الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قصا ]

                                                          قصا : قصا عنه قصوا وقصوا وقصا وقصاء وقصي : بعد . وقصا المكان يقصو قصوا : بعد . والقصي والقاصي : البعيد ، والجمع أقصاء فيهما كشاهد وأشهاد ونصير وأنصار ، قال غيلان الربعي :


                                                          كأنما صوت حفيف المعزاء معزول شذان حصاها الأقصاء     صوت نشيش اللحم عند الغلاء



                                                          وكل شيء تنحى عن شيء فقد قصا يقصو قصوا ، فهو قاص ، والأرض قاصية وقصية . وقصوت عن القوم : تباعدت . ويقال : فلان بالمكان الأقصى والناحية القصوى والقصيا ، بالضم فيهما . وفي الحديث : المسلمون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم ، أي : أبعدهم وذلك في الغزو إذا دخل العسكر أرض الحرب فوجه الإمام منه السرايا ، فما غنمت من شيء أخذت منه ما سمى لها ، ورد ما بقي على العسكر ; لأنهم وإن لم يشهدوا الغنيمة ردء للسرايا وظهر يرجعون إليهم . والقصوى والقصيا : الغاية البعيدة ، قلبت فيه الواو ياء ; لأن فعلى إذا كانت اسما من ذوات الواو أبدلت واوه ياء كما أبدلت الواو مكان الياء في فعلى فأدخلوها عليها في فعلى ليتكافآ في التغيير . قال ابن سيده : هذا قول سيبويه قال : وزدته أنا بيانا ، قال : وقد قالوا القصوى فأجروها على الأصل لأنها قد تكون صفة بالألف واللام . وفي التنزيل : إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى قال الفراء : الدنيا مما يلي المدينة والقصوى مما يلي مكة . قال ابن السكيت : ما كان من النعوت مثل العليا والدنيا فإنه يأتي بضم أوله وبالياء ; لأنهم يستثقلون الواو مع ضمة أوله ، فليس فيه اختلاف إلا أن أهل الحجاز قالوا : القصوى ، فأظهروا الواو وهو نادر وأخرجوه على القياس إذ سكن ما قبل الواو ، وتميم وغيرهم يقولون : القصيا ، وقال ثعلب : القصوى والقصيا طرف الوادي ، فالقصوى على قول ثعلب . ومن قوله تعالى : بالعدوة القصوى بدل . والقاصي والقاصية والقصي والقصية من الناس والمواضع : المتنحي البعيد . والقصوى والأقصى كالأكبر والكبرى . وفي الحديث : أن [ ص: 126 ] الشيطان ذئب الإنسان يأخذ القاصية والشاذة ، القاصية : المنفردة عن القطيع البعيدة منه ، يريد أن الشيطان يتسلط على الخارج من الجماعة وأهل السنة . وأقصى الرجل يقصيه : باعده . وهلم أقاصك يعني أينا أبعد من الشر . وقاصيته فقصوته وقاصاني فقصوته . والقصا : فناء الدار ، يمد ويقصر . وحطني القصا ، أي : تباعد عني ، قال بشر بن أبي خازم :


                                                          فحاطونا القصا ولقد رأونا     قريبا حيث يستمع السرار



                                                          والقصا يمد ويقصر ، ويروى :


                                                          فحاطونا القصاء وقد رأونا

                                                          ومعنى حاطونا القصاء ، أي : تباعدوا عنا وهم حولنا وما كنا بالبعد منهم لو أرادوا أن يدنوا منا ، وتوجيه ما ذكره ابن السكيت من كتاب النحو أن يكون القصاء بالمد مصدر قصا يقصو قصاء مثل بدا يبدو بداء ، وأما القصا بالقصر فهو مصدر قصي عن جوارنا قصا إذا بعد . ويقال أيضا : قصي الشيء قصا وقصاء . والقصا : النسب البعيد مقصور . والقصا : الناحية . والقصاة : البعد والناحية ، وكذلك القصا . يقال : قصي فلان عن جوارنا ، بالكسر ، يقصى قصا وأقصيته أنا فهو مقصى ، ولا تقل مقصي . وقال الكسائي : لأحوطنك القصا ولأغزونك القصا كلاهما بالقصر ، أي : أدعك فلا أقربك . التهذيب : يقال حاطهم القصا مقصور يعني كان في طرتهم لا يأتيهم . وحاطهم القصا ، أي : حاطهم من بعيد ، وهو يتبصرهم ويتحرز منهم . ويقال : ذهبت قصا فلان ، أي : ناحيته ، وكنت منه في قاصيته ، أي : ناحيته . ويقال : هلم أقاصك أينا أبعد من الشر . ويقال : نزلنا منزلا لا تقصيه الإبل ، أي : لا تبلغ أقصاه . وتقصيت الأمر واستقصيته واستقصى فلان في المسألة وتقصى بمعنى . قال اللحياني : وحكى القناني قصيت أظفاري بالتشديد بمعنى قصصت ، فقال الكسائي أظنه أراد أخذ من قاصيتها ، ولم يحمله الكسائي على محول التضعيف كما حمله أبو عبيد عن ابن قنان وقد ذكر في حرف الصاد أنه من محول التضعيف ، وقيل : يقال إن ولد لك ابن فقصي أذنيه ، أي : احذفي منهما . قال ابن بري : الأمر من قصى قص ، وللمؤنث قصي ، كما تقول خل عنها وخلي . والقصا : حذف في طرف أذن الناقة والشاة ، مقصور يكتب بالألف ، وهو أن يقطع منه شيء قليل ، وقد قصاها قصوا وقصاها . يقال : قصوت البعير فهو مقصو إذا قطعت من طرف أذنه ، وكذلك الشاة عن أبي زيد . وناقة قصواء : مقصوة ، وكذلك الشاة ، ورجل مقصو وأقصى ، وأنكر بعضهم أقصى . وقال اللحياني : بعير أقصى ومقصى ومقصو . وناقة قصواء ومقصاة ومقصوة : مقطوعة طرف الأذن . وقال الأحمر : المقصاة من الإبل التي شق من أذنها شيء ثم ترك معلقا . التهذيب : الليث وغيره القصو قطع أذن البعير . يقال : ناقة قصواء وبعير مقصو هكذا يتكلمون به ، قال : وكان القياس أن يقولوا بعير أقصى فلم يقولوا . قال الجوهري : ولا يقال جمل أقصى ، وإنما يقال مقصو ومقصى ، تركوا فيه القياس ولأن أفعل الذي أنثاه على فعلاء إنما يكون من باب فعل يفعل ، وهذا إنما يقال فيه قصوت البعير ، وقصواء بائنة عن بابه ، ومثله امرأة حسناء ، ولا يقال : رجل أحسن . قال ابن بري : قوله تركوا فيها القياس يعني قوله ناقة قصواء ، وكان القياس مقصوة ، وقياس الناقة أن يقال قصوتها فهي مقصوة . ويقال : قصوت الجمل فهو مقصو ، وقياس الناقة أن يقال : قصوتها فهي مقصوة ، وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناقة تسمى قصواء ولم تكن مقطوعة الأذن . وفي الحديث : أنه خطب على ناقته القصواء وهو لقب ناقة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : والقصواء التي قطع طرف أذنها . وكل ما قطع من الأذن فهو جدع ، فإذا بلغ الربع فهو قصو ، فإذا جاوزه فهو عضب ، فإذا استؤصلت فهو صلم ، ولم تكن ناقة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصواء وإنما كان هذا لقبا لها ، وقيل : كانت مقطوعة الأذن . وقد جاء في الحديث : أنه كان له ناقة تسمى العضباء ، وناقة تسمى الجدعاء ، وفي حديث آخر : صلماء ، وفي رواية أخرى : مخضرمة . هذا كله في الأذن ، ويحتمل أن تكون كل واحدة صفة ناقة مفردة ، ويحتمل أن يكون الجميع صفة ناقة واحدة فسماها كل منهم بما تخيل فيها ، ويؤيد ذلك ما روي في حديث علي - كرم الله وجهه - حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبلغ أهل مكة سورة براءة فرواه ابن عباس - رضي الله عنه - أنه ركب ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القصواء ، وفي رواية جابر العضباء ، وفي رواية غيرهما الجدعاء ; فهذا يصرح أن الثلاثة صفة ناقة واحدة ; لأن القضية واحدة ، وقد روي عن أنس أنه قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ناقة جدعاء وليست بالعضباء ، وفي إسناده مقال . وفي حديث الهجرة : أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال : إن عندي ناقتين فأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحداهما وهي الجدعاء . والقصية من الإبل : الكريمة المودعة التي لا تجهد في حلب ولا حمل . والقصايا . خيار الإبل واحدتها قصية ، ولا تركب وهي متدعة ، وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          تذود القصايا عن سراة كأنها     جماهير تحت المدجنات الهواضب



                                                          وإذا حمدت إبل الرجل قيل فيها قصايا يثق بها ، أي : فيها بقية إذا اشتد الدهر ، وقيل : القصية من الإبل رذالتها . وأقصى الرجل إذا اقتنى القواصي من الإبل ، وهي النهاية في الغزارة والنجابة ، ومعناه أن صاحب الإبل إذا جاء المصدق أقصاها ضنا بها . وأقصى إذا حفظ قصا العسكر وقصاءه وهو ما حول العسكر . وفي حديث وحشي قاتل حمزة - عليه السلام - : كنت إذا رأيته في الطريق تقصيتها ، أي : صرت في أقصاها وهو غايتها . والقصو : البعد . والأقصى : الأبعد وقوله :


                                                          واختلس الفحل منها وهي قاصية     شيئا فقد ضمنته وهو محقور



                                                          فسره ابن الأعرابي ، فقال : معنى قوله قاصية هو أن يتبعها الفحل فيضربها فتلقح في أول كومة فجعل الكوم للإبل ، وإنما هو للفرس . وقصوان : موضع ، قال جرير :


                                                          نبئت غسان بن واهصة الخصى      [ ص: 127 ] بقصوان ، في مستكلئين بطان



                                                          ابن الأعرابي : يقال للفحل هو يحبو قصا الإبل إذا حفظها من الانتشار . ويقال : تقصاهم ، أي : طلبهم واحدا واحدا . وقصي مصغر : اسم رجل والنسبة إليه : قصوي بحذف إحدى الياءين ، وتقلب الأخرى ألفا ثم تقلب واوا كما قلبت في عدوي وأموي .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية