الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 266 ] كتاب السرقة

                                                                                                                                            باب ما يجب فيه القطع من كتاب الحدود وغيره

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " القطع في ربع دينار فصاعدا : لثبوت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : والأصل في وجوب قطع السارق قول الله تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما [ المائدة : 38 ] ، وفي قراءة ابن مسعود : " والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما " ، فجعل حد السرقة قطع اليد : لتناول المال بها ، ولم يجعل حد الزنا قطع الذكر لمواقعة الزنا به : لثلاثة معان :

                                                                                                                                            أحدها : أن للسارق مثل يده إذا قطعت ، وليس للزاني مثل ذكره إذا قطع .

                                                                                                                                            والثاني : أن الحدود زجر للمحدود وغيره ، واليد ترى ، والذكر لا يرى .

                                                                                                                                            والثالث : أن في قطع الذكر إبطال النسل ، وليس ذلك في قطع اليد . وقد قطع السارق في الجاهلية ، فكان أول من حكم به في الجاهلية الوليد بن المغيرة فأمر الله تعالى به في الإسلام ، فكان أول سارق قطع من الرجال في الإسلام الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، ومن النساء مرة بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم .

                                                                                                                                            وروى الزهري ، عن عروة ، عن أم سلمة ، أن قريشا همهم شأن المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : ما يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فكلموه ، فأتاه فكلمه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما هلك من كان قبلكم : كان إذا سرق الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد . لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعتها " . ثم أمر بقطع يدها .

                                                                                                                                            [ ص: 267 ] وروى عمر بن أبي بكار التميمي : أنها خرجت في الليل إلى ركب بجانب المدينة ، فسرقت عيبة لهم ، فلما قطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبوها : اذهبوا بها إلى أخوالها بني حويطب ، فإنها أشبهتهم . فقال فيها الحسين بن الوليد :


                                                                                                                                            يا رب بنت لأبي سلمى جعد سراقة لحقائب الركبان بانت تحوش عليهم بيمينها حتى أقرت غير ذات بيان     كونوا عبيدا واقتدوا بأبيكم وذروا التبختر يا بني سفيان
                                                                                                                                            اخشوا فإن الله لم يجعل لكم كنز المغيرة أو بني عمران

                                                                                                                                            وحكى الكلبي أن آية السرقة نزلت في طعمة بن أبيرق الظفري ، سارق الدرع .

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا فيها ، هل هي عموم خص ، أو مجمل فسر ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها من العموم الذي خص .

                                                                                                                                            والثاني : أنها من المجمل الذي فسر .

                                                                                                                                            وروى عبد الله بن عمر ، وقال : سرقت امرأة حليا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها اليمنى ، فقالت يا رسول الله ، هل لي من توبة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك . فأنزل الله تعالى : فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه [ المائدة : 39 ] وفي قوله هاهنا : وأصلح وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أصلح سريرته بترك العزم .

                                                                                                                                            والثاني : أصلح عمله بترك المعاودة .

                                                                                                                                            وروى الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ، ويسرق البيضة فتقطع يده .

                                                                                                                                            وروى الشافعي ، عن مالك ، عن الزهري ، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان ، أن صفوان بن أمية ، قيل له : إن من لم يهاجر هلك . فقدم المدينة فنام في المسجد وتوسد رداءه ، فجاء سارق فأخذه من تحت رأسه ، فأخذ صفوان السارق ، وجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 268 ] فأمر أن تقطع يده . فقال صفوان : إني لم أرد هذا ، هو عليه صدقة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهلا قبل أن تأتيني به .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية