجمع ملاء ، والعامة تقول : إناء ملا . أبو حاتم يقال : حب ملآن ، وقربة ملأى ، وحباب ملاء . قال : وإن شئت خففت الهمزة ، فقلت في المذكر ملان ، وفي المؤنث ملا . ودلو ملا ، ومنه قوله :


                                                          حبذا دلوك إذ جاءت ملا

                                                          أراد ملأى . ويقال : ملأته ملأ ، بوزن ملعا ، فإن خففت قلت : ملا ، وأنشد شمر في ملا ، غير مهموز ، بمعنى ملء :


                                                          وكائن ما ترى من مهوئن     ملا عين وأكثبة وقور

                                                          أراد ملء عين ، فخفف الهمزة . وقد امتلأ الإناء امتلاء ، وامتلأ وتملأ ، بمعنى . والملء ، بالكسر : اسم ما يأخذه الإناء إذا امتلأ . يقال : أعطى ملأه ملأيه وثلاثة أملائه . وكوز ملآن ، والعامة تقول : ملا ماء . وفي دعاء الصلاة : لك الحمد ملء السماوات والأرض . هذا تمثيل لأن الكلام لا يسع الأماكن ، والمراد به كثرة العدد . يقول : لو قدر أن تكون كلمات الحمد أجساما لبلغت من كثرتها أن تملأ السماوات والأرض ، ويجوز أن يكون المراد به تفخيم شأن كلمة الحمد ، ويجوز أن يراد به أجرها وثوابها . ومنه حديث إسلام أبي ذر - رضي الله عنه - : قال لنا كلمة تملأ الفم أي إنها عظيمة شنيعة ، لا يجوز أن تحكى وتقال ، فكأن الفم ملآن بها لا يقدر على النطق . ومنه الحديث : " املئوا أفواهكم من القرآن " . وفي حديث أم زرع : ملء كسائها وغيظ جارتها ؛ أرادت أنها سمينة ، فإذا تغطت بكسائها ملأته . وفي حديث عمران ومزادة الماء : إنه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدئ فيها ، أي أشد امتلاء . يقال ملأت الإناء أملؤه ملأ ، والملء الاسم ، والملأة أخص منه . والملأة ، بالضم مثال المتعة ، والملاءة والملاء : الزكام يصيب من امتلاء المعدة . وقد ملؤ ، فهو مليء ، وملئ فلان ، وأملأه الله إملاء أي أزكمه ، فهو مملوء ، على غير قياس ، يحمل على ملئ . والملء : الكظة من كثرة الأكل . الليث : الملأة ثقل يأخذ في الرأس كالزكام من امتلاء المعدة . وقد تملأ من الطعام والشراب تملؤا ، وتملأ غيظا . ابن السكيت : تملأت من الطعام تملؤا ، وقد تمليت العيش تمليا إذا عشت مليا أي طويلا . والملأة : رهل يصيب البعير من طول الحبس بعد السير . وملأ في قوسه : غرق النشابة والسهم . وأملأت النزع في القوس إذا شددت النزع فيها . التهذيب ، يقال : أملأ فلان في قوسه إذا أغرق في النزع ، وملأ فلان فروج فرسه إذا حمله على أشد الحضر . ورجل مليء ، مهموز : كثير المال ، بين الملاء ، يا هذا ، والجمع ملاء ، وأملئاء ، بهمزتين وملآء ؛ كلاهما عن اللحياني وحده ، ولذلك أتي بهما آخرا . وقد ملؤ الرجل يملؤ ملاءة ، فهو مليء : صار مليئا أي ثقة ، فهو غني مليء بين الملاء والملاءة ، ممدودان . وفي حديث الدين : " إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع " . المليء ، بالهمز : الثقة الغني ، وقد أولع فيه الناس بترك الهمز وتشديد الياء . وفي حديث علي - كرم الله وجهه - : لا مليء والله بإصدار ما ورد عليه . واستملأ في الدين : جعل دينه في ملآء . وهذا الأمر أملأ بك أي أملك . والملأ الرؤساء ، سموا بذلك لأنهم ملاء بما يحتاج إليه . والملأ ، مهموز مقصور : الجماعة ، وقيل أشراف القوم ووجوههم ورؤساؤهم ومقدموهم ، الذين يرجع إلى قولهم . وفي الحديث : هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ يريد الملائكة المقربين . وفي التنزيل العزيز : ألم تر إلى الملإ . وفيه أيضا : وقال الملأ . ويروى أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا من الأنصار وقد رجعوا من غزوة بدر يقول : ما قتلنا إلا عجائز صلعا ، فقال - عليه السلام - : أولئك الملأ من قريش ، لو حضرت فعالهم لاحتقرت فعلك ؛ أي أشراف قريش ، والجمع أملاء . أبو الحسن : ليس الملأ من باب رهط ، وإن كانا اسمين للجمع ؛ لأن رهطا لا واحد له من لفظه ، والملأ وإن كان لم يكسر مالئ عليه ؛ فإن مالئا من لفظه . حكى أحمد بن يحيى : رجل مالئ جليل يملأ العين بجهرته ، فهو كعرب وروح وشاب مالئ العين إذا كان فخما حسنا . قال الراجز : [ ص: 115 ]

                                                          بهجمة تملأ عين الحاسد

                                                          ويقال : فلان أملأ لعيني من فلان ، أي أتم في كل شيء منظرا وحسنا . وهو رجل مالئ العين : إذا أعجبك حسنه وبهجته . وحكى : ملأه على الأمر يملؤه ومالأه ، وكذلك الملأ إنما هم القوم ذوو الشارة والتجمع للإدارة ، ففارق باب رهط لذلك ، والملأ على هذا صفة غالبة . وقد مالأته على الأمر ممالأة : ساعدته عليه وشايعته . وتمالأنا عليه : اجتمعنا ، وتمالئوا عليه : اجتمعوا عليه ، وقول الشاعر :


                                                          وتحدثوا ملأ ، لتصبح أمنا     عذراء ، لا كهل ولا مولود

                                                          أي تشاوروا وتحدثوا متمالئين على ذلك ليقتلونا أجمعين ، فتصبح أمنا كالعذراء التي لا ولد لها . قال أبو عبيد : يقال للقوم إذا تتابعوا برأيهم على أمر قد تمالئوا عليه . ابن الأعرابي : مالأه : إذا عاونه ، ومالأه : إذا صحبه أشباهه . وفي حديث علي - رضي الله عنه - : والله ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله ، أي ما ساعدت ولا عاونت . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : أنه قتل سبعة نفر برجل قتلوه غيلة ، وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لأقدتهم به . وفي رواية لقتلتهم . يقول : لو تضافروا عليه وتعاونوا وتساعدوا . والملأ ، مهموز مقصور : الخلق . وفي التهذيب : الخلق المليء بما يحتاج إليه . وما أحسن ملأ بني فلان أي أخلاقهم وعشرتهم . قال الجهني :


                                                          تنادوا يا لبهثة ، إذ رأونا     فقلنا : أحسني ملأ جهينا

                                                          .

                                                          أي أحسني أخلاقا يا جهينة ، والجمع أملاء . ويقال : أراد أحسني ممالأة أي معاونة من قولك : مالأت فلانا أي عاونته وظاهرته . والملأ في كلام العرب : الخلق ، يقال : أحسنوا أملاءكم أي أحسنوا أخلاقكم . وفي حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تكابوا على الماء في تلك الغزاة لعطش نالهم - وفي طريق : لما ازدحم الناس على الميضأة - قال لهم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " أحسنوا الملأ ، فكلكم سيروى " . قال ابن الأثير : وأكثر قراء الحديث يقرءونها أحسنوا الملء ، بكسر الميم وسكون اللام من ملء الإناء ، قال : وليس بشيء . وفي الحديث أنه قال لأصحابه حين ضربوا الأعرابي الذي بال في المسجد : " أحسنوا أملأكم أي أخلاقكم " . وفي غريب أبي عبيدة : ملأ أي غلبة . وفي حديث الحسن أنهم ازدحموا عليه فقال : " أحسنوا أملاءكم أيها المرؤون " . والملأ : العلية ، والجمع أملاء أيضا . وما كان هذا الأمر عن ملإ منا أي تشاور واجتماع . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - حين طعن : أكان هذا عن ملإ منكم ، أي مشاورة من أشرافكم وجماعتكم . والملأ : الطمع والظن ؛ عن ابن الأعرابي ، وبه فسر قوله وتحدثوا ملأ ، البيت الذي تقدم ، وبه فسر أيضا قوله :


                                                          فقلنا أحسني ملأ جهينا

                                                          أي أحسني ظنا . والملاءة ، بالضم والمد ، الريطة ، وهي الملحفة ، والجمع ملاء . وفي حديث الاستسقاء : فرأيت السحاب يتمزق كأنه الملاء حين تطوى . الملاء ، بالضم والمد : جمع ملاءة ، وهي الإزار والريطة . وقال بعضهم : إن الجمع ملأ ، بغير مد ، والواحد ممدود ، والأول أثبت . شبه تفرق الغيم واجتماع بعضه إلى بعض في أطراف السماء بالإزار إذا جمعت أطرافه وطوي . ومنه حديث قيلة : وعليه أسمال مليتين ، هو تصغير ملاءة مثناة المخففة الهمز ، وقول أبي خراش :

                                                          كأن الملاء المحض ، خلف ذراعه ، صراحية والآخني المتحم عنى بالمحض هنا الغبار الخالص ، شبهه بالملاء من الثياب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية