الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في التسبيح في أدبار الصلاة

                                                                                                          410 حدثنا إسحق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد البصري وعلي بن حجر قالا حدثنا عتاب بن بشير عن خصيف عن مجاهد وعكرمة عن ابن عباس قال جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إن الأغنياء يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم أموال يعتقون ويتصدقون قال فإذا صليتم فقولوا سبحان الله ثلاثا وثلاثين مرة والحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة والله أكبر أربعا وثلاثين مرة ولا إله إلا الله عشر مرات فإنكم تدركون به من سبقكم ولا يسبقكم من بعدكم قال وفي الباب عن كعب بن عجرة وأنس وعبد الله بن عمرو وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وابن عمر وأبي ذر قال أبو عيسى وحديث ابن عباس حديث حسن غريب وفي الباب أيضا عن أبي هريرة والمغيرة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال خصلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة يسبح الله في دبر كل صلاة عشرا ويحمده عشرا ويكبره عشرا ويسبح الله عند منامه ثلاثا وثلاثين ويحمده ثلاثا وثلاثين ويكبره أربعا وثلاثين

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في التسبيح في أدبار الصلاة ) واحد الأدبار الدبر ، قال في القاموس : الدبر بالضم وبضمتين نقيض القبل ومن كل شيء عقبه ومؤخره ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( جاء الفقراء ) وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه أن فقراء المهاجرين أتوا ( ولهم أموال يعتقون ويتصدقون ) أي ونحن لا نعتق ولا نتصدق " قال فإذا صليتم " أي المكتوبة كما في حديث كعب بن عجرة ، ووقع في حديث أبي هريرة تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح ظاهره يشمل الفرض والنفل ، لكن حمله أكثر العلماء على الفرض ، وقد وقع في حديث كعب بن عجرة عند مسلم التقييد بالمكتوبة ، وكأنهم حملوا المطلقات عليها فقولوا سبحان الله ثلاثا وثلاثين مرة ، والحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة ، والله أكبر أربعا وثلاثين مرة ، ولا إله إلا الله عشر مرات . وفي حديث أبي هريرة عند مسلم مرفوعا : من سبح الله في دبر كل صلاة [ ص: 378 ] ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين ، وكبر الله ثلاثا وثلاثين فتلك تسعة وتسعون ، وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر . وفي حديث كعب بن عجرة عند مسلم مرفوعا : معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة ، ثلاث وثلاثون تسبيحة ، وثلاث وثلاثون تحميدة وأربع وعشرون تكبيرة . قال الحافظ في الفتح : قال النووي : ينبغي أن يجمع بين الروايتين بأن يكبر أربعا وثلاثين ويقول معها لا إله إلا الله وحده إلى آخره ، وقال غيره : بل يجمع بأن يختم مرة بزيادة تكبيرة ومرة بلا إله إلا الله على وفق ما وردت به الأحاديث ، انتهى .

                                                                                                          قلت : وهذا هو الأولى عندي وعلى هذا فيقول مرة كما في حديث الباب والله تعالى أعلم . واعلم أن في كل من تلك الكلمات الثلاث روايات مختلفة قال ابن حجر المكي : ورد التسبيح ثلاثا وثلاثين وخمسا وعشرين وإحدى عشرة وعشرة وثلاثا ومرة واحدة وسبعين ومائة ، وورد التحميد ثلاثا وثلاثين وخمسا وعشرين وإحدى عشرة وعشرة ومائة ، وورد التهليل عشرة وخمسا وعشرين ومائة قال الحافظ الزين العراقي : وكل ذلك حسن وما زاد فهو أحب إلى الله تعالى ، وجمع البغوي بأنه يحتمل صدور ذلك في أوقات متعددة وأن يكون على سبيل التخيير أو يفترق بافتراق الأحوال .

                                                                                                          فائدة : قال الحافظ في الفتح : قد كان بعض العلماء يقول : إن الأعداد الواردة كالذكر عقب الصلاة إذا رتب عليها ثواب مخصوص فزاد الآتي بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص ؛ لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد . قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي : وفيه نظر ؛ لأنه أتى بالمقدار الذي رتب الثواب على الإتيان به ، فحصل له الثواب بذلك ، فإذا زاد عليه من جنسه فكيف تكون الزيادة مزيلة لذلك الثواب بعد حصوله ، انتهى . ويمكن أن يفترق الحال فيه بالنية ، فإن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد ، ثم أتى بالزيادة فالأمر كما قال شيخنا لا محالة ، وإن زاد بغير نية بأن يكون الثواب رتب على عشرة مثلا فرتبه هو على مائة فيتجه القول الماضي . وقد بالغ القرافي في القواعد فقال : من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعا ؛ لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئا أن يوقف عنده ويعد الخارج عنه مسيئا للأدب ، انتهى . وقد مثله بعض العلماء بالدواء يكون مثلا فيه أوقية سكر فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الانتفاع به ، فلو اقتصر على الأوقية في الدواء ، ثم استعمل من السكر بعد ذلك ما شاء لم يتخلف الانتفاع ، ويؤيد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص مع طلب الإتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص لما في ذلك من [ ص: 379 ] قطع الموالاة لاحتمال أن يكون للموالاة في ذلك حكمة خاصة تفوت بفواتها والله أعلم ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن كعب بن عجرة وأنس وعبد الله بن عمرو وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وابن عمر وأبي ذر ) أما حديث كعب بن عجرة فأخرجه مسلم وتقدم لفظه . وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي والنسائي . وأما حديث أبي الدرداء فأخرجه النسائي . وأما حديث ابن عمر فأخرجه الخمسة وأما حديث أبي ذر فأخرجه ابن ماجه . وفي الباب أحاديث أخرى .

                                                                                                          قوله : ( حديث ابن عباس حديث حسن ) وأخرجه النسائي ( وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( قال : " خصلتان لا يحصيهما رجل مسلم " إلخ ) أخرجه الترمذي في الدعوات .




                                                                                                          الخدمات العلمية