الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قرض ]

                                                          قرض : القرض : القطع . قرضه يقرضه بالكسر قرضا وقرضه : قطعه . والمقراضان : الجلمان لا يفرد لهما واحد هذا قول أهل اللغة ، وحكى سيبويه مقراض فأفرد . والقراضة : ما سقط بالقراض ومنه قراضة الذهب . والمقراض : واحد المقاريض وأنشد [ ص: 71 ] ابن بري لعدي بن زيد :


                                                          كل صعل ، كأنما شق فيه سعف الشري شفرتا مقراض



                                                          وقال ابن ميادة :


                                                          قد جبتها جوب ذي المقراض ممطرة     إذا استوى مغفلات البيد والحدب



                                                          وقال أبو الشيص :


                                                          وجناح مقصوص ، تحيف ريشه     ريب الزمان تخيف المقراض



                                                          فقالوا مقراضا فأفردوه . قال ابن بري : ومثله المفراص ، بالفاء والصاد ، للحاذي ، قال الأعشى :


                                                          لسانا كمفراص الخفاجي ملحبا



                                                          و ابن مقرض : دويبة تقتل الحمام يقال لها بالفارسية : دله ، التهذيب : و ابن مقرض ذو القوائم الأربع الطويل الظهر القتال للحمام . ابن سيده : ومقرضات الأساقي دويبة تخرقها وتقطعها . والقراضة : فضالة ما يقرض الفأر من خبز أو ثوب أو غيرهما ، وكذلك قراضات الثوب التي يقطعها الخياط وينفيها الجلم . والقرض والقرض : ما يتجازى به الناس بينهم ويتقاضونه ، وجمعه قروض ، وهو ما أسلفه من إحسان ومن إساءة ، وهو على التشبيه : قال أمية بن أبي الصلت :

                                                          كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا     أو سيئا أو مدينا مثل ما دانا



                                                          وقال تعالى : وأقرضوا الله قرضا حسنا . ويقال : أقرضت فلانا وهو ما تعطيه ليقضيكه . وكل أمر يتجازى به الناس فيما بينهم فهو من القروض . الجوهري : والقرض ما يعطيه من المال ليقضاه ، والقرض ، بالكسر ، لغة فيه حكاها الكسائي . وقال ثعلب : القرض المصدر ، والقرض الاسم ، قال ابن سيده : ولا يعجبني وقد أقرضه وقارضه مقارضة وقراضا . واستقرضت من فلان ، أي : طلبت منه القرض فأقرضني . وأقرضت منه ، أي : أخذت منه القرض . وقرضته قرضا وقارضته ، أي : جازيته . وقال أبو إسحاق النحوي في قوله تعالى : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال : معنى القرض البلاء الحسن ، تقول العرب : لك عندي قرض حسن وقرض سيئ ، وأصل القرض ما يعطيه الرجل أو يفعله ليجازى عليه ، والله - عز وجل - لا يستقرض من عوز ، ولكنه يبلو عباده فالقرض كما وصفنا قال لبيد :


                                                          وإذا جوزيت قرضا فاجزه     إنما يجزي الفتى ليس الجمل



                                                          معناه إذا أسدي إليك معروف فكافئ عليه . قال : والقرض في قوله تعالى : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا اسم ولو كان مصدرا لكان إقراضا ، ولكن قرضا هاهنا اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء . فأما قرضته أقرضه قرضا فجازيته ، وأصل القرض في اللغة القطع ، والمقراض من هذا أخذ . وأما أقرضته فقطعت له قطعة يجازي عليها . وقال الأخفش في قوله تعالى : ( يقرض ) ، أي : يفعل فعلا حسنا في اتباع أمر الله وطاعته . والعرب تقول لكل من فعل إليه خيرا : قد أحسنت قرضي وقد أقرضتني قرضا حسنا . وفي الحديث : أقرض من عرضك ليوم فقرك ، يقول : إذا نال عرضك رجل فلا تجازه ولكن استبق أجره موفرا لك قرضا في ذمته لتأخذه منه يوم حاجتك إليه . والمقارضة : تكون في العمل السيئ والقول السيئ يقصد الإنسان به صاحبه . وفي حديث أبي الدرداء : وإن قارضت الناس قارضوك وإن تركتهم لم يتركوك ، ذهب به إلى القول فيهم والطعن عليهم وهذا من القطع ، يقول : إن فعلت بهم سوءا فعلوا بك مثله ، وإن تركتهم لم تسلم منهم ولم يدعوك ، وإن سببتهم سبوك ونلت منهم ونالوا منك ، وهو فاعلت من القرض . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه حضره الأعراب وهم يسألونه عن أشياء : أعلينا حرج في كذا ؟ فقال : عباد الله رفع الله عنا الحرج إلا من اقترض امرأ مسلما ، وفي رواية : من اقترض عرض مسلم ، أراد بقوله اقترض امرأ مسلما ، أي : قطعه بالغيبة والطعن ونال منه ، وأصله من القرض القطع ، وهو افتعال منه . التهذيب : القراض في كلام أهل الحجاز المضاربة ، ومنه حديث الزهري : لا تصلح مقارضة من طعمته الحرام ، يعني : القراض . قال الزمخشري : أصلها من القرض في الأرض وهو قطعها بالسير فيها ، وكذلك هي المضاربة أيضا من الضرب في الأرض . وفي حديث أبي موسى و ابني عمر - رضي الله عنهم - : اجعله قراضا .

                                                          القراض : المضاربة في لغة أهل الحجاز . وأقرضه المال وغيره : أعطاه إياه قرضا قال :


                                                          فيا ليتني أقرضت جلدا صبابتي     وأقرضني صبرا عن الشوق مقرض



                                                          وهم يتقارضون الثناء بينهم . ويقال للرجلين : هما يتقارضان الثناء في الخير والشر ، أي : يتجازيان قال الشاعر :


                                                          يتقارضون إذا التقوا في موطن     نظرا يزيل مواطئ الأقدام



                                                          أراد نظر بعضهم إلى بعض بالبغضاء والعداوة قال الكميت :


                                                          يتقارض الحسن الجمي     ل من التآلف والتزاور



                                                          أبو زيد : قرظ فلان فلانا ، وهما يتقارظان المدح إذا مدح كل واحد منهما صاحبه ، ومثله يتقارضان ، بالضاد ، وقد قرضه إذا مدحه أو ذمه ، فالتقارظ في المدح والخير خاصة ، والتقارض إذا مدحه أو ذمه ، وهما يتقارضان الخير والشر قال الشاعر :


                                                          إن الغني أخو الغني وإنما     يتقارضان ولا أخا للمقتر



                                                          وقال ابن خالويه : يقال يتقارظان الخير والشر بالظاء أيضا . والقرنان يتقارضان النظر إذا نظر كل واحد منهما إلى صاحبه شزرا . والمقارضة : المضاربة . وقد قارضت فلانا قراضا ، أي : دفعت إليه مالا ليتجر فيه ، ويكون الربح بينكما على ما تشترطان والوضيعة على المال . واستقرضته الشيء فأقرضنيه : قضانيه . وجاء : وقد قرض رباطه وذلك في شدة العطش والجوع . وفي التهذيب : أبو زيد جاء فلان وقد قرض رباطه إذا جاء مجهودا قد أشرف على الموت . وقرض رباطه . مات . وقرض فلان ، أي : مات . وقرض فلان الرباط إذا مات . وقرض الرجل إذا زال من شيء إلى شيء . وانقرض القوم : درجوا ولم يبق منهم أحد . والقريض : ما يرده البعير من جرته وكذلك [ ص: 72 ] المقروض وبعضهم يحمل قول عبيد : حال الجريض دون القريض على هذا . ابن سيده : قرض البعير جرته يقرضها وهي قريض : مضغها أو ردها . وقال كراع : إنما هي الفريض ، بالفاء ، ومن أمثال العرب : حال الجريض دون القريض ، قال بعضهم : الجريض الغصة والقريض الجرة ; لأنه إذا غص لم يقدر على قرض جرته . والقريض : الشعر وهو الاسم كالقصيد ، والتقريض صناعته ، وقيل في قول عبيد بن الأبرص حال الجريض دون القريض : الجريض الغصص والقريض الشعر ، وهذا المثل لعبيد بن الأبرص قاله للمنذر حين أراد قتله ، فقال له : أنشدني من قولك ، فقال عند ذلك : حال الجريض دون القريض ، قال أبو عبيد : القرض في أشياء : فمنها القطع ومنها قرض الفأر ; لأنه قطع ، وكذلك السير في البلاد إذا قطعتها ; ومنه قوله :


                                                          إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف



                                                          ومنه قوله عز وجل : وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال . والقرض : قرض الشعر ومنه سمي القريض . والقرض أن يقرض الرجل المال . الجوهري : القرض قول الشعر خاصة . يقال : قرضت الشعر أقرضه إذا قلته ، والشعر قريض ، قال ابن بري : وقد فرق الأغلب العجلي بين الرجز والقريض بقوله :


                                                          أرجزا تريد أم قريضا ؟     كليهما أجد مستريضا



                                                          وفي حديث الحسن : قيل له : أكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمزحون ؟ قال : نعم ويتقارضون ، أي : يقولون القريض وينشدونه . والقريض : الشعر . وقرض في سيره يقرض قرضا : عدل يمنة ويسرة ومنه قوله عز وجل : وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال قال أبو عبيدة : أي : تخلفهم شمالا وتجاوزهم وتقطعهم وتتركهم عن شمالها . ويقول الرجل لصاحبه : هل مررت بمكان كذا وكذا ؟ فيقول المسئول : قرضته ذات اليمين ليلا . وقرض المكان يقرضه قرضا : عدل عنه وتنكبه قال ذو الرمة :


                                                          إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف     شمالا وعن أيمانهن الفوارس



                                                          ومشرف والفوارس : موضعان يقول : نظرت إلى ظعن يجزن بين هذين الموضعين . قال الفراء : العرب تقول قرضته ذات اليمين وقرضته ذات الشمال وقبلا ودبرا ، أي : كنت بحذائه من كل ناحية ، وقرضت مثل حذوت سواء . ويقال : أخذ الأمر بقراضته ، أي : بطراءته وأوله . التهذيب عن الليث : التقريض في كل شيء كتقريض يدي الجعل وأنشد :


                                                          إذا طرحا شأوا بأرض ، هوى له     مقرض أطراف الذراعين أفلح



                                                          قال الأزهري : هذا تصحيف وإنما هو التفريض ، بالفاء ، من الفرض ، وهو الحز ، وقوائم الجعلان مفرضة كأن فيها حزوزا ، وهذا البيت رواه الثقات أيضا بالفاء : مفرض أطراف الذراعين ، وهو في شعر الشماخ . وروى ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال : من أسماء الخنفساء المندوسة والفاسياء ، ويقال لذكرها المقرض والحواز والمدحرج والجعل .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية