الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب تحريم الكذب وبيان المباح منه

                                                                                                                2605 حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن أمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرا وينمي خيرا قال ابن شهاب ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها حدثنا عمرو الناقد حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح حدثنا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بهذا الإسناد مثله غير أن في حديث صالح وقالت ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث بمثل ما جعله يونس من قول ابن شهاب وحدثناه عمرو الناقد حدثنا إسمعيل بن إبراهيم أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد إلى قوله ونمى خيرا ولم يذكر ما بعده [ ص: 121 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 121 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرا أو ينمي خيرا ) هذا الحديث مبين لما ذكرناه في الباب قبله ، ومعناه ليس الكذاب المذموم الذي يصلح بين الناس ، بل هذا محسن .

                                                                                                                قوله : ( قال ابن شهاب : ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث : الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها ) قال القاضي : لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور ، واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو ؟ فقالت طائفة : هو على إطلاقه ، وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة ، وقالوا : الكذب المذموم ما فيه مضرة ، واحتجوا بقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم : بل فعله كبيرهم و إني سقيم وقوله : إنها أختي وقول منادي يوسف صلى الله عليه وسلم : أيتها العير إنكم لسارقون قالوا : ولا خلاف أنه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أين هو ، وقال آخرون منهم الطبري : لا يجوز الكذب في شيء أصلا . قالوا : وما جاء من الإباحة في هذا المراد به التورية ، واستعمال المعاريض ، لا صريح الكذب ، مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها ويكسوها كذا ، وينوي إن قدر الله ذلك . وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة ، يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه . وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاما جميلا ، ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك وورى وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه : مات إمامكم الأعظم ، وينوي إمامهم في الأزمان الماضية : أو غدا يأتينا مدد أي طعام ونحوه . هذا من المعاريض المباحة ، فكل هذا جائز . وتأولوا قصة إبراهيم ويوسف وما جاء من هذا على المعاريض . والله أعلم .

                                                                                                                وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به في إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك ، فأما المخادعة في منع ما عليه أو عليها ، أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية