الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قنت ]

                                                          قنت : القنوت : الإمساك عن الكلام ، وقيل : الدعاء في الصلاة . والقنوت : الخشوع والإقرار بالعبودية ، والقيام بالطاعة التي ليس معها معصية ، وقيل : القيام ، وزعم ثعلب أنه الأصل ، وقيل : إطالة القيام . وفي التنزيل العزيز : وقوموا لله قانتين ، قال زيد بن [ ص: 197 ] أرقم : كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت : وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام ، فأمسكنا عن الكلام ، فالقنوت هاهنا : الإمساك عن الكلام في الصلاة . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهرا في صلاة الصبح بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان ، وقال أبو عبيد : أصل القنوت في أشياء : فمنها القيام ، وبهذا جاءت الأحاديث في قنوت الصلاة لأنه إنما يدعو قائما . وأبين من ذلك حديث جابر ، قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل ؟ قال : طول القنوت ، يريد طول القيام ، ويقال للمصلي : قانت . وفي الحديث : مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم ، أي : المصلي . وفي الحديث : تفكر ساعة خير من قنوت ليلة ، وقد تكرر ذكره في الحديث . ويرد بمعان متعددة : كالطاعة ، والخشوع ، والصلاة ، والدعاء ، والعبادة ، والقيام ، وطول القيام ، والسكوت ; فيصرف في كل واحد من هذه المعاني إلى ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيه ، وقال ابن الأنباري : القنوت على أربعة أقسام : الصلاة ، وطول القيام ، وإقامة الطاعة ، والسكوت . ابن سيده : القنوت الطاعة ، هذا هو الأصل ، ومنه قوله تعالى : والقانتين والقانتات ثم سمي القيام في الصلاة قنوتا ، ومنه قنوت الوتر . وقنت الله يقنته : أطاعه . وقوله تعالى : كل له قانتون ، أي : مطيعون ، ومعنى الطاعة هاهنا : أن من في السماوات مخلوقون كإرادة الله تعالى ، لا يقدر أحد على تغيير الخلقة ، ولا ملك مقرب ، فآثار الصنعة والخلقة تدل على الطاعة ، وليس يعنى بها طاعة العبادة ; لأن فيهما مطيعا وغير مطيع ، وإنما هي طاعة الإرادة والمشيئة . والقانت : المطيع . والقانت : الذاكر لله تعالى ، كما قال عز وجل : من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما ، وقيل : القانت العابد . والقانت في قوله عز وجل : وكانت من القانتين ، أي : من العابدين . والمشهور في اللغة أن القنوت الدعاء . وحقيقة القانت أنه القائم بأمر الله ، فالداعي إذا كان قائما خص بأن يقال له : قانت لأنه ذاكر لله تعالى ، وهو قائم على رجليه ، فحقيقة القنوت العبادة والدعاء لله ، عز وجل ، في حال القيام ، ويجوز أن يقع في سائر الطاعة لأنه إن لم يكن قيام بالرجلين ، فهو قيام بالشيء بالنية . ابن سيده : والقانت القائم بجميع أمر الله تعالى ، وجمع القانت من ذلك كله : قنت ، قال العجاج :


                                                          رب البلاد والعباد القنت

                                                          وقنت له : ذل . وقنتت المرأة لبعلها : أقرت . والاقتنات : الانقياد . وامرأة قنيت : بينة القناتة قليلة الطعم ، كقتين .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية