الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قول الله ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة

                                                                                                                                                                                                        3587 حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه فقلن ما معنا إلا الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يضم أو يضيف هذا فقال رجل من الأنصار أنا فانطلق به إلى امرأته فقال أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ما عندنا إلا قوت صبياني فقال هيئي طعامك وأصبحي سراجك ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونومت صبيانها ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا يريانه أنهما يأكلان فباتا طاويين فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما فأنزل الله ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب قول الله عز وجل : ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) هو مصير منه إلى أن الآية نزلت في الأنصار وهو ظاهر سياقها . وحديث الباب ظاهر في أنها نزلت في قصة الأنصاري فيطابق الترجمة ، وقد قيل : إنها نزلت في قصة أخرى ، ويمكن الجمع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم ) لم أقف على اسمه وسيأتي أنه أنصاري زاد في رواية أبي أسامة عن فضيل بن غزوان في التفسير " فقال : يا رسول الله أصابني الجهد " أي المشقة من الجوع ، وفي رواية جرير عن فضيل بن غزوان عند مسلم " إني مجهود " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فبعث إلى نسائه ) أي يطلب منهن ما يضيفه به .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقلن ما معنا ) أي ما عندنا ( إلا الماء ) وفي رواية جرير " ما عندي " وفيه ما يشعر بأن ذلك كان في أول الحال قبل أن يفتح الله لهم خيبر وغيرها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من يضم أو يضيف ) أي من يؤوي هذا فيضيفه ، وكأن " أو " للشك ، وفي رواية أبي أسامة ألا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال رجل من الأنصار ) زعم ابن التين أنه ثابت بن قيس بن شماس ، وقد أورد ذلك ابن بشكوال من طريق أبي جعفر بن النحاس بسنده له عن أبي المتوكل الناجي مرسلا ، ورواه إسماعيل القاضي في " أحكام القرآن " ولكن سياقه يشعر بأنها قصة أخرى ؛ لأن لفظه " أن رجلا من الأنصار عبر عليه ثلاثة أيام لا يجد ما يفطر [ ص: 150 ] عليه ويصبح صائما حتى فطن له رجل من الأنصار يقال له ثابت بن قيس " فقص القصة ، وهذا لا يمنع التعدد في الصنيع مع الضيف وفي نزول الآية ، قال ابن بشكوال : وقيل : هو عبد الله بن رواحة ، ولم يذكر لذلك مستندا ، وروى أبو البختري القاضي أحد الضعفاء المتروكين في " كتاب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - " له أنه أبو هريرة راوي الحديث ، والصواب الذي يتعين الجزم به في حديث أبي هريرة ما وقع عند مسلم من طريق محمد بن فضيل بن غزوان عن أبيه بإسناد البخاري " فقام رجل من الأنصار يقال له : أبو طلحة " وبذلك جزم الخطيب لكنه قال : أظنه غير أبي طلحة زيد بن سهل المشهور ، وكأنه استبعد ذلك من وجهين :

                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أن أبا طلحة زيد بن سهل مشهور لا يحسن أن يقال فيه " فقام رجل يقال له أبو طلحة "

                                                                                                                                                                                                        والثاني : أن سياق القصة يشعر بأنه لم يكن عنده ما يتعشى به هو وأهله حتى احتاج إلى إطفاء المصباح ، وأبو طلحة زيد بن سهل كان أكثر أنصاري بالمدينة مالا فيبعد أن يكون بتلك الصفة من التقلل ، ويمكن الجواب عن الاستبعادين ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إلا قوت صبياني ) يحتمل أن يكون هو وامرأته تعشيا وكان صبيانهم حينئذ في شغلهم أو نياما فأخروا لهم ما يكفيهم ، أو نسبوا العشاء إلى الصبية لأنهم إليه أشد طلبا ، وهذا هو المعتمد لقوله في رواية أبي أسامة " ونطوي بطوننا الليلة " وفي آخر هذه الرواية أيضا " فأصبحا طاويين " ، وقد وقع في رواية وكيع عند مسلم " فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأصبحي سراجك ) بهمزة قطع أي أوقديه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( نومي صبيانك ) في رواية لمسلم " علليهم بشيء " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فجعلا يريانه كأنهما ) في رواية الكشميهني بحذف الكاف من كأنهما ، وقوله : " طاويين " أي بغير عشاء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما ) وفي رواية جرير " من صنيعك " وفي رواية التفسير " من فلان وفلانة " ونسبة الضحك والتعجب إلى الله مجازية والمراد بهما الرضا بصنيعهما [1] ، وقوله : " فعالكما " في رواية " فعلكما " بالإفراد ، قال في البارع : الفعال بالفتح اسم الفعل الحسن مثل الجود والكرم ، وفي التهذيب : الفعال بالفتح فعل الواحد في الخير خاصة يقال : هو كريم الفعال بفتح الفاء ، وقد يستعمل في الشر ، والفعال بالكسر إذا كان الفعل بين اثنين يعني أنه مصدر فاعل مثل قاتل قتالا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأنزل الله : ويؤثرون على أنفسهم إلخ ) هذا هو الأصح في سبب نزول هذه الآية ، وعند ابن مردويه من طريق محارب بن دثار عن ابن عمر " أهدي لرجل رأس شاة فقال : إن أخي وعياله أحوج منا إلى هذا فبعث به إليه ، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى رجعت إلى الأول بعد سبعة ، فنزلت " ويحتمل أن تكون نزلت [ ص: 151 ] بسبب ذلك كله ، قيل : في الحديث دليل على نفوذ فعل الأب في الابن الصغير وإن كان مطويا على ضرر خفيف إذا كان في ذلك مصلحة دينية أو دنيوية ، وهو محمول على ما إذا عرف بالعادة من الصغير الصبر على مثل ذلك ، والعلم عند الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية