الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان

                                                                                                                                                                                                        3638 حدثنا أحمد ابن أبي رجاء حدثنا النضر عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة ثم أمر بالهجرة فهاجر إلى المدينة فمكث بها عشر سنين ثم توفي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ) المبعث من البعث ، وأصله الإثارة ، ويطلق على التوجيه في أمر ما ، رسالة أو حاجة ، ومنه : بعثت البعير إذا أثرته من مكانه ، وبعثت العسكر إذا وجهتهم للقتال ، وبعثت النائم من نومه إذا أيقظته . قد تقدم في أول الكتاب في الكلام على حديث عائشة كثير مما يتعلق بهذه الترجمة ، وساق المصنف هنا النسب الشريف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( محمد ) ذكر البيهقي في " الدلائل " بإسناد مرسل " أن عبد المطلب لما ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - عمل له مأدبة ، فلما أكلوا سألوا : ما سميته ؟ قال : محمدا . قالوا : فما رغبت به عن أسماء أهل بيته ؟ قال : أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن عبد الله ) لم يختلف في اسمه ، واختلف متى مات ؟ فقيل : مات قبل أن يولد النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقيل : بعد أن ولد . والأول أثبت ، واختلف في مقدار عمره - صلى الله عليه وسلم - لما مات أبوه ، والراجح أنه دون السنة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن عبد المطلب ) اسمه شيبة الحمد عند الجمهور ، وزعم ابن قتيبة أن اسمه عامر ، وسمي عبد المطلب واشتهر بها ؛ لأن أباه لما مات بغزة كان خرج إليها تاجرا فترك أم عبد المطلب بالمدينة ، فأقامت عند أهلها من الخزرج فكبر عبد المطلب ، فجاء عمه المطلب فأخذه ودخل به مكة فرآه الناس مردفه فقالوا : هذا عبد المطلب ، فغلبت عليه في قصة طويلة ذكرها ابن إسحاق وغيره .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 200 ] قوله : ( ابن هاشم ) اسمه عمرو ، وقيل له : هاشم ؛ لأنه أول من هشم الثريد لأهل الموسم ولقومه أولا في سنة المجاعة ، وفيه يقول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                        عمرو العلا هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف



                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن عبد مناف ) اسمه المغيرة ، روى السراج في تاريخه من طريق أحمد بن حنبل " سمعت الشافعي يقول : اسم عبد المطلب شيبة الحمد ، واسم هاشم عمرو ، واسم عبد مناف المغيرة ، واسم قصي زيد " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن قصي ) بصيغة التصغير ، تلقب بذلك لأنه بعد عن ديار قومه في بلاد قضاعة في قصة طويل ذكرها ابن إسحاق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن كلاب ) بكسر أوله وتخفيف اللام ، قال السهيلي : هو منقول من المصدر الذي في معنى المكالبة ، تقول : كالبت فلانا مكالبة وكلابا ، أو هو بلفظ جمع كلب كما تسمت العرب بسباع وأنمار وغير ذلك . انتهى . وذكر ابن سعد أن اسمه المهذب ، وزعم محمد بن سعد أن اسمه حكيم ، وقيل : عروة وأنه لقب كلابا لمحبته كلاب الصيد وكان يجمعها فمن مرت به فسأل عنها قيل له : هذه كلاب ابن مرة فلقب كلابا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن مرة ) قال السهيلي : منقول من وصف الحنظلة ، أو الهاء للمبالغة والمراد أنه قوي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن كعب ) قال السهيلي : قيل : سمي بذلك لستره على قومه ولين جانبه لهم ، منقول من كعب القدم ، وقال ابن دريد : من كعب القناة ، وكذا قال غيره سمي بذلك لارتفاعه على قومه وشرفه فيهم فلذلك كانوا يخضعون له حتى أرخوا بموته ، وهو أول من جمع قومه يوم الجمعة ، وكانوا يسمونه يوم العروبة حتى جاء الإسلام .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن لؤي ) قال ابن الأنباري : هو تصغير " لأى " بوزن عصا ، واللأي هو الثور ، وقال السهيلي : هو عندي لأي بوزن عبد وهو البطء ، ويؤيده قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                        فدونكم بني لأي أخاكم ودونك مالكا يا أم عمرو



                                                                                                                                                                                                        انتهى . وهذا قد ذكره ابن الأنباري أيضا احتمالا . وقد قال الأصمعي : هو تصغير لواء الجيش زيدت فيه همزة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن غالب ) لا إشكال فيه كما لا إشكال في مالك والنضر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن فهر ) قيل : هو قريش ، نقل الزبير عن الزهري أن أمه سمته به ، وسماه أبوه فهرا ، وقيل : فهر لقبه ، وقيل بالعكس ، والفهر الحجر الصغير .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن كنانة ) هو بلفظ وعاء السهام إذا كانت من جلود . قاله ابن دريد ، عن أبي عامر العدواني أنه قال : رأيت كنانة بن خزيمة شيخا مسنا عظيم القدر تحج إليه العرب لعلمه وفضله بينهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن خزيمة ) تصغير خزمة بمعجمتين مفتوحتين وهي مرة واحدة من الخزم وهو شد الشيء وإصلاحه . وقال الزجاجي : يجوز أن يكون من الخزم بفتح ثم سكون تقول : خزمته فهو مخزوم إذا أدخلت في أنفه الخزام .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن مدركة ) اسمه عمرو عند الجمهور ، وقال ابن إسحاق : عامر .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 201 ] قوله : ( ابن إلياس ) بكسر الهمزة عند ابن الأنباري ، قال : وهو إفعال من قولهم : أليس الشجاع الذي لا يفر ، قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                        أليس كالنشوان وهو صاحي



                                                                                                                                                                                                        وقال غيره : هو بهمزة وصل وهو ضد الرجاء واللام فيه للمح الصفة ، قاله قاسم بن ثابت وأنشد قول قصي :


                                                                                                                                                                                                        أمهتي خندف واليأس أبي



                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن مضر ) قيل : سمي بذلك ؛ لأنه كان يحب شرب اللبن الماضر وهو الحامض ، وقيل : سمي بذلك لبياضه ، وقيل : لأنه كان يمضر القلوب لحسنه وجماله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن نزار ) هو من النزر أي القليل ، قال أبو الفرج الأصبهاني : سمي بذلك لأنه كان فريد عصره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن معد ) بفتح الميم والمهملة وتشديد الدال ، قال ابن الأنباري : يحتمل أن يكون مفعلا من العد ، أو هو من معد في الأرض إذا أفسد ، قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                        وخاربين خربا فمعدا



                                                                                                                                                                                                        وقيل غير ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ابن عدنان ) بوزن فعلان من العدن تقول : عدن أقام ، وقد روى أبو جعفر بن حبيب في تاريخه " المحبر " من حديث ابن عباس قال : " كان عدنان ومعد وربيعة ومضر وخزيمة وأسد على ملة إبراهيم ، فلا تذكروهم إلا بخير " وروى الزبير بن بكار من وجه آخر مرفوعا لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين وله شاهد عند ابن حبيب من مرسل سعيد بن المسيب .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : اقتصر البخاري من النسب الشريف على عدنان ، وقد أخرج في التاريخ عن عبيد بن يعيش عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق مثل هذا النسب ، وزاد بعد عدنان " ابن أدد بن المقوم بن تارح بن يشجب بن يعرب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم " وقد قدمت في أول الترجمة النبوية الاختلاف فيمن بين عدنان وإبراهيم وفيمن بين إبراهيم وآدم بما يغني عن الإعادة . وأخرج ابن سعد من حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا انتسب لم يجاوز في نسبه معد بن عدنان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا النضر ) هو ابن شميل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن هشام ) هو ابن حسان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عكرمة ) في رواية روح عن هشام الآتية في الهجرة " حدثنا عكرمة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين ) هذا هو المقصود من هذا الحديث في هذا الباب ، وهو متفق عليه ، وقد مضى في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - بعث على رأس أربعين وتقدم في بدء الوحي أنه أنزل عليه في شهر رمضان ، فعلى الصحيح المشهور أن مولده في شهر ربيع الأول يكون حين أنزل عليه ابن أربعين سنة وستة أشهر ، وكلام ابن الكلبي يؤذن بأنه ولد في رمضان فإنه قال : مات وله اثنتان وستون سنة ونصف سنة ، وقد أجمعوا على أنه مات في ربيع الأول فيستلزم ذلك أن يكون ولد في رمضان ، وبه جزم الزبير بن بكار وهو شاذ ، وفي مولده أقوال أخرى أشد شذوذا من هذا .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 202 ] قوله : ( بمكة ثلاث عشرة سنة ) هذا أصح مما رواه مسلم من طريق عمار بن أبي عمار عن ابن عباس " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة خمس عشرة سنة " وسيأتي البحث في ذلك في أبواب الهجرة إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية