الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قرر ]

                                                          قرر : القر : البرد عامة بالضم ، وقال بعضهم : القر في الشتاء ، والبرد في الشتاء والصيف ، يقال : هذا يوم ذو قر ، أي : ذو برد . والقرة : ما أصاب الإنسان وغيره من القر . والقرة أيضا : البرد . يقال : أشد العطش حرة على قرة ، وربما قالوا : أجد حرة على قرة ، ويقال أيضا : ذهبت قرتها ، أي : الوقت الذي يأتي فيه المرض ، والهاء للعلة ، ومثل العرب للذي يظهر خلاف ما يضمر : حرة تحت قرة ، وجعلوا الحار الشديد من قولهم : استحر القتل ، أي : اشتد وقالوا : أسخن الله عينه ! والقر : اليوم البارد . وكل بارد : قر . ابن السكيت : القرور الماء البارد يغسل به . يقال : قد اقتررت به ، وهو البرود ، وقر يومنا من القر . وقر الرجل : أصابه القر . وأقره الله : من القر فهو مقرور على غير قياس ، كأنه بني على قر ، ولا يقال : قره . وأقر القوم : دخلوا في القر . ويوم مقرور وقر وقار : بارد . وليلة قرة وقارة ، أي : باردة ، وقد قرت تقر وتقر قرا . وليلة ذات قرة ، أي : ليلة ذات برد ، وأصابنا قرة وقرة وطعام قار . وروي عن عمر أنه قال لابن مسعود البدري : بلغني أنك تفتي ، ول حارها من تولى قارها ، قال شمر : معناه ول شرها من تولى خيرها ، وول شديدتها من تولى هينتها ، جعل الحر كناية عن الشر والشدة ، والبرد كناية عن الخير والهين . والقار : فاعل من القر البرد ، ومنه قول الحسن بن علي في جلد الوليد بن عقبة : ول حارها من تولى قارها ، وامتنع من جلده . ابن الأعرابي : يوم قر ، ولا أقول قار ولا أقول يوم حر ، وقال : تحرقت الأرض ، واليوم قر ، وقيل لرجل : ما نثر أسنانك ؟ فقال : أكل الحار وشرب القار . وفي حديث أم زرع : لا حر ولا قر ، القر : البرد ، أرادت أنه لا ذو حر ولا ذو برد فهو معتدل ، أرادت بالحر والبرد الكناية عن الأذى ، فالحر عن قليله ، والبرد عن كثيره ، ومنه حديث حذيفة في غزوة الخندق : فلما أخبرته خبر القوم وقررت قررت ، أي : لما سكنت وجدت مس البرد . وفي حديث عبد الملك بن عمير : لقرص بري بأبطح قري ، قال ابن الأثير : سئل شمر عن هذا ، فقال : لا أعرفه إلا أن يكون من القر البرد ، وقال اللحياني : قر يومنا يقر ، ويقر لغة قليلة . والقرارة : ما بقي في القدر بعد الغرف منها . وقر القدر يقرها قرا : فرغ ما فيها من الطبيخ وصب فيها ماء باردا كيلا تحترق . والقررة ، والقررة ، والقرارة ، والقرارة ، والقرورة كله : اسم ذلك الماء . وكل ما لزق بأسفل القدر من مرق أو حطام تابل محترق أو سمن أو غيره : قرة وقرارة وقررة بضم القاف والراء وقررة وتقررها واقترها : أخذها وائتدم بها . يقال : قد اقترت القدر ، وقد قررتها إذا طبخت فيها حتى يلصق بأسفلها ، وأقررتها إذا نزعت ما فيها مما لصق بها عن أبي زيد . والقر : صب الماء دفعة واحدة . [ ص: 63 ] وتقررت الإبل : صبت بولها على أرجلها . وتقررت : أكلت اليبيس فتخثرت أبوالها . والاقترار : أن تأكل الناقة اليبيس ، والحبة فيتعقد عليها الشحم فتبول في رجليها من خثورة بولها ، ويقال : تقررت الإبل في أسؤقها ، وقرت تقر : نهلت ولم تعل عن ابن الأعرابي ، وأنشد :


                                                          حتى إذا قرت ولما تقرر وجهرت آجنة لم تجهر



                                                          ويروى أجنة . وجهرت : كسحت . وآجنة : متغيرة ، ومن رواه أجنة أراد أمواها مندفنة على التشبيه بأجنة الحوامل . وقررت الناقة ببولها تقريرا ، إذا رمت به قرة بعد قرة ، أي : دفعة بعد دفعة خاثرا من أكل الحبة ، قال الراجز :


                                                          ينشقنه فضفاض بول كالصبر     في منخريه قررا بعد قرر



                                                          قررا بعد قرر ، أي : حسوة بعد حسوة ونشقة بعد نشقة . ابن الأعرابي : إذا لقحت الناقة فهي مقر وقارح ، وقيل : إن الاقترار السمن تقول : اقترت الناقة سمنت ، وأنشد لأبي ذؤيب الهذلي يصف ظبية :


                                                          به أبلت شهري ربيع كلاهما     فقد مار فيها نسؤها واقترارها



                                                          نسؤها : بدء سمنها ، وذلك إنما يكون في أول الربيع إذا أكلت الرطب واقترارها : نهاية سمنها ، وذلك إنما يكون إذا أكلت اليبيس وبزور الصحراء فعقدت عليها الشحم . وقر الكلام والحديث في أذنه يقره قرا : فرغه وصبه فيها ، وقيل : هو إذا ساره . ابن الأعرابي : القر ترديدك الكلام في أذن الأبكم حتى يفهمه . شمر : قررت الكلام في أذنه أقره قرا ، وهو أن تضع فاك على أذنه فتجهر بكلامك كما يفعل بالأصم ، والأمر : قر ، ويقال : أقررت الكلام لفلان إقرارا ، أي : بينته حتى عرفه . وفي حديث استراق السمع : يأتي الشيطان فيتسمع الكلمة فيأتي بها إلى الكاهن فيقرها في أذنه كما تقر القارورة إذا أفرغ فيها ، وفي رواية : فيقذفها في أذن وليه كقر الدجاجة ، القر : ترديدك الكلام في أذن المخاطب حتى يفهمه . وقر الدجاجة : صوتها إذا قطعته ، يقال : قرت تقر قرا وقريرا . فإن رددته قلت : قرقرت قرقرة ، ويروى : كقز الزجاجة ، أي : كصوتها إذا صب فيها الماء . وفي حديث عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : تنزل الملائكة في العنان ، وهي السحاب ، فيتحدثون ما علموا به مما لم ينزل من الأمر فيأتي الشيطان فيستمع فيسمع الكلمة فيأتي بها إلى الكاهن فيقرها في أذنه كما تقر القارورة إذا أفرغ فيها مائة كذبة . والقر : الفروج . واقتر بالماء البارد : اغتسل . والقرور : الماء البارد يغتسل به . واقتررت بالقرور : اغتسلت به . وقر عليه الماء يقره : صبه . والقر مصدر قر عليه دلو ماء يقرها قرا ، وقررت على رأسه دلوا من ماء بارد ، أي : صببته . والقر بالضم : القرار في المكان تقول منه : قررت بالمكان بالكسر أقر قرارا ، وقررت أيضا بالفتح أقر قرارا وقرورا وقر بالمكان يقر ، ويقر ، والأولى أعلى ، قال ابن سيده : أعني أن فعل يفعل هاهنا أكثر من فعل يفعل ، قرارا وقرورا وقرا وتقرارة وتقرة ، والأخيرة شاذة ، واستقر وتقار واقتره فيه وعليه ، وقرره وأقره في مكانه فاستقر . وفلان ما يتقار في مكانه ، أي : ما يستقر . وفي حديث أبي موسى : أقرت الصلاة بالبر والزكاة ، وروي : قرت ، أي : استقرت معهما وقرنت بهما يعني أن الصلاة مقرونة بالبر ، وهو الصدق وجماع الخير ، وأنها مقرونة بالزكاة في القرآن مذكورة معها . وفي حديث أبي ذر : فلم أتقار أن قمت ، أي : لم ألبث ، وأصله أتقارر ، فأدغمت الراء في الراء . وفي حديث نائل مولى عثمان : قلنا لرباح بن المغترف : غننا غناء أهل القرار ، أي : أهل الحضر المستقرين في منازلهم لا غناء أهل البدو الذين لا يزالون متنقلين . الليث : أقررت الشيء في مقره ليقر . وفلان قار : ساكن ، وما يتقار في مكانه ؛ وقوله تعالى : ولكم في الأرض مستقر ؛ أي : قرار وثبوت ؛ وقوله تعالى : لكل نبإ مستقر ؛ أي : لكل ما أنبأتكم عن الله عز وجل غاية ونهاية ترونه في الدنيا ، والآخرة . والشمس تجري لمستقر لها ؛ أي : لمكان لا تجاوزه وقتا ومحلا ، وقيل : لأجل قدر لها ؛ وقوله تعالى : وقرن وقرن ، هو كقولك : ظلن وظلن ، فقرن على أقررن كظلن على أظللن ، وقرن على أقررن كظلن على أظللن ، وقالالفراء : ( قرن في بيوتكن ) هو من الوقار . وقرأ عاصم وأهل المدينة : وقرن في بيوتكن ؛ قال : ولا يكون ذلك من الوقار ، ولكن يرى أنهم إنما أرادوا : واقررن في بيوتكن ، فحذف الراء الأولى وحولت فتحتها في القاف ، كما قالوا : هل أحست صاحبك ، وكما يقال : فظلتم ، يريد فظللتم ، قال : ومن العرب من يقول : واقررن في بيوتكن ، فإن قال قائل : وقرن ، يريد واقررن فتحول كسرة الراء إذا أسقطت إلى القاف كان وجها ، قال : ولم نجد ذلك في الوجهين مستعملا في كلام العرب إلا في فعلتم وفعلت وفعلن ، فأما في الأمر والنهي ، والمستقبل فلا إلا أنه جوز ذلك ; لأن اللام في النسوة ساكنة في فعلن ، ويفعلن فجاز ذلك ، قال : وقد قال أعرابي من بني نمير : ينحطن من الجبل ، يريد : ينحططن ، فهذا يقوي ذلك ، وقال أبو الهيثم : وقرن في بيوتكن عندي من القرار ، وكذلك من قرأ : وقرن فهو من القرار ، وقال : قررت بالمكان أقر وقررت أقر . وقاره مقارة ، أي : قر معه وسكن . وفي حديث ابن مسعود : قاروا الصلاة هو من القرار لا من الوقار ومعناه السكون ، أي : اسكنوا فيها ولا تتحركوا ولا تعبثوا ، وهو تفاعل من القرار . وتقرير الإنسان بالشيء : جعله في قراره وقررت عنده الخبر حتى استقر . والقرور من النساء : التي تقر لما يصنع بها لا ترد المقبل ، والمراود ، عن اللحياني كأنها تقر وتسكن ولا تنفر من الريبة . والقرقر : القاع الأملس ، وقيل : المستوي الأملس الذي لا شيء فيه . والقرارة ، والقرار : ما قر فيه الماء . والقرار ، والقرارة من الأرض : المطمئن المستقر ، وقيل : هو القاع المستدير ، وقال أبو حنيفة : القرارة كل مطمئن اندفع إليه الماء فاستقر فيه ، قال : وهي من مكارم الأرض إذا كانت سهولة . وفي حديث ابن عباس وذكر عليا ، فقال : علمي إلى علمه كالقرارة في المثعنجر ، القرارة المطمئن من الأرض وما يستقر فيه ماء المطر وجمعها القرار . وفي حديث يحيى بن يعمر : ولحقت طائفة بقرار الأودية . وفي حديث الزكاة : بطح له بقاع قرقر ، هو المكان المستوي . وفي حديث عمر : كنت زميله في غزوة قرقرة الكدر ، [ ص: 64 ] هي غزوة معروفة ، والكدر : ماء لبني سليم . والقرقر : الأرض المستوية ، وقيل : إن أصل الكدر طير غبر سمي الموضع أو الماء بها ؛ وقول أبي ذؤيب :


                                                          بقرار قيعان سقاها وابل     واه فأثجم برهة لا يقلع



                                                          قال الأصمعي : القرار هاهنا جمع قرارة ، قال ابن سيده : وإنما حمل الأصمعي على هذا قوله : قيعان ، ليضيف الجمع إلى الجمع ، ألا ترى أن قرارا هاهنا لو كان واحدا فيكون من باب سل وسلة لأضاف مفردا إلى جمع ؟ وهذا فيه ضرب من التناكر والتنافر . ابن شميل : بطون الأرض قرارها ; لأن الماء يستقر فيها ، ويقال : القرار مستقر الماء في الروضة . ابن الأعرابي : المقرة الحوض الكبير يجمع فيه الماء ، والقرارة القاع المستدير ، والقرقرة الأرض الملساء ليست بجد واسعة ، فإذا اتسعت غلب عليها اسم التذكير ، فقالوا : قرقر ، وقال عبيد :


                                                          ترخي مرابعها في قرقر ضاحي



                                                          قال : والقرق مثل القرقر سواء ، وقال ابن أحمر : القرقرة وسط القاع ووسط الغائط المكان الأجرد منه لا شجر فيه ولا دف ولا حجارة ، إنما هي طين ليست بجبل ولا قف وعرضها نحو من عشرة أذرع أو أقل ، وكذلك طولها ؛ وقوله عز وجل : ذات قرار ومعين هو المكان المطمئن الذي يستقر فيه الماء ، ويقال للروضة المنخفضة : القرارة . وصار الأمر إلى قراره ومستقره : تناهى وثبت ؛ وقولهم عند شدة تصيبهم : صابت بقر أي : صارت الشدة إلى قرارها ، وربما قالوا : وقعت بقر ، وقال ثعلب : معناه وقعت في الموضع الذي ينبغي . أبو عبيد في باب الشدة : صابت بقر إذا نزلت بهم شدة ، قال : وإنما هو مثل . الأصمعي : وقع الأمر بقره ، أي : بمستقره ، وأنشد :


                                                          لعمرك ما قلبي على أهله بحر     ولا مقصر يوما فيأتيني بقر



                                                          أي : بمستقره ، وقال عدي بن زيد :


                                                          ترجيها ، وقد وقعت بقر     كما ترجو أصاغرها عتيب



                                                          ويقال للثائر إذا صادف ثأره : وقعت بقرك ، أي : صادف فؤادك ما كان متطلعا إليه فتقر ، قال الشماخ :


                                                          كأنها وابن أيام تؤبنه     من قرة العين مجتابا ديابوذ



                                                          أي : كأنهما من رضاهما بمرتعهما وترك الاستبدال به مجتابا ثوب فاخر فهما مسروران به ، قال المنذري : فعرض هذا القول على ثعلب ، فقال هذا الكلام ، أي : سكن الله عينه بالنظر إلى ما يحب ، ويقال للرجل : قرقار أي : قر واسكن ، قال ابن سيده : وقرت عينه تقر هذه أعلى عن ثعلب أعني فعلت تفعل وقرت تقر قرة وقرة الأخيرة عن ثعلب ، وقال : هي مصدر وقرورا ، وهي ضد سخنت ، قال : ولذلك اختار بعضهم أن يكون قرت فعلت ليجيء بها على بناء ضدها ، قال : واختلفوا في اشتقاق ذلك ، فقال بعضهم : معناه بردت وانقطع بكاؤها واستحرارها بالدمع فإن للسرور دمعة باردة وللحزن دمعة حارة ، وقيل : هو من القرار ، أي : رأت ما كانت متشوفة إليه فقرت ونامت . وأقر الله عينه وبعينه ، وقيل : أعطاه حتى تقر فلا تطمح إلى من هو فوقه ، ويقال : حتى تبرد ولا تسخن ، وقال بعضهم : قرت عينه مأخوذ من القرور ، وهو الدمع البارد يخرج مع الفرح ، وقيل : هو من القرار ، وهو الهدوء ، وقال الأصمعي : أبرد الله دمعته ; لأن دمعة السرور باردة . وأقر الله عينه : مشتق من القرور ، وهو الماء البارد ، وقيل : أقر الله عينك ، أي : صادفت ما يرضيك فتقر عينك من النظر إلى غيره ، ورضي أبو العباس هذا القول واختاره ، وقال أبو طالب : أقر الله عينه أنام الله عينه ، والمعنى صادف سرورا يذهب سهره فينام ، وأنشد :


                                                          أقر به مواليك العيونا

                                                          أي : نامت عيونهم لما ظفروا بما أرادوا ؛ وقوله تعالى : فكلي واشربي وقري عينا ؛ قال الفراء : جاء في التفسير ، أي : طيبي نفسا ، قال : وإنما نصبت العين ; لأن الفعل كان لها فصيرته للمرأة معناه لتقر عينك ، فإذا حول الفعل عن صاحبه نصب صاحب الفعل على التفسير . وعين قريرة : قارة ، وقرتها : ما قرت به . والقرة : كل شيء قرت به عينك ، والقرة : مصدر قرت العين قرة . وفي التنزيل العزيز : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ؛ وقرأ أبو هريرة : من قرات أعين ، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم . وفي حديث الاستسقاء : لو رآك لقرت عيناه ، أي : لسر بذلك وفرح ، قال : وحقيقته أبرد الله دمعة عينيه ; لأن دمعة الفرح باردة ، وقيل : أقر الله عينك ، أي : بلغك أمنيتك حتى ترضى نفسك وتسكن عينك ، فلا تستشرف إلى غيره ورجل قرير العين وقررت به عينا فأنا أقر وقررت أقر وقررت في الموضع مثلها . ويوم القر : اليوم الذي يلي عيد النحر ; لأن الناس يقرون في منازلهم ، وقيل : لأنهم يقرون بمنى ، عن كراع ، أي : يسكنون ويقيمون . وفي الحديث : أفضل الأيام عند الله يوم النحر ، ثم يوم القر ، قال أبو عبيد : أراد بيوم القر الغد من يوم النحر ، وهو حادي عشر ذي الحجة سمي يوم القر ; لأن أهل الموسم يوم التروية ، ويوم عرفة ، ويوم النحر في تعب من الحج ، فإذا كان الغد من يوم النحر قروا بمنى فسمي يوم القر ، ومنه حديث عثمان : أقروا الأنفس حتى تزهق ، أي : سكنوا الذبائح حتى تفارقها أرواحها ولا تعجلوا سلخها وتقطيعها . وفي حديث البراق : أنه استصعب ، ثم ارفض وأقر ، أي : سكن وانقاد . ومقر الرحم : آخرها ومستقر الحمل منه ؛ وقوله تعالى : فمستقر ومستودع ؛ أي : فلكم في الأرحام مستقر ولكم في الأصلاب مستودع ، وقرئ : فمستقر ومستودع ، أي : مستقر في الرحم ، وقيل : مستقر في الدنيا موجود ومستودع في الأصلاب لم يخلق بعد ، وقال الليث : المستقر ما ولد من الخلق وظهر على الأرض ، والمستودع ما في الأرحام ، وقيل : مستقرها في الأصلاب ومستودعها في الأرحام وسبق ذكر ذلك مستوفى في حرف العين ، وقيل : مستقر في الأحياء ومستودع في الثرى . والقارورة : واحدة القوارير من الزجاج ، والعرب تسمي المرأة القارورة وتكني عنها بها . والقارور : ما قر فيه الشراب وغيره ، وقيل : لا يكون إلا من الزجاج خاصة ؛ وقوله تعالى : ( قواريرا قوارير من فضة ؛ قال بعض أهل العلم : معناه أواني زجاج في بياض الفضة وصفاء القوارير ، قال ابن سيده : وهذا [ ص: 65 ] حسن ، فأما من ألحق الألف في قوارير الأخيرة ، فإنه زاد الألف لتعدل رءوس الآي . والقارورة : حدقة العين على التشبيه بالقارورة من الزجاج لصفائها وأن المتأمل يرى شخصه فيها ، قال رؤبة :


                                                          قد قدحت من سلبهن سلبا     قارورة العين فصارت وقبا



                                                          ابن الأعرابي : القوارير شجر يشبه الدلب ، تعمل منه الرحال والموائد . وفي الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قاللأنجشة وهو يحدو بالنساء : رفقا بالقوارير ، أراد صلى الله عليه وسلم بالقوارير النساء ، شبههن بالقوارير لضعف عزائمهن وقلة دوامهن على العهد ، والقوارير من الزجاج يسرع إليها الكسر ولا تقبل الجبر ، وكان أنجشة يحدو بهن ركابهن ويرتجز بنسيب الشعر والرجز وراءهن ، فلم يؤمن أن يصيبهن ما يسمعن من رقيق الشعر فيهن أو يقع في قلوبهن حداؤه ، فأمر أنجشة بالكف عن نشيده وحدائه حذار صبوتهن إلى غير الجميل ، وقيل : أراد أن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واشتدت فأزعجت الراكب فأتعبته فنهاه عن ذلك ; لأن النساء يضعفن عن شدة الحركة .

                                                          وواحدة القوارير : قارورة سميت بها لاستقرار الشراب فيها . وفي حديث علي : ما أصبت منذ وليت عملي إلا هذه القويريرة أهداها إلي الدهقان ، هي تصغير قارورة . وروي عن الحطيئة أنه نزل بقوم من العرب في أهله ، فسمع شبانهم يتغنون ، فقال : أغنوا أغاني شبانكم فإن الغناء رقية الزنا . وسمع سليمان بن عبد الملك غناء راكب ليلا وهو في مضرب له ، فبعث إليه من يحضره وأمر أن يخصى ، وقال : ما تسمع أنثى غناءه إلا صبت إليه ، قال : وما شبهته إلا بالفحل يرسل في الإبل يهدر فيهن فيضبعهن . والاقترار : تتبع ما في بطن الوادي من باقي الرطب وذلك إذا هاجت الأرض ويبست متونها . والاقترار : استقرار ماء الفحل في رحم الناقة ، قال أبو ذؤيب :


                                                          فقد مار فيها نسؤها واقترارها



                                                          قال ابن سيده : ولا أعرف مثل هذا اللهم إلا أن يكون مصدرا ، وإلا فهو غريب ظريف ، وإنما عبر بذلك عنه أبو عبيد ولم يكن له بمثل هذا علم ، والصحيح أن الاقترار تتبعها في بطون الأودية النبات الذي لم تصبه الشمس . والاقترار : الشبع . وأقرت الناقة : ثبت حملها . واقتر ماء الفحل في الرحم ، أي : استقر . أبو زيد : اقترار ماء الفحل في الرحم أن تبول في رجليها ، وذلك من خثورة البول بما جرى في لحمها . تقول : قد اقترت وقد اقتر المال إذا شبع . يقال ذلك في الناس وغيرهم . وناقة مقر : عقدت ماء الفحل فأمسكته في رحمها ولم تلقه . والإقرار : الإذعان للحق والاعتراف به . أقر بالحق ، أي : اعترف به . وقد قرره عليه وقرره بالحق غيره حتى أقر . والقر : مركب للرجال بين الرحل والسرج ، وقيل : القر الهودج ، وأنشد :


                                                          كالقر ناست فوقه الجزاجز



                                                          وقال امرؤ القيس :


                                                          فإما تريني في رحالة جابر     على حرج كالقر تخفق أكفاني



                                                          وقيل : القر مركب للنساء . والقرار : الغنم عامة ، عن ابن الأعرابي ، وأنشد :


                                                          أسرعت في قرار     كأنما ضراري
                                                          أردت يا جعار



                                                          وخص ثعلب به الضأن ، وقال الأصمعي : القرار والقرارة النقد ، وهو ضرب من الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه . الأصمعي : القرار النقد من الشاء ، وهي صغار وأجود الصوف صوف النقد ، وأنشد لعلقمة بن عبدة :


                                                          والمال صوف قرار يلعبون به     على نقادته ، واف ومجلوم



                                                          أي : يقل عند ذا ويكثر عند ذا . والقرر : الحسا ، واحدتها قرة ، حكاها أبو حنيفة ، قال ابن سيده : ولا أدري أي الحسا عنى أحسا الماء أم غيره من الشراب . وطوى الثوب على قره : كقولك على غره ، أي : على كسره ، والقر والغر والمقر : كسر طي الثوب . والمقر : موضع وسط كاظمة وبه قبر غالب أبي الفرزدق وقبر امرأة جرير ، قال الراعي :


                                                          فصبحن المقر وهن خوص     على روح يقلبن المحارا



                                                          وقيل : المقر ثنية كاظمة ، وقال خالد بن جبلة : زعم النميري أن المقر جبل لبني تميم . وقرت الدجاجة تقر قرا وقريرا : قطعت صوتها ، وقرقرت : رددت صوتها ، حكاه ابن سيده عن الهروي في الغريبين . والقرية الحوصلة مثل الجرية . والقر : الفروجة ، قال ابن أحمر :


                                                          كالقر بين قوادم زعر



                                                          قال ابن بري : هذا العجز مغير ، قال : وصواب إنشاد البيت على ما روته الرواة في شعره :


                                                          حلقت بنو غزوان جؤجؤه     والرأس ، غير قنازع زعر
                                                          فيظل دفاه له حرسا     ويظل يلجئه إلى النحر



                                                          قال هذا يصف ظليما . و بنو غزوان : حي من الجن ، يريد أن جؤجؤ هذا الظليم أجرب وأن رأسه أقرع ، والزعر : القليلة الشعر . ودفاه : جناحاه ، والهاء في له ضمير البيض ، أي : يجعل جناحيه حرسا لبيضه ويضمه إلى نحره ، وهو معنى قوله : يلجئه إلى النحر . وقرى وقران : موضعان . والقرقرة : الضحك إذا استغرب فيه ورجع . والقرقرة : الهدير والجمع القراقر . والقرقرة : دعاء الإبل ، والإنقاض : دعاء الشاء والحمير ، قال شظاظ :


                                                          رب عجوز من نمير شهبره     علمتها الإنقاض بعد القرقره



                                                          أي : سبيتها فحولتها إلى ما لم تعرفه . وقرقر البعير قرقرة : هدر وذلك إذا هدل صوته ورجع ، والاسم القرقار . يقال : بعير قرقار الهدير صافي الصوت في هديره ، قال حميد :


                                                          جاءت بها الوراد يحجر بينها     سدى بين قرقار الهدير وأعجما



                                                          وقولهم : قرقار ، بني على الكسر وهو معدول ، قال : ولم يسمع العدل من الرباعي إلا في عرعار وقرقار ، قالأبو النجم العجلي :


                                                          حتى إذا كان على مطار     يمناه ، واليسرى على الثرثار


                                                          قالت له ريح الصبا : قرقار     واختلط المعروف بالإنكار



                                                          يريد : قالت للسحاب قرقار كأنه يأمر السحاب بذلك . ومطار والثرثار : موضعان ، يقول : حتى إذا صار يمنى السحاب على مطار [ ص: 66 ] ويسراه على الثرثار قالت له ريح الصبا : صب ما عندك من الماء مقترنا بصوت الرعد ، وهو قرقرته والمعنى ضربته ريح الصبا فدر لها ، فكأنها قالت له : وإن كانت لا تقول . وقوله : واختلط المعروف بالإنكار ، أي : اختلط ما عرف من الدار بما أنكر ، أي : جلل الأرض كلها المطر فلم يعرف منها المكان المعروف من غيره . والقرقرة : نوع من الضحك وجعلوا حكاية صوت الريح قرقارا . وفي الحديث : لا بأس بالتبسم ما لم يقرقر . القرقرة : الضحك العالي . والقرقرة : لقب سعد الذي كان يضحك منه النعمان بن المنذر . والقرقرة : من أصوات الحمام وقد قرقرت قرقرة وقرقريرا نادر ، قال ابن جني : القرقير فعليل جعله رباعيا والقرقارة : إناء ، سميت بذلك لقرقرتها . .

                                                          وقرقر الشراب في حلقه : صوت . وقرقر بطنه صوت . قال شمر : القرقرة قرقرة البطن والقرقرة نحو القهقهة ، والقرقرة قرقرة الحمام إذا هدر ، والقرقرة قرقرة الفحل إذا هدر ، وهو القرقرير . ورجل قراقري : جهير الصوت وأنشد :


                                                          قد كان هدارا قراقريا

                                                          والقراقر والقراقري : الحسن الصوت قال :


                                                          فيها عشاش الهدهد القراقر



                                                          ومنه : حاد قراقر وقراقري جيد الصوت من القرقرة ، قال الراجز :


                                                          أصبح صوت عامر صئيا     من بعد ما كان قراقريا
                                                          فمن ينادي بعدك المطيا



                                                          والقراقر : فرس عامر بن قيس ، قال :


                                                          وكان حداء قراقريا



                                                          والقراري : الحضري الذي لا ينتجع يكون من أهل الأمصار ، وقيل : إن كل صانع عند العرب قراري . والقراري : الخياط قال الأعشى :


                                                          يشق الأمور ويجتابها     كشق القراري ثوب الردن



                                                          قال : يريد الخياط ؛ وقد جعله الراعي قصابا ، فقال :


                                                          وداري سلخت الجلد عنه     كما سلخ القراري الإهابا



                                                          ابن الأعرابي : يقال للخياط القراري والفضولي ، وهو البيطر والشاصر . والقرقور : ضرب من السفن ، وقيل : هي السفينة العظيمة أو الطويلة ، والقرقور من أطول السفن وجمعه قراقير ، ومنه قول النابغة :


                                                          قراقير النبيط على التلال



                                                          وفي حديث صاحب الأخدود : اذهبوا فاحملوه في قرقور ، قال : هو السفينة العظيمة . وفي الحديث : فإذا دخل أهل الجنة الجنة ركب شهداء البحر في قراقير من در . وفي حديث موسى عليه السلام : ركبوا القراقير حتى أتوا آسية امرأة فرعون بتابوت موسى . وقراقر وقرقرى وقرورى وقران وقراقري : مواضع كلها بأعيانها معروفة . وقران : قرية باليمامة ذات نخل وسيوح جارية قال علقمة :


                                                          سلاءة كعصا النهدي غل لها     ذو فيئة من نوى قران ، معجوم



                                                          ابن سيده : قراقر وقرقرى على فعللى موضعان ، وقيل : قراقر ، على فعالل ، بضم القاف ، اسم ماء بعينه ، ومنه غزاة قراقر ، قال الشاعر :


                                                          وهم ضربوا بالحنو ، حنو قراقر     مقدمة الهامرز حتى تولت



                                                          قال ابن بري : البيت للأعشى ، وصواب إنشاده : هم ضربوا ، وقبله :


                                                          فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي     وراكبها يوم اللقاء ، وقلت



                                                          قال : هذا يذكر فعل بني ذهل يوم ذي قار وجعل النصر لهم خاصة دون بني بكر بن وائل . والهامرز : رجل من العجم وهو قائد من قواد كسرى . وقراقر : خلف البصرة ودون الكوفة قريب من ذي قار ، والضمير في قلت يعود على الفدية ، أي : قل لهم أن أفديهم بنفسي وناقتي . وفي الحديث ذكر قراقر ، بضم القاف الأولى ، وهي مفازة في طريق اليمامة قطعها خالد بن الوليد ، وهي بفتح القاف ، موضع من أعراض المدينة لآل الحسن بن علي ، عليهما السلام . والقرقر : الظهر . وفي الحديث : ركب أتانا عليها قرصف لم يبق منه إلا قرقرها ، أي : ظهرها . والقرقرة : جلدة الوجه . وفي الحديث : فإذا قرب المهل منه سقطت قرقرة وجهه ، حكاه ابن سيده عن الغريبين للهروي . قرقرة وجهه ، أي : جلدته . والقرقر من لباس النساء ، شبهت بشرة الوجه به ، وقيل : إنما هي رقرقة وجهه وهي ما ترقرق من محاسنه . ويروى : فروة وجهه بالفاء ؛ وقال الزمخشري : أراد ظاهر وجهه وما بدا منه ، ومنه قيل للصحراء البارزة : قرقر . والقرقر والقرقرة : أرض مطمئنة لينة . والقرتان : الغداة والعشي قال لبيد :


                                                          وجوارن بيض وكل طمرة     يعدو عليها القرتين ، غلام



                                                          الجوارن : الدروع . ابن السكيت : فلان يأتي فلانا القرتين ، أي : يأتيه بالغداة والعشي . و أيوب بن القرية : أحد الفصحاء . والقرة : الضفدعة . وقران : اسم رجل . وقران في شعر أبي ذؤيب : اسم واد .


                                                          رأتني صريع الخمر يوما فسؤتها     بقران إن الخمر شعث صجابها

                                                          ابن الأعرابي : القريرة تصغير القرة وهي ناقة تؤخذ من المغنم قبل قسمة الغنائم فتنحر وتصلح ويأكلها الناس يقال لها قرة العين . قال ابن الكلبي : عيرت هوازن و بنو أسد بأكل القرة ، وذلك أن أهل اليمن كانوا إذا حلقوا رءوسهم بمنى وضع كل رجل على رأسه قبضة دقيق فإذا حلقوا رءوسهم سقط الشعر مع ذلك الدقيق ويجعلون ذلك الدقيق صدقة ، فكان ناس من أسد و قيس يأخذون ذلك الشعر بدقيقه فيرمون الشعر وينتفعون بالدقيق وأنشد لمعاوية بن أبي معاوية الجرمي :


                                                          ألم تر جرما أنجدت وأبوكم     مع الشعر في قص الملبد سارع
                                                          إذا قرة جاءت يقول : أصب بها     سوى القمل إني من هوازن ضارع



                                                          التهذيب : الليث : العرب تخرج من آخر حروف من الكلمة حرفا مثلها كما قالوا : رماد رمدد ، ورجل رعش رعشيش ، وفلان دخيل فلان ودخلله ، والياء في رعشيش مدة فإن جعلت مكانها [ ص: 67 ] ألفا أو واوا جاز وأنشد يصف إبلا وشربها :


                                                          كأن صوت جرعهن المنحدر     صوت شقراق إذا قال : قرر



                                                          فأظهر حرفي التضعيف ، فإذا صرفوا ذلك في الفعل قالوا : قرقر فيظهرون حرف المضاعف لظهور الراءين في قرقر ، كما قالوا : صر يصر صريرا ، وإذا خفف الراء وأظهر الحرفين جميعا تحول الصوت من المد إلى الترجيع فضوعف ; لأن الترجيع يضاعف كله في تصريف الفعل إذا رجع الصائت ، قالوا : صرصر وصلصل ، على توهم المد في حال ، والترجيع في حال . التهذيب : واد قرق وقرقر وقرقوس ، أي : أملس ، والقرق المصدر . ويقال للسفينة : القرقور والصرصور .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية