الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في خبر ابن صائد

                                                                      4329 حدثنا أبو عاصم خشيش بن أصرم حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بابن صائد في نفر من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب وهو يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة وهو غلام فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده ثم قال أتشهد أني رسول الله قال فنظر إليه ابن صياد فقال أشهد أنك رسول الأميين ثم قال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم أتشهد أني رسول الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم آمنت بالله ورسله ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما يأتيك قال يأتيني صادق وكاذب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خلط عليك الأمر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قد خبأت لك خبيئة وخبأ له يوم تأتي السماء بدخان مبين قال ابن صياد هو الدخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخسأ فلن تعدو قدرك فقال عمر يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يكن فلن تسلط عليه يعني الدجال وإلا يكن هو فلا خير في قتله

                                                                      التالي السابق


                                                                      وفي بعض النسخ ابن صياد . قال النووي : قال العلماء وقصته مشكلة وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره . ولا شك في أنه دجال من الدجاجلة .

                                                                      قال العلماء : وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره ، وإنما أوحي إليه بصفات الدجال وكان في ابن صياد قرائن محتملة ، فلذلك كان [ ص: 373 ] النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره ولهذا قال لعمر رضي الله عنه إن يكن هو فلن تستطيع قتله .

                                                                      وأما احتجاجه هو بأنه مسلم والدجال كافر ، وبأنه لا يولد للدجال وقد ولد له هو ، وأنه لا يدخل مكة والمدينة وأن ابن صياد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة فلا دلالة له فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض انتهى .

                                                                      قلت : قد أطنب الحافظ ابن حجر الكلام في أن ابن الصياد هل هو الدجال أو غيره في كتاب الاعتصام في باب من رأى ترك النكير من النبي صلى الله عليه وسلم حجة إلخ ، فإن شئت الوقوف عليه فارجع إليه .

                                                                      ( وهو ) : أي ابن صائد والواو للحال ( يلعب مع الغلمان ) : جمع الغلام ( عند أطم بني مغالة ) : قال النووي : المغالة بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة .

                                                                      قال القاضي : وبنو مغالة كل ما كان على يمينك إذا وقفت آخر البلاط مستقبل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . والأطم بضم الهمزة والطاء هو الحصن جمعه آطام انتهى .

                                                                      وقال القاري : بفتح الميم وبضم الغين المعجمة ونقل بالضم والمهملة وهو قبيلة والأطم القصر وكل حصن مبني بحجارة وكل بيت مربع مسطح الجمع آطام وأطوم كذا في القاموس .

                                                                      وقال النووي رحمه الله : المشهور مغالة بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة انتهى

                                                                      ( فلم يشعر ) : بضم العين أي لم يدر ابن الصياد ، مروره صلى الله عليه وسلم به وإتيانه لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه على غفلة منه ( ظهره ) : أي ظهر ابن صياد ( بيده ) : أي الكريمة ( ثم قال ) : أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فقال ) : أي ابن صياد ( أنك رسول الأميين ) : قال القاضي : يريد بهم العرب لأن أكثرهم كانوا لا يكتبون ولا يقرءون .

                                                                      [ ص: 374 ] وما ذكره وإن كان حقا من قبل المنطوق لكنه يشعر بباطل من حيث المفهوم وهو أنه مخصوص بالعرب غير مبعوث إلى العجم كما زعمه بعض اليهود وهو إن قصد به ذلك فهو من جملة ما يلقي إليه الكاذب الذي يأتيه وهو شيطانه انتهى . كذا في المرقاة

                                                                      ( ثم قال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم أتشهد أني رسول الله؟ ) : زاد في رواية مسلم والبخاري فرفضه رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال النووي : أي ترك سؤاله الإسلام ليأسه منه حينئذ ثم شرع في سؤاله عما يرى .

                                                                      وفي المشكاة فرصه بتشديد الصاد المهملة . قال القاري : أي ضغطه حتى ضم بعضه إلى بعض انتهى ( فقال له النبي صلى الله عليه وسلم آمنت بالله ورسله ) : فإن قيل كيف لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه ادعى بحضرته النبوة ؟ فالجواب من وجهين أحدهما أنه كان غير بالغ والثاني أنه كان في أيام مهادنة اليهود وحلفائهم .

                                                                      وجزم الخطابي في معالم السنن بهذا الجواب الثاني . قال والذي عندي أن هذه القصة إنما جرت معه أيام مهادنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود وحلفاءهم وذلك أنه بعد مقدمه المدينة كتب بينه وبين اليهود كتابا وصالحهم فيه على أن لا يهاجموا ويتركوا أمرهم وكان ابن صياد منهم أو دخيلا في جملتهم ، وكان يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وما يدعيه من الكهانة ويتعاطاه من الغيب فامتحنه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ليروز أمره ويخبر شأنه ، فلما كلمه علم أنه مبطل وأنه من جملة السحرة أو الكهنة أو ممن تأتيه رؤى من الجن أو يتعاهده شيطان فيلقي على لسانه بعض ما يتكلم انتهى مختصرا .

                                                                      ( ما يأتيك ) : أي من أخبار الغيب ونحوه ( قال ) : أي ابن صياد ( صادق ) : أي خبر صادق ( وكاذب ) : أي خبر كاذب .

                                                                      قال القاري : وقيل حاصل السؤال أن الذي يأتيك ما يقول لك؟ ومجمل الجواب أنه يحدثني بشيء قد يكون صادقا وقد يكون كاذبا ( خلط عليك الأمر ) : بصيغة المجهول مشددا للمبالغة والتكثير ويجوز تخفيفه أي شبه عليك الأمر أي الكذب بالصدق .

                                                                      قال النووي رحمه الله : أي ما يأتيك به شيطانك مخلط .

                                                                      قال الخطابي : معناه أنه كان له تارات يصيب في بعضها ويخطئ في بعضها فلذلك [ ص: 375 ] التبس عليه الأمر ( قد خبأت لك ) : أي أضمرت لك في نفسي ( خبيئة ) : أي كلمة مضمرة لتخبرني بها ( هو الدخ ) : قال النووي : هو بضم الدال وتشديد الخاء وهي لغة في الدخان ، والجمهور على أن المراد بالدخ هنا الدخان وأنها لغة فيه ، وخالفهم الخطابي وقال لا معنى للدخان هنا لأنه ليس مما يخبأ في كف أو كم كما قال إلا أن يكون معنى خبأت أضمرت لك اسم الدخان فيجوز .

                                                                      والصحيح المشهور أنه صلى الله عليه وسلم أضمر له آية الدخان وهي قوله تعالى : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين .

                                                                      قال القاضي : وأصح الأقوال أنه لم يهتد من الآية التي أضمرها النبي صلى الله عليه وسلم إلا لهذا اللفظ الناقص على عادة الكهان . إذا ألقى الشيطان إليهم بقدر ما يخطف قبل أن يدركه الشهاب انتهى

                                                                      ( اخسأ ) : بفتح السين وسكون الهمزة كلمة تستعمل عند طرد الكلب من الخسوء وهو زجر الكلب ( فلن تعدو ) : بضم الدال أي فلن تجاوز ( قدرك ) : أي القدر الذي يدركه الكهان من الاهتداء إلى بعض الشيء قاله النووي : وقال الطيبي : أي لا تتجاوز عن إظهار الخبيئات على هذا الوجه كما هو دأب الكهنة إلى دعوى النبوة فتقول أتشهد أني رسول الله ( إن يكن ) : أي إن يكن هذا دجالا ( فلن تسلط عليه ) : بصيغة المجهول أي لا تقدر ( يعني الدجال ) : هذا تفسير للضمير المجرور في قوله عليه من بعض الرواة ( وإن لا يكن هو ) : ليس في بعض النسخ لفظ هو ، وهو خبر كان واسمه مستكن فيه وكان حقه أن يكنه فوضع المرفوع المنفصل موضع المنصوب المتصل عكس قولهم لولاه ، ويحتمل أن يكون تأكيدا للمستكن والخبر محذوفا على تقدير إن لا يكن هو الدجال ( فلا خير في قتله ) : أي لكونه صغيرا أو ذميا أو كون كلامه محتملا فيه أقوال وقد تقدم أن الخطابي رحمه الله جزم بالقول الثاني .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وليس في حديثهم خبأ له ( يوم تأتي السماء بدخان مبين ) : والإسناد الذي خرج به أبو داود رجاله ثقات . [ ص: 376 ]




                                                                      الخدمات العلمية