الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قيد ]

                                                          قيد : القيد : معروف ، والجمع أقياد وقيود ، وقد قيده يقيده تقييدا ، وقيدت الدابة . وفرس قيد الأوابد ، أي : أنه لسرعته كأنه يقيد الأوابد ، وهي الحمر الوحشية بلحاقها ، قال سيبويه : هو نكرة وإن كان بلفظ المعرفة ; وأنشد قول امرئ القيس :


                                                          وقد أغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكل

                                                          الوكنات : جمع وكنة لوكر الطائر . والمنجرد : القصير الشعر . والأوابد : الوحش . يقال : تأبد ، أي : توحش . والهيكل : العظيم الخلق ; وأنشد أيضا ل امرئ القيس :


                                                          بمنجرد قيد الأوابد لاحه     طراد الهوادي كل شأو مغرب

                                                          قال ابن جني : أصله تقييد الأوابد ، ثم حذف زيادتيه ، فجاء على الفعل ، وإن شئت قلت : وصف بالجوهر لما فيه من معنى الفعل ، نحو قوله :


                                                          فلولا الله والمهر المفدى     لرحت وأنت غربال الإهاب

                                                          وضع غربال موضع المخرق . التهذيب : يقال للفرس الجواد الذي يلحق الطرائد من الوحش : قيد الأوابد ، معناه أنه يلحق الوحش لجودته ، ويمنعه من الفوات بسرعته ، فكأنها مقيدة له لا تعدو . وقالت امرأة ل عائشة - رضوان الله عليها : أأقيد جملي ؟ أرادت بذلك تأخيذها إياه من النساء سواها ، فقالت لها عائشة بعدما فهمت مرادها : وجهي من وجهك حرام ، قال ابن الأثير : أرادت أنها تعمل لزوجها شيئا يمنعه عن غيرها من النساء ، فكأنها تربطه وتقيده عن إتيان غيرها . وفي الحديث : قيد الإيمان الفتك ، معناه أن الإيمان يمنع عن الفتك بالمؤمن ، كما يمنع ذا العيث عن الفساد قيده الذي قيد به . ومقيدة الحمار : الحرة لأنها تعقله فكأنها قيد له ، قال :


                                                          لعمرك ما خشيت على عدي     سيوف بني مقيدة الحمار
                                                          ولكني خشيت على عدي     سيوف القوم أو إياك حار

                                                          عنى ببني مقيدة الحمار : العقارب ; لأنها هناك تكون . والقيد : ما ضم العضدتين المؤخرتين من أعلاهما من القد . والقيد : القد الذي يضم العرقوتين من القتب . والعرب تكني عن المرأة بالقيد والغل . وقيد الرحل : قد مضفور بين حنويه من فوق ، وربما جعل للسرج قيد كذلك ، وكذلك كل شيء أسر بعضه إلى بعض . وقيود الأسنان : لثاتها ، قال الشاعر الحسين بن مطير :


                                                          لمرتجة الأرداف هيف خصورها     عذاب ثناياها عجاف قيودها

                                                          يعني اللثاث وقلة لحمها . ابن سيده : وقيود الأسنان عمورها ، وهي الشرف السابلة بين الأسنان ، شبهت بالقيود الحمر من سمات الإبل . قيد الفرس : سمة في أعناقها ; وأنشد :


                                                          كوم على أعناقها قيد الفرس     تنجو إذا الليل تدانى والتبس

                                                          الجوهري : قيد الفرس سمة تكون في عنق البعير على صورة القيد . وفي الحديث : أنه أمر أوس بن عبد الله الأسلمي أن يسم إبله في أعناقها قيد الفرس ، هي سمة معروفة ، وصورتها حلقتان بينهما مدة . وهذه أجمال مقاييد ، أي : مقيدات ، قال ابن سيده : إبل مقاييد مقيدة ، حكاه يعقوب وليس بشيء لأنه إذا ثبتت مقيدة فقد ثبتت مقاييده ، قال : والقيد من سمات الإبل ، وسم مستطيل مثل القيد في عنقه ووجهه وفخذه ، عن ابن حبيب من تذكرة أبي علي . وقيد السيف : هو الممدود في أصول الحمائل تمسكه البكرات . وقيد العلم بالكتاب : ضبطه ، وكذلك قيد الكتاب بالشكل : شكله ، وكلاهما على المثل . وتقييد الخط : تنقيطه وإعجامه وشكله . والمقيد من الشعر : خلاف المطلق ، قال الأخفش : المقيد على وجهين : إما مقيد قد تم ، نحو قوله :


                                                          وقاتم الأعماق خاوي المخترق

                                                          قال : فإن زدت فيه حركة كان فضلا على البيت ، وإما مقيد قد مد على ما هو أقصر منه ، نحو : فعول في آخر المتقارب مد عن فعل فزيادته على فعل عوض له من الوصل . وهو مني قيد رمح ، بالكسر ، وقاد رمح ، أي : قدره . وفي حديث الصلاة : حين مالت الشمس قيد الشراك ، الشراك أحد سيور النعل التي على وجهها ، وأراد بقيد الشراك الوقت الذي لا يجوز لأحد أن يتقدمه في صلاة الظهر ، يعني فوق ظل الزوال فقدره بالشراك لدقته ، وهو أقل ما تبين به زيادة الظل حتى يعرف منه ميل الشمس عن وسط السماء ، وفي الحديث رواية أخرى : حتى ترتفع الشمس قيد رمح . وفي الحديث : لقاب قوس أحدكم من الجنة أو قيد سوطه خير من الدنيا وما فيها . والقيد : الذي إذا قدته ساهلك ، قال :


                                                          وشاعر قوم قد حسمت خصاءه     وكان له قبل الخصاء كتيت
                                                          أشم خبوط بالفراسن مصعب     فأصبح مني قيدا تربوت

                                                          والقياد : حبل تقاد به الدابة . والقيدة : التي يستتر بها من الرمية ثم ترمى ، حكاه ابن سيده عن ثعلب . وابن قيد : من رجازهم ، عن ابن الأعرابي . وقيد : اسم فرس كان لبني تغلب ، عن الأصمعي . والمقيد : موضع القيد من رجل الفرس والخلخال من المرأة . وفي حديث قيلة : الدهناء مقيد الجمل أرادت أنها مخصبة ممرعة ، والجمل لا يتعدى مرتعه . والمقيد هاهنا : الموضع الذي يقيد فيه ، أي : أنه مكان يكون الجمل فيه ذا قيد . وفي الحديث : قيد الإيمان الفتك ، أي : إن الإيمان يمنع عن الفتك ، كما يمنع القيد عن التصرف ، فكأنه جعل الفتك مقيدا ، ومنه قولهم في صفة الفرس : قيد الأوابد .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية