الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 602 ] الثالثة : قال أصحابنا : الحق قول واحد من المجتهدين عينا في فروع الدين وأصوله ، ومن عداه مخطئ .

                ثم إن كان في فروع ولا قاطع ، فهو معذور في خطئه ، مثاب على اجتهاده ، وهو قول بعض الحنفية والشافعية .

                وقال بعض المتكلمين : كل مجتهد في الفروع مصيب ، واختلف فيه عن أبي حنيفة والشافعي ، وقال العنبري والجاحظ : لا إثم على من أخطأ الحق مع الجد في طلبه مطلقا ، حتى مخالف الملة . والظاهرية ، وبعض المتكلمين : الإثم لاحق للمخطئ مطلقا ، إذ في الفروع حق متعين عليه دليل قاطع ، والعقل قاطع بالنفي الأصلي لغيره ، إلا ما استثناه دليل سمعي قاطع ، بناء على إنكارهم خبر الواحد والقياس ، وربما أنكروا الحكم بالعموم والظاهر .

                التالي السابق


                المسألة " الثالثة : قال أصحابنا : الحق " في " قول واحد من المجتهدين عينا " ، أي : المصيب معين " في فروع الدين وأصوله ، ومن عداه مخطئ ، ثم إن كان " يعني خطأ المخطئ " في فروع " الدين ، " ولا قاطع " ، أي : وليس هناك دليل قاطع عليه ، " فهو معذور في خطئه ، مثاب على اجتهاده ، وهو قول بعض الحنفية والشافعية . وقال بعض المتكلمين : كل مجتهد في الفروع مصيب ، واختلف فيه عن أبي حنيفة والشافعي . وقال العنبري والجاحظ : لا إثم على من أخطأ الحق ، مع الجد في طلبه مطلقا " يعني في الأصول والفروع ، " حتى مخالف الملة " كاليهود والنصارى والدهرية ؛ لو جدوا في [ ص: 603 ] طلب الحق ولم يعاندوا . " والظاهرية " ، أي : وقالت الظاهرية " وبعض المتكلمين " الإثم لاحق للمخطئ مطلقا ، إذ في الفروع حق متعين عليه دليل قاطع ، والعقل قاطع بالنفي الأصلي لغيره ، إلا ما استثناه دليل سمعي قاطع " ، يعني أن الظاهرية وبعض المتكلمين ، منهم بشر المريسي ، وابن علية ، وأبو بكر الأصم ، والإمامية من نفاة القياس ، قالوا : إن " الإثم لاحق للمخطئ مطلقا " في الأصول والفروع ، وعبارة " الروضة " و " المستصفى " : إن الإثم غير محطوط عن المجتهدين في الفروع . ففهمنا أن ذلك في الأصول أولى ، لأن في الفروع حقا متعينا ، عليه دليل قاطع ، لأن الأصل عدم جميع الأحكام ، فما ثبت منها بدليل سمعي قاطع ، فهو ثابت ، وما لم يثبت بدليل قاطع ، فهو باق على النفي الأصلي قطعا ، ولا يثبت شيء من الأحكام بدليل ظني ، إذ لا مجال للظن في الأحكام .

                قوله : " بناء على إنكارهم " . أي : وإنما قال هؤلاء هذه المقالة ، " بناء على إنكارهم خبر الواحد والقياس ، وربما أنكروا الحكم بالعموم والظاهر " ، لأن هذه هي مدارك الظنون في الشرع ، فإذا أنكروها لم يبق معهم ما يفيد الظن مقتصرا عليه ، فتعين ما يفيد القطع ، كالنص المتواتر والآحاد الصحيحة ، فإنها تفيد العلم عند الظاهرية .

                قال الآمدي : إذا كانت المسألة الفقهية ظنية ؛ فإن كان فيها نص ، وقصر المجتهد في طلبه ، فهو مخطئ آثم ، وإن لم يكن فيها نص ، أو كان فيها نص ولم يقصر في طلبه ، فقد قال القاضي أبو بكر ، وأبو الهذيل ، والجبائي وابنه : إن كل مجتهد فيها مصيب ، وإن حكم الله تعالى فيها ما أدى إليه ظن المجتهد .

                [ ص: 604 ] وقال ابن فورك ، والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني : إن المصيب فيها واحد ، وله أجر واحد .

                ونقل عن الشافعي ، وأبي حنيفة ، وأحمد ، والأشعري قولان : التخطئة والتصويب . قال : والمختار إنما هو تصويب الواحد ، وأنه غير معين .

                قلت : هذه المسألة تعرف بمسألة تصويب المجتهد ، والكلام فيها كثير ، وربما ذكرنا بعد الفراغ منها ما نرجو أن تتحقق به إن شاء الله تعالى .




                الخدمات العلمية