الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قلا ]

                                                          قلا : ابن الأعرابي : القلا والقلا والقلاء المقلية . غيره : والقلى البغض ، فإن فتحت القاف مددت ، تقول : قلاه يقليه قلى وقلاء ، ويقلاه لغة طيء ، وأنشد ثعلب :


                                                          أيام أم الغمر لا نقلاها ولو تشاء قبلت عيناها     فادر عصم الهضب لو رآها
                                                          ملاحة وبهجة زهاها



                                                          قال ابن بري : شاهد يقليه قول أبي محمد الفقعسي :

                                                          [ ص: 184 ]

                                                          يقلي الغواني والغواني تقليه



                                                          وشاهد القلاء في المصدر بالمد قول نصيب :


                                                          عليك السلام لا مللت قريبة     وما لك عندي إن نأيت قلاء



                                                          ابن سيده : قليته قلى وقلاء ومقلية أبغضته وكرهته غاية الكراهة فتركته . وحكى سيبويه : قلى يقلى ، وهو نادر ، شبهوا الألف بالهمزة وله نظائر قد حكاها كلها أو جلها ، وحكى ابن جني : قلاه وقليه ، قال : وأرى يقلى إنما هو على قلي ، وحكى ابن الأعرابي قليته في الهجر قلى ، مكسور مقصور ، وحكى في البغض : قليته بالكسر أقلاه على القياس ، وكذلك رواه عنه ثعلب . وتقلى الشيء : تبغض ، قال ابن هرمة :


                                                          فأصبحت لا أقلي الحياة وطولها     أخيرا وقد كانت إلي تقلت



                                                          الجوهري : وتقلى أي تبغض ، قال كثير :


                                                          أسيئي بنا أو أحسني لا ملولة     لدينا ولا مقلية إن تقلت



                                                          خاطبها ثم غايب . وفي التنزيل العزيز : ما ودعك ربك وما قلى ، قال الفراء : نزلت في احتباس الوحي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة ، فقال المشركون : قد ودع محمدا ربه وقلاه التابع الذي يكون معه ، فأنزل الله تعالى : ما ودعك ربك وما قلى يريد : وما قلاك ، فألقيت الكاف ، كما تقول : قد أعطيتك وأحسنت ، معناه : أحسنت إليك ، فيكتفى بالكاف الأولى من إعادة الأخرى . الزجاج : معناه لم يقطع الوحي عنك ولا أبغضك . وفي حديث أبي الدرداء : وجدت الناس اخبر تقله ، القلى : البغض ، يقول : جرب الناس فإنك إذا جربتهم قليتهم وتركتهم لما يظهر لك من بواطن سرائرهم ، لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر أي من جربهم وخبرهم أبغضهم وتركهم ، والهاء في تقله للسكت ، ومعنى نظم الحديث وجدت الناس مقولا فيهم هذا القول ، وقد تكرر ذكر القلى في الحديث . وقلى الشيء قليا : أنضجه على المقلاة . يقال : قليت اللحم على المقلى أقليه قليا إذا شويته حتى تنضجه ، وكذلك الحب يقلى على المقلى . ابن السكيت : يقال قلوت البر والبسر ، وبعضهم يقول : قليت ، ولا يكون في البغض إلا قليت . الكسائي : قليت الحب على المقلى وقلوته . الجوهري : قليت السويق واللحم فهو مقلي وقلوت فهو مقلو لغة . والمقلاة والمقلى : الذي يقلى عليه وهما مقليان والجمع المقالي ، ويقال للرجل إذا أقلقه أمر مهم فبات ليله ساهرا : بات يتقلى أي يتقلب على فراشه كأنه على المقلى . والقلية من الطعام والجمع قلايا ، والقلية : مرقة تتخذ من لحوم الجزور وأكبادها . والقلاء : الذي حرفته ذلك . والقلاء : الذي يقلي البر للبيع . والقلاءة ممدودة : الموضع الذي تتخذ فيه المقالي ، وفي التهذيب : الذي تتخذ فيه مقالي البر ، ونظيره الحراضة للموضع الذي يطبخ فيه الحرض . وقليت الرجل : ضربت رأسه . والقلي والقلى : حب يشبب به العصفر ، وقال أبو حنيفة : القلي يتخذ من الحمض ، وأجوده ما اتخذ من الحرض ، ويتخذ من أطراف الرمث ، وذلك إذا استحكم في آخر الصيف واصفر وأورس . الليث : يقال لهذا الذي يغسل به الثياب قلي ، وهو رماد الغضى والرمث يحرق رطبا ويرش بالماء فينعقد قليا . الجوهري : والقلي الذي يتخذ من الأشنان ، ويقال فيه القلى أيضا . ابن سيده : القلة عود يجعل في وسطه حبل ثم يدفن ، ويجعل للحبل كفة فيها عيدان فإذا وطئ الظبي عليها عضت على أطراف أكارعه . والمقلى : كالقلة . والقلة والمقلى والمقلاء على مفعال كله : عودان يلعب بهما الصبيان ، فالمقلى العود الكبير الذي يضرب به ، والقلة الخشبة الصغيرة التي تنصب وهي قدر ذراع ، قال الأزهري : والقالي الذي يلعب فيضرب القلة بالمقلى ، قال ابن بري : شاهد المقلاء قول امرئ القيس :


                                                          فأصدرها تعلو النجاد عشية     أقب كمقلاء الوليد خميص



                                                          والجمع قلات وقلون وقلون على ما يكثر في أول هذا النحو من التغيير ، وأنشد الفراء :


                                                          مثل المقالي ضربت قلينها

                                                          قال أبو منصور : جعل النون كالأصلية فرفعها ، وذلك على التوهم ، ووجه الكلام فتح النون ؛ لأنها نون الجمع . وتقول : قلوت القلة أقلو قلوا وقليت أقلي قليا لغة ، وأصلها قلو والهاء عوض ، وكان الفراء يقول : إنما ضم أولها ليدل على الواو ، والجمع قلات وقلون وقلون ، بكسر القاف . وقلا بها قلوا وقلاها : رمى ، قال ابن مقبل :


                                                          كأن نزو فراخ الهام بينهم     نزو القلات زهاها قال قالينا



                                                          أراد قلو قالينا فقلب فتغير البناء للقلب ، كما قالوا : له جاه عند السلطان ، وهو من الوجه ، فقلبوا فعلا إلى فلع ; لأن القلب مما قد يغير البناء فافهم ، وقال الأصمعي : القال هو المقلاء والقالون الذين يلعبون بها ، يقال منه قلوت أقلو . وقلوت بالقلة والكرة : ضربت . ابن الأعرابي : القلى القصيرة من الجواري ، قال الأزهري : هذا فعلى من الأقل والقلة . وقلا الإبل قلوا : ساقها سوقا شديدا . وقلا العير آتنه يقلوها قلوا : شلها وطردها وساقها . التهذيب : يقال قلا العير عانته يقلوها وكسأها وشحنها وشذرها إذا طردها ، قال ذو الرمة :


                                                          يقلو نحائص أشباها محملجة     ورق السرابيل في ألوانها خطب



                                                          والقلو : الحمار الخفيف ، وقيل : هو الجحش الفتي ، زاد الأزهري : الذي قد أركب وحمل ، والأنثى قلوة ، وكل شديد السوق قلو ، وقيل : القلو الخفيف من كل شيء ، والقلوة الدابة تتقدم بصاحبها . وقد قلت به واقلولت . الليث : يقال الدابة تقلو بصاحبها قلوا وهو تقديها به في السير في سرعة . يقال : جاء يقلو به حماره . وقلت الناقة براكبها قلوا إذا تقدمت به . واقلولى القوم : رحلوا وكذلك الرجل ، كلاهما عن اللحياني . واقلولى في الجبل : صعد أعلاه فأشرف . وكل ما علوت ظهره فقد اقلوليته ، وهذا نادر ؛ لأنا لا نعرف افعوعل متعدية إلا اعرورى واحلولى . واقلولى الطائر : وقع على أعلى الشجرة هذه عن اللحياني . والقلولى : الطائر إذا ارتفع في طيرانه . واقلولى أي ارتفع ، قال ابن بري : أنكر المهلبي وغيره قلولى ، قال : ولا يقال [ ص: 185 ] إلا مقلول في الطائر مثل محلول ، وقال أبو الطيب : أخطأ من رد على الفراء قلولى ، وأنشد لحميد بن ثور يصف قطا :


                                                          وقعن بجوف الماء ثم تصوبت     بهن قلولاة الغدو ضروب



                                                          ابن سيده : قال أبو عبيد ة : قلولى الطائر جعله علما أو كالعلم فأخطأ . والمقلولي : المستوفز المتجافي . والمقلولي : المنكمش ، قال :


                                                          قد عجبت مني ومن يعيليا     لما رأتني خلقا مقلوليا



                                                          وأنشد ابن بري هنا لذي الرمة :


                                                          واقلولى على عوده الجحل



                                                          وفي الحديث : لو رأيت ابن عمر ساجدا لرأيته مقلوليا ، هو المتجافي المستوفز ، وقيل : هو من يتقلى على فراشه أي يتململ ولا يستقر ، قال أبو عبيد : وبعض المحدثين كان يفسر مقلوليا كأنه على مقلى ، قال : وليس هذا بشيء إنما هو من التجافي في السجود ، ويقال : اقلولى الرجل في أمره إذا انكمش واقلولت الحمر في سرعتها ، وأنشد الأحمر للفرزدق :


                                                          تقول إذا اقلولى عليها وأقردت     ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم



                                                          قال ابن الأعرابي : هذا كان يزني بها فانقضت شهوته قبل انقضاء شهوتها وأقردت : ذلت ، قال ابن بري : أدخل الباء في خبر المبتدأ حملا على معنى النفي كأنه قال : ما أخو عيش لذيذ بدائم ، قال : ومثله قوله الآخر :


                                                          فاذهب فأي فتى في الناس أحرزه     من يومه ظلم دعج ولا جبل ؟



                                                          وعلى ذلك قوله سبحانه وتعالى : أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم ومن هذا قول الفرزدق أيضا :


                                                          أنا الضامن الحاني عليهم وإنما     يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

                                                          والمعنى ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا ، وقوله :


                                                          سمعن غناء بعدما نمن نومة     من الليل فاقلولين فوق المضاجع

                                                          يجوز أن يكون معناه خفقن لصوته وقلقن فزال عنهن نومهن واستثقالهن على الأرض ، وبهذا يعلم أن لام اقلوليت واو لا ياء ، وقال أبو عمرو في قول الطرماح :


                                                          حواتم يتخذن الغب رفها     إذا اقلولين بالقرب البطين

                                                          اقلولين أي ذهبن . ابن الأعرابي : القلى رءوس الجبال ، والقلى هامات الرجال ، والقلى جمع القلة التي يلعب بها . وقلا الشيء في المقلى قلوا ، وهذه الكلمة يائية وواوية . وقلوت الرجل : شنئته لغة في قليته . والقلو : الذي يستعمله الصباغ في العصفر ، وهو يائي أيضا ; لأن القلي فيه لغة . ابن الأثير في حديث عمر رضي الله عنه ، لما صالح نصارى أهل الشأم كتبوا له كتابا : إنا لا نحدث في مدينتنا كنيسة ولا قلية ، ولا نخرج سعانين ولا باعوثا ، القلية : كالصومعة ، قال : كذا وردت ، واسمها عند النصارى : القلاية ، وهي تعريب كلاذة ، وهي من بيوت عباداتهم . وقالي قلا : موضع ، قال سيبويه : هو بمنزلة خمسة عشر ، قال :


                                                          سيصبح فوقي أقتم الريش واقعا     بقالي قلا أو من وراء دبيل



                                                          ومن العرب من يضيف فينون . الجوهري : قالي قلا اسمان جعلا واحدا ، قال ابن السراج : بني كل واحد منهما على الوقف ؛ لأنهم كرهوا الفتحة في الياء والألف .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية